التقرير العلمي
حيدر مدانات وحسام مدانات)
ما رأيك في أن ترفع صوت المسجل في سيارتك حتى تبرّد الجو داخلها بدلاً من استخدام المكيِّف؟ لأول وهلة قد يبدو اقتراحنا هذا مجرد نكتة، بل إن قوانين الفيزياء، وحفظ الطاقة بالذات، قد توحي لنا بأن طاقة الصوت (رغم ضعفها) ستحوَّل إلى طاقة حرارية وتسخن الجو من حولنا، حتى لو كان ذلك جزءاً من مليون من الدرجة.
لكن الواقع أننا جديون في حديثنا حول تحويل الصوت إلى برودة، أي تبريد الجو وليس تسخينه. ولنبدأ بتذكيرك بمبدأ عمل الثلاجة أو المكيّف. فكلاهما يستخدم الطاقة الكهربائية بهدف التبريد. تستخدم الثلاجات حتى الآن تقنية وحيدة تعتمد على تغيير حالة المادة من غاز إلى سائل وبالعكس. يعرّض الغاز إلى ضغط كبير ليتحول إلى سائل، ثم يمرر السائل في أنبوب قليل الضغط فيعود السائل ليتحول إلى غاز فجأة، وخلال ذلك يمتص الحرارة من حوله. وبالطبع فإن هذه الخطوة الثانية، تحول السائل إلى غاز، تحصل داخل الثلاجة فتبرد. بينما يحصل تكثيف الغاز إلى سائل في الأنابيب خلف الثلاجة وخارجها فتسخن. (ولهذا السبب يجب إبقاء مسافة كافية بين الثلاجة والحائط خلفها لتسهيل تخلص الأنابيب الخلفية من حرارتها الزائدة).
لاحظ أن محصلة عمل الثلاجة هي أنها تعطي الحرارة. فكمية الحرارة التي تشعها من الأنابيب الخارجية الخلفية أكبر من كمية الحرارة التي تفقدها في داخلها. وهذا منطقي، فالطاقة الكهربائية التي تستهلكها الثلاجة تتحول في المحصلة إلى حرارة أي طاقة حرارية (إذ لا يوجد شيء اسمه طاقة برودة).
وهذا يذكّرنا بسؤال كلاسيكي مشهور حول الثلاجة: إذا شغّلت ثلاجة موضوعة في غرفة معزولة عن الخارج عزلاً كاملاً، بحيث أن الغرفة لا تكسب حرارة من خارجها ولا تفقدها؛ وإذا أبقيت باب الثلاجة مفتوحاً طوال 24 ساعة مثلاً، فهل ستبرد الغرفة أم تسخن في نهاية هذه الفترة؟
والإجابة الصحيحة بالطبع هي أن الثلاجة التي يبقى بابها مفتوحاً ستسخن الغرفة ولن تبردها. (وبالمثل، لو أنك شغّلت مروحة كهربائية في غرفة مغلقة ومعزولة بإحكام عن الخارج، فإن الغرفة ستسخن! فالشعور بالبرودة الذي تسببه المروحة ينتج عن حركة الهواء على سطح جسمك مباشرة وتبخير العرق بسرعة أكبر. وهذا يفسر عدم فائدة المروحة لك إذا لم تكن معرضاً لتيار الهواء الذي تحدثه).
التبريد بالصوت
اكتشفت العلاقة الوثيقة بين الصوت ودرجة الحرارة قبل قرنين من الزمان، وصاغ الفيزيائيون نظريات فيها. لكن البحث الجدي لاستغلال الصوت للتبريد لم يبدأ إلا من نحو عشرين عاماً، وذلك في مختبر لوس الاموس الوطني في نيومكسكو في الولايات المتحدة.
يكمن سر نجاح هذه التقنية في إصدار صوت بالغ الشدة داخل أنبوب يحتوي على سائل، مثل الكحول أو الهيليوم المسال، فتتعرض جزئيات السائل إلى تضاغط وتخلخل (موجات الصوت موجات طولية على شكل تضاغط وتخلخل لجزيئات الهواء أو أي وسط آخر تنتشر عبره).
يحسب طول الأنبوب بدقة. بحيث تبقى الموجة مستقرة (stationary) وتصدر رنيناً، وبحيث يكون الجانب الأيمن من الأنبوب في وضع تضاغط دائم (فيسخن) بينما الجانب الأيسر في وضع تخلخل دائم، فيبرد. ويمكن وصل هذا الجانب الأيسر بثلاجة مثلاً لتبريدها.
وحتى نحقق فرقاً مناسباً في درجة الحرارة بين الجانبين، بحيث لا يقل عن عشرين درجة سليوس، يجب توجيه صوت عالي الشدة علواً فائقاً، أكثر من (200) مئتي ديسبل. وهذا أقوى بمليون مرة من الصوت الناتج عن إطلاق صاروخ يحمل مركبة فضائية (صاروخ أريان – 5 مثلاً).
تطبيقات فضائية وأرضية
لجات وكالة الفضاء الأمريكية، ناسا، إلى استخدام التبريد الصوتي منذ عام 1992 عندما وضعت على متن المكوك الفضائي دِسكَفَري (الاكتشاف) ثلاجة صوتية مهمتها حفظ عينات البول والدم المأخوذة من رواد المكوك. وتستخدم هذه التقنية حالياً في تبريد اللاقطات بالأشعة تحت الحمراء على متن السوائل (الأقمار الصناعية) العسكرية الأمريكية.
وقد تبنت شركة أمريكية مشهورة بصناعة المثلجات (البوظة أو الأيس كريم أو الغلاس )، وهي شركة (بِن وجِري)، تبنت هذه التقنية لصنع أول ثلاجة صوتية تجارية. وقد موّلت الشركة الأبحاث الهادفة لإنتاج هذه الثلاجة بمبلغ (600000) ستمائة ألف دولار وعرضت في معرض يوم الأرض في نيويورك بتاريخ 22 نيسان 2004. حيث بردت (200) لتر من المثلجات.
يتكون الجزء الفعال من هذه الثلاجة الصوتية من أنبوب طوله 48سم وقطره 25سم وبداخله سائل غير مؤذِ (الكحول) (مقارنة مع المواد الخطرة على البيئة والمستخدمة في الثلاجات: كلوروفلوروكربون CFC سابقاً، واكتشف تأثيره الخطر على طبقة الأوزون عندما يتسرب من الثلاجات القديمة المهجورة والتالفة، ثم استبدل ليحل محله الهيدروفلوروكربون HFC، (لكن تبين أن لهذه المادة تأثيرات خطرة على الغلاف الجوي إذ أنها تسبب ظاهرة الدفيئة، أو الاحتباس الحراري، التي ترفع درجة حرارة الأرض).
على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، في فرنسا، تجرى أبحاث في مختبر المعلوماتية لميكانيكا العلوم والهندسة (Limsi) في أورسي بهدف التوصل إلى درجة حرارة منخفضة (150 درجة تحت الصفر) باستخدام الصوت في أنبوب طوله 16 متراً، وعند هذه الدرجة يمكن إسالة الغاز الطبيعي (الميثان) من أجل نقله بواسطة السفن.
نشير أخيراً إلى محاولات أخرى مختلفة كلياً للتبريد، وذلك باستخدام المجال المغنطيسي. وتدعم شركة بيجو – سِتروين الفرنسية للسيارات أبحاثاً في هذا المجال باستخدام عنصر الغدولينيوم (الذي يستخدم في رؤوس مسجلات الفيديو) لتكييف الهواء داخل السيارة. بينما تعمل جامعة كمبرِج على نفس الهدف، ولكن باستخدام سبيكة من الكوبلت والمنغنيز والسلكون والجرمانيوم.
أخيراً يجدر بالذكر أن هذه الوسائل الواعدة للتبريد تتميز بأنها صامتة غير مزعجة بعكس الثلاجات والمكيفات الحالية. والمفارقة الكبرى هي أن تقنية التبريد بالصوت، والتي قد نعتقد أنها مزعجة، هي طريقة صامتة إذ لا تسمح للصوت بالتسرب إلى خارج الأنبوب أو الجهاز.
Science et vie 1/2007
شكرا يا مهندس انا مهتم بالمواضيع دي يا ريت تفيدنا اكثر
ردحذفجزاك الله خيراً .... هذا الموضوع من اولويات اهتمامي في الوقت الحاظر... وأسال الله تعالى ان يوفقني لإجراء بحث بهذا الخصوص
ردحذفالسلام عليكم انا عندي بحث بهاذا الموضوع ممكن مساعده معن
حذفممكن توضيح مدى فاعلية التبريد بالصوت في تطبيقات أكبر كتكييف المباني،
حذفوالرجاء افادتنا لما توصلت اليه ببحثك في هذا الموضوع.
بارك الله بيك هاذه هو مشروعي السنه الحاليه ياريت تفدنا اكثر
ردحذف