Powered By Blogger

الأربعاء، 15 فبراير 2012

عندما يسبب الإنسان الزلازل

حسام جميل مدانات

قد يرفع البعض حاجبيه مستغربا هذا العنوان ومستهجنا فكرة أن يتمكن الإنسان من أحداث الزلازل، هذه الظاهرة البالغة العنف والتي تحمل طاقة هائلة لدرجة يصعب أن نتخيل قدرة الإنسان على إحداثها. ومن المتفق عليه حاليا أن الزلازل تنتج بشكل عام عن حركة صفائح القشرة الأرضية ومنها الصفائح الرئيسية للقارات والمحيطات.

لكن يبدو أن المنشآت البشرية الضخمة، مثل السدود وما تحجز خلفها من بحيرات اصطناعية، والمناجم الكبيرة، وحتى المشاريع الهندسية العملاقة مثل ناطحات السحاب، قد تولد هزات أرضية مدمرة أو تعجل في حدوثها إذا كانت المنطقة تتصف بنشاط زلزالي.

وقد حدثت بالفعل عدة زلازل في مختلف أنحاء العالم، وألقى العلماء باللائمة في حدوثها على مشاريع ضخمة. ولن هذه الزلازل من صنع البشر، فإن البعض يطلق عليها اسم "الزلازل البشرية".

ومن ذلك مشروع الحفر العميق لاستغلال الطاقة الحرارية الجوفية في مدينة بال السويسرية والهزات التي حصلت هناك في كانون أول 2006، ومناجم الفحم في ولاية أوتا الأمريكية والهزات المسجلة في آب 2007. ولعل أخطر هذه الزلازل البشرية ذلك الذي حصل في مقاطعة سشوان الواقعة غرب الصين في 12 أيار 2008 وقتل 88000 شخصا وجرح 000 400 آخرين، ودمر خمسة ملايين مبنى. ويوجه بعض العلماء أصبع الاتهام في هذا الزلزال إلى سد" زبنغ بو" الذي أنشيء على نهر "من" بارتفاع 156 مترا. وتتسع البحيرة الاصطناعية الواقعة خلفه لنحو مليار متر مكعب ( أي مليار طن) من الماء، وقد أنجز السد في أواخر عام 2004، أي قبل حصول الزلزال بنحو 4 سنوات. وإذا لم يكن هذا السد لوحده قادرا على إحداث زلزال ضخم فانه قد يكون ساعد على حدوثه لأنه يقع على بعد نصف كيلو متر فقط من مجموعة فوالق زلزالية. وكانت شدة الزلزال المدمر 7.9 على مقياس رختر، وبؤرته على بعد بضعة كيلومترات من السد.

وهذا يذكرنا بالنقد الذي وجهه الغرب للسد العالي الذي أنشيء في مصر قرب مدينة أسوان قبل نحو نصف قرن بدعم سوفيتي. إذ أثير احتمال أنه سيسبب زلازل مدمرة في المنطقة ( إضافة إلى سلبيات أخرى مثل كونه يمنع وصول الطمي الغني لأراضي مصر الزراعية مما سيدمر الزراعة في مصر على المدى البعيد حسب رأيهم، كما أن البحر المتوسط قد يغمر الساحل المصري والدلتا الذي سينخفض مستواه لحرمانه من الطمي...!).

الاستدلال بالتاريخ الزلزالي للمنطقة

حتى يتمكن الجيولوجي من تبرير شكوكه أو اتهامه لمنشآت معينة بأنها هي التي أطلقت العنان لهزات أرضية في المنطقة، فإن عليه أن يتفحص التاريخ الزلزالي لهذه المنطقة، وأن يكون هذا التاريخ معروفا بالتفصيل خلال فترة طويلة سابقة للمشروع الإنشائي الضخم والمتهم بإحداث الهزات. وتملك فرنسا سجلا مفصلا بالهزات المحسوسة، أي التي شعر بها الناس، والتي حدثت خلال القرون الخمسة الماضية . وقد اعتمد جون – روبير غرسّو على هذا السجل لإثبات أن الهزات التي حدثت وما زالت تحدث في منطقة بو Pau الفرنسية منذ أربعين سنة، والتي بلغت شدة بعضها 4، سببها هو آبار الغاز الطبيعي الضخمة التي استغلتها شركة النفط إلف أكيتين منذ عام 1969 في منطقة " لك " المجاورة. إذ كان المعروف أن هذه المنطقة، حوض أكيتين ، من أكثر بقاع فرنسا استقرارا من الناحية الزلزالية.

ويقال الأمر نفسه عن منطقة شمال شرق الولايات المتحدة حيث تتهم مشاريع المناجم الضخمة بأنها وراء حدوث هزة من كل ثلاث هزات تحدث هناك منذ الثمانينات.

الزلازل البشرية في العالم

في عام 2007 نشر الجيولوجي الأمريكي كرستيان كلوز، من مرصد جامعة كلومبيا – نيويورك، إحصائية شملت أكثر من 200 موقع في العالم تسبب فيها النشاط الإنساني في حدوث هزات أرضية خلال المائة سنة الأخيرة. وهو يلاحظ أن معظم هذه الهزات قد حصلت في مناطق قارية داخلية ومستقرة زلزاليا عادة، حسب السجلات التاريخية لها. وعلى خلاف المناطق ذات النشاط الزلزالي العنيف والمتكرر تاريخيا، فان هزات المناطق المستقرة زلزاليا تحدث في الكيلومترات القليلة القريبة من السطح، وبالتالي فهي أكثر تأثرا بالأنشطة البشرية الضخمة. وقد تنتج الهزات عن التفجيرات الذرية تحت سطح الأرض، مثل تجربة التفجير الذري التي قامت بها كوريا الشمالية في تشرين أول عام 2006 والتي تسببت في هزة شدتها 4.2. وقد يعاني الموقع نفسه من مئات الهزات، كما هو الحال في هولندا أو الهند حيث سبب سد كونيا 19 زلزالا بشدة أكبر من 5 منذ 44 سنة. كما سبب سد كاريبا في زامبيا في إفريقيا زلزالا عنيفا بشدة 6.2، وحصلت عدة هزات ضعيفة في منطقة الخليج العربي بسبب آبار النفط.

وأخيرا نذكر ظاهرة أخرى ذات صلة، ألا وهي الانهيارات الأرضية التي لاحظنا حدوثها في منطقة البحر الميت لدينا نتيجة انخفاض مستوى سطح الماء فيه باستمرار منذ تحويل إسرائيل، في عام 1964، لمياه نهر الأردن التي كانت تغذيه، فحصل انخساف في الأراضي المجاورة، نتيجة عمليات جيولوجية معقدة تضمنت ذوبان الصخور الملحية الجوفية،. مما أدى مثلا لانهيار أحد سدود شركة البوتاس لدينا قبل بضع سنوات.

وعلى أية حال، فإذا ثبت يقينا مسؤولية المشاريع الضخمة عن حدوث الهزات الأرضية، فان هذا يفرض على المهندسين وأصحاب هذه المشاريع أن يأخذوا بالحسبان هذه المخاطر الزلزالية عند اختيار موقع المشروع وأثناء تصميمه وإنشائه.

Science et Vie

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق