Powered By Blogger

الأربعاء، 15 فبراير 2012

لماذا تتزايد حالات الحساسية

حسام جميل مدانات


لعلك سمعت بذلك القول الساخر: الحساسية هي كل ما ليس كذلك. أي أن الطبيب إذا لم يتوصل لتشخيص المرض تشخيصا واضحا، فانه يعزو السبب إلى الحساسية.

لا شك أن في هذا القول مبالغة رغم صحته في حالات معينة. فالحساسية موجودة وهي في تزايد على مستوى العالم. ومعظم حالات الحساسية سببها حبوب اللقاح التي تنثرها وتنشرها النباتات في الربيع خاصة. وهذا يفسر الحملة الإعلامية التي تعرضت لها شجرة الزيتون لعدة سنوات لدينا، وأدت الى تبني عملية قطع أشجار الزيتون في العاصمة. ويعلم الله ماذا سنقطع من أشجار بعدها.

يقدر أن 94% من حالات الحساسية في الولايات المتحدة تسببها حبوب اللقاح، وتنخفض هذه النسبة إلى 63% في اسبانيا (رغم وفرة أشجار الزيتون فيها، وأسواقنا لا تخلوا من الزيت والزيتون الاسبانيين)

تنوعت الأسباب والحساسية واحدة

استعرنا هنا شطر بيت الشعر العربي " تنوعت الأسباب والموت واحد". ونعني بذلك أن أعراض الحساسية تتشابه عادة. وتتراوح بين الشري أو الطفح الجلدي، وضيق التنفس والعطاس وسيلان الأنف وإفراز البلغم والدمع. وتتباين درجة الإصابة وخطورتها بين شخص وآخر، أو من وقت لآخر للشخص نفسه. وقد يصل الأمر بالبعض للعجز عن التنفس، والاضطرار لدخول المستشفى أو الاستعانة ببخاخ الأكسجين.
أسباب الحساسية ومصادرها متنوعة. ذكرنا أن حبوب اللقاح هي المتهم الأول. لكن الحساسية تجاه المواد الغذائية منتشرة أيضا وقد تضاعف عدد المصابين بسببها في فرنسا مرتين خلال السنوات الخمس الماضية ، حيث يعاني منها 4% من البالغين و8% من الأطفال.
ومن حيث المبدأ، فان أي طعام أو غذاء قد يسبّب الحساسية، لكن أخطر الأطعمة هي البيض والحليب والفستق(الفول السوداني حسب التعبير المصري)، وهذه المواد الثلاث مسؤولة عن 80% من حالات الحساسية الغذائية لدى الأطفال.
وتسبب أجواء الغرف والمكاتب الحساسية للكثيرين بما تحويه من غبار أو فطريات تنمو على الرطوبة، أو حشرة القراد أو العث البالغة الصغر والتي تتواجد بكثرة على الفراش والسجاد، أو شعر الحيوانات المنزلية والأليفة كالقطط والكلاب. وتسبب أجهزة التكييف في المنازل والمكاتب الحساسية نظرا لتوافر بيئة مناسبة لنمو الفطريات داخلها.
ويزيد في خطورة أجواء المنازل الاستخدام المتزايد والمفرط لمواد التنظيف الكيماوية. والتي تحتوي على الكلور بشكل رئيسي.
جهاز المناعة مسؤول عن الحساسية
على مدى ملايين السنين التي عاشها الإنسان على سطح الأرض. تكيف جسمه وجهاز مناعته واعتادا على تقبل مواد غذائية وظروف بيئية متنوعة من حوله. لكن التغيرات الهائلة والمتسارعة التي يشهدها إنسان اليوم، في مختلف مظاهر الحياة، قد عرضت جهاز المناعة لديه لضغوط كبيرة ولظروف غريبة ليس له عهد بها. وكما كتبت "خيرة بن طيب" في مجلة العلم والحياة الفرنسية، عدد تموز 2009، فان الحساسية هي رد فعل غير اعتيادي لنظام المناعة عند تعرض الجسم لعامل ممرض. عندئذ ينتج جهاز المناعة أجساما مضادة لهذه العوامل الممرضة. يرمز لهذه الأجسام بالرمز (I g E). وهي التي تحدت الأعراض المصاحبة للحساسية كالطفح الجلدي وضيق التنفس.

قلنا أن أسلوب حياتنا المعاصرة قد احدث الاضطراب في جهاز المناعة لدينا. لكن ما هي بالضبط الممارسات المسؤولة عن ذلك؟
ان المتهم الأول هو استخدامنا المتزايد للمضادات الحيوية، سواء تلك التي نتناولها مباشرة لمقاومة التهابات بكتيرية، أو تلك التي تدخل أجسامنا عن طريق تناول لحوم الدواجن والأغنام والأبقار المحقونة بهذه المضادات.
السبب الثاني هو تحول نسبة كبيرة من الأمهات إلى الإرضاع الاصطناعي بدلا من الطبيعي بواسطة الثدي، مما حرم الرضيع من عدة عناصر قوة موجودة في حليب الأم.
العامل الثالث هو ذلك التوجه العام والمركز نحو النظافة والتعقيم وخاصة فيما يتعلق بالأطفال، فطفل اليوم لا يتعرض بشكل كاف للبكتيريا، ومعظمها صديقة وغير مؤذية. هذه البكتيريا ضرورية لبناء وتثقيف جهاز المناعة لدينا. فهذه الميكروبات تعلم جهاز المناعة كيف يتحمل بعض العوامل الغريبة والأجنبية، وإلا فان جهاز المناعة يضطرب ويبادر لمقاومة مواد غذائية معينة أو حبوب اللقاح أو العث، مما يسبب أعراض الحساسية. لاحظ كيف تتغذى الحيوانات البرية من الأرض مباشرة، وكيف تأكل قطط الشوارع من حاويات القمامة، دون أن تصاب بالتهابات واسهالات تجعلها تلجأ للأطباء باستمرار كما هو دأبنا مع أطفالنا الذين يعيشون في جو معقم. إن القوة أفضل من الضعف. والتعقيم المفرط يسبب ضعف الجسم وتردي مناعته.
ولا ننسى أن التلوث البيئي يساهم لدرجة كبيرة في تزايد إصابات الحساسية. فدخان السيارات والسجائر والدهان والمواد الاصطناعية كالبولستر ين تدفع بنظام المناعة لدينا إلى أقصى حدود التحمل.

الأغذية المصنّعة والمضافات الغذائية هي الأخطر.

يشكو معظمنا من إقبال أطفالنا على الوجبات السريعة والأطعمة المصنعة أو ما يسمى طعام القمامة ( جنك فود). ولشكوانا ما يبررها. وأحد المبررات هو أن هذه الوجبات مسئولة عن زيادة حالات الحساسية. وتعاني أمريكا، مصدر هذا النوع من الوجبات، من ارتفاع نسبة الحساسية مقارنة بالدول الصناعية الأخرى. وتفسير ذلك هو أن كل وجبة سريعة تحتوي عددا كبيرا من المكونات، يتراوح عادة بين 10 و 20 مكونا. وهذا يزيد احتمال احتوائها على مسببات الحساسية.
كما أن المعالجة الصناعية المتزايدة للغذاء بهدف حفظه مدة أطول أو إضفاء نكهة أو لون أو طعم جذاب، قد تحول جزيئات الطعام الطبيعية إلى مواد محسسة.
وإن المزج بين مادتين غذائيتين قد يجعلهما تسببان الحساسية. فقد دلت دراسة انجليزية عام 2003 على أن الأطعمة المحتوية على زيت الصويا والفستق معا تزيد خطورة الإصابة بالحساسية بنسبة 260% لدى من يتحسسون من الفستق وحده. ويعتقد أن أنظمة الزراعة الحديثة المكثفة تساعد على ظهور ما يسمى ببروتينات التوتر في الفواكه والخضار، ويطلق عليها اسم بروفيلينات، وهذه المواد تسبب الحساسية أيضا.
وأخيرا نلاحظ أن حياة الرفاهية السائدة لدينا حاليا، والتي جعلت أسواقنا تحفل بفواكه وخضار وأطعمة بحرية غريبة عنا، تردنا من مختلف أنحاء العالم، تعرض أجسامنا وأنظمة المناعة فيها لضغوط استثنائية.

.
ان الحساسية في تزايد لدينا ولدى مختلف الشعوب. وهي حاليا رابع الأمراض المزمنة من حيث الانتشار، حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية. وهي تصيب شخصا من كل خمسة في فرنسا حاليا. ويتوقع أن تصبح النسبة شخصا من كل اثنين عام 2020.

Science et Vie 7/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق