Powered By Blogger

الأربعاء، 15 فبراير 2012

لماذا تصيبنا النقود بالمرض

حسام جميل مدانات

لعل بعضنا يذكر قصة أحد كبار أغنياء اليابان الذي خاب أمله في ابنه الوحيد ذي الطبيعة الحالمة والذي لم يظهر أية رغبة بإدارة شركات والده ومصانعه الضخمة. لكن الوالد لم ييأس، بل عمد إلى منح ابنه مليون دولار ليستثمرها خلال سنة . وبعد بضعة أسابيع انتحر الابن لأنه عجز عن تحمل عبء ومسؤولية استثمار ذلك المبلغ الضخم.
خلال السنة الماضية، ومع كارثة انهيار أسعار العقارات والبورصات العالمية، شعر الفقراء بأنهم محظوظون إذ أن ليس لديهم ما يخسرونه. فهم لم يعانوا من الخسائر التي قصمت ظهر بعض من يملكون الكثير. فالذي كان يملك عقارات قيمتها عشرة ملايين وانخفضت قيمتها إلى خمسة ملايين أصيب بجلطة قلبية أو باكتئاب وإحباط، رغم أنها ربما لم تكلفه في الأساس عشر قيمتها الحالية. ومن وظف أمواله في سوق الأوراق المالية، أمضى أشهرا عصيبة وهو يشاهد أمواله تتآكل أمام عينيه. هذا عدا عن التوتر الدائم الذي يعانيه مضارب الأسهم مع ارتفاع أسعارها وهبوطها يوميا.
إن جوهر مشكلة من يملك المال حاليا ، أن المال يتآكل ويفقد من قيمته مع الزمن .. ولم يكن هذا هو الحال دائما عبر التاريخ.. ولذلك فان عليه أن يستثمره حتى لا يخسر من قيمته يوما بعد يوم. لكن تحقيق استثمار مجد ومربح ليس دائما بالأمر السهل.

محدثو النعمة أكثر عرضة للمرض

قبل عدة سنوات كانت الصورة النمطية للغني الموسر في بلادنا هي "شخص أصلع ذو كرش كبير" ومن ذلك التعبير الشعبي "فلان صحته مليحة" أي أنه بدين. ولحسن الحظ فقد بدأت هذه الصورة بالتغير نحو تفضيل الشخص الرياضي الوسيم. لكن الواقع ما زال بعيدا عن ذلك، فأفراد المجتمعات المحدثة الغنى يعانون من عواقب التخمة والخمول بسبب الاستخدام المفرط للسيارة وعدم ممارسة الرياضة، فنجد مثلا أن أعلى نسبة للإصابة بمرض السكري في العالم هي في دول الخليج العربي وما شابهها من دول أنعم الله عليها بثروات طارئة نتيجة استغلال آبار النفط أو مناجم الفوسفات وغيره من المصادر الطبيعية. ولا ننسى الأمراض الأخرى الملازمة لحياة الخمول والتخمة، كأمراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم والدسك، أي إصابة العمود الفقري بسبب البدانة والخمول.
ونلاحظ أن معظم الثروة في الدول النامية تتراكم في أيد قليلة. ومهما كانت الوسائل التي استولى فيها هؤلاء على مقدرات البلد، وسواء كانت ملتوية أو قانونية شكلا، فإنهم يعانون عادة من شعور بالقلق كشعور اللص الذي يبقى متوجسا من كشف فعلته وتعرضه للمحاسبة في أية لحظة. أو لعله شعور بالذنب تجاه الاستيلاء على لقمة عيش الآخرين، وذلك بفضل الوازع الديني الذي قد لا يتمكن المال الوفير من إلغائه لدى البعض. ويؤدي هذا القلق الدائم إلى عواقب وأمراض صحية ونفسية لا تعالجها الأموال الطائلة التي كانت سببا في هذه الأمراض.

المال مصدر قوة ومصدر ضعف معا

المال نعمة . هذا صحيح. والمال والبنون زينة الحياة الدنيا.
لكن كل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده، فالطعام مثلا ضروري، لكن الإفراط في تناوله قاتل. وكذلك المال. فتكالبك على جمع المال لا يحصل إلا على حساب أمور أخرى تتفاوت في أهميتها. فقد يكون على حساب الوقت الذي تمضيه مع زوجتك وأطفالك. أو على حساب صحتك ، أو كرامتك، أو على حساب نزاهتك. فكل شيء له ثمن. وتكون النتيجة أنك أصبحت مستعبدا لهوس جمع المال. لقد خسرت حريتك وحياتك لتكدس المال، من أجل ماذا ؟ من أجل معالجة شعور بالنقص تجاه آخرين اعتقدتهم أفضل منك لأنهم أوفر مالا. أو من أجل تأمين مستقبلك ومستقبل أولادك .. فتخسر الحاضر دائما لتكسب المستقبل الذي قد لا يأتي. أو من أجل أن تنفق أكثر وتستهلك أكثر، وتحصل على وسائل رفاهية لست في حاجة لها حقا. أو لمجرد تكديس المال بأشكاله المتنوعة. مالا منقولا أو غير منقول أي عقار.. لتصبح مجرد حارس مال ينطبق عليك بيت الشعر:
كالعير في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول
لا شك أن ما كتب في موضوع المال والثروة والصفات والآفات المتعلقة بهما يعد بملايين الصفحات، سواء في لغتنا العربية أم في غيرها من اللغات.
وقد أخذت عنوان هذا المقال والصورة المرفقة وبعض الأفكار من المجلة الفرنسية "هذا يهمني" عدد أيلول 2009 ، لكني أود أن أشير إلى كتاب لطيف في هذا المجال بعنوان سيكولوجية المال – هوس الثراء وأمراض الثروة – تأليف أكرم زيدان، ضمن سلسلة عالم المعرفة/ العدد 351- أيار 2008. حيث يناقش ويعرض للنظريات النفسية للمال، والسلوكيات المختلفة لجمع المال مثل سلوك الرشوة، أو النصب والاحتيال أو التهرب من الضرائب، أو البخل والتقتير.
كما أن الهوس بالمال أو الطمع قد يسبب السلوك الأحمق أو الغبي. فكم سمعنا عن حوادث نصب حين يوهم محتالون شخصا بأنه سيحصل على الذهب أو الدولارات مقابل جزء بسيط من قيمتها أو أنه سيحصل على نسبة فائدة عالية للغاية من مبلغ يودعه لديهم _ كما في حكاية البورصات العالمية، أو أن تتلقى رسالة توهمك بأنك ربحت 20 مليون دولار، أو أن يطلب منك المساهمة في تبييض مبلغ مماثل مقابل نسبة منه. وفي جميع هذه الحالات تجد أشخاصا ذوي ذكاء طبيعي ينجرون خلف سراب الربح السهل السريع، فيخسرون كل ما يملكون. فطمعهم كان أكبر من ذكائهم. وكان المال سببا للحمق، والحمق سببا للخسارة.
ودعنا لا نهمل سلوكا آخر مرتبطا بالمال لكنه مناقض لهوس جمع المال ، وأعني بذلك سلوك الإنفاق المفرط وتبذير المال. وهذا أيضا سلوك غير سوي وله عادة جذوره من التجارب المؤثرة أثناء الطفولة أو لأسباب أو عوامل أخرى آنية مثل تبذير الزوجة لمال زوجها حتى تحرمه من أية فرصة لزواج أخرى ... ويتخذ التبذير أشكالا متنوعة: شراء سلع لن تستخدم، مثل هوس شراء مئات الملابس والأحذية لدى بعض النساء، أو المبالغة في الإنفاق على وسائل الترفيه والاستجمام كالرحلات أو السهرات والولائم، أو ممارسة العاب الحظ والقمار.
وأخيرا نعرض لبعض الأقوال والأمثال المتعلقة بالمال:
o قد يجعلك ذكاؤك ثريا، لكن المال قد يحولك إلى أحمق
o المهووس بالمال لا يملك المال وإنما هو عبد له
o بسبب المال (والمرأة) انشغلت المحاكم وامتلأت السجون
o حافظ على الفلس، فيحافظ الدينار على نفسه ( مثل انجليزي)
o ما يكسب بسهولة يضيع بسهولة (مثل انجليزي)
o ولم أر مثل جمع المال داء ولا مثل البخيل به مصابا (أحمد شوقي)
o من مفارقات الدنيا: غني يملك الطعام ويفتقد الشهية، وفقير يملك الشهية ويفتقد الطعام
o يقال: كل لتعيش ولا تعش لتأكل، وبالمثل: اجمع المال لتعيش ولا تعش لتجمع المال
o ماذا يفيدك لو كسبت العالم كله وخسرت نفسك؟
o البخيل يعيش فقيرا ويموت غنيا


Ca M'intersse Sept 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق