Powered By Blogger

الأربعاء، 15 فبراير 2012

وأخيرا تم إحصاء نجوم مجرتنا

حسام جميل مدانات

درب التبانة هي مجرتنا، وهي تحتوي عدا شمسنا عددا هائلا من النجوم الأخرى. وكان الأولى بالفلكيين أن يتعرفوا على هذه المجرة ويحصوا موجوداتها. وهذا هو بالضبط ما فعله فلكيون فرنسيون من خلال إنجازهم لمشروع ضخم، حيث أعلنوا في صيف هذا العام انجازهم للمشروع بعد عمل دؤوب دام نحو ربع قرن.

مزج الرصد الفلكي بالحساب الرياضي

مجرة درب التبانة هي مجرة حلزونية ضخمة، ويوجد من نوعها عشرات مليارات المجرات في الكون المرئي. وهي تشبه قرصا منتفخ الوسط. يدور حول مركزه. وقطره نحو مئة ألف سنة ضوئية. وتقع شمسنا داخل هذا القرص، على بعد ثمانية وعشرين ألف سنة ضوئية من مركزه (السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في السنة).

بدأ هذه الدراسة فريق من الفلكيين في مرصد مدينة بيزنصون الفرنسية عام 1985. ومع انتهاء المشروع تم إحصاء مئة وأربعين مليار نجم، زائدا أو ناقصا عشرة مليارات.
قد تستغرب طول المدة التي استغرقها هذا العمل. لكنه لم يكن سهلا. ولعل ما عقد مهمة الفلكيين هو كون شمسنا والمجموعة الشمسية معها تقع ضمن هذه المجرة. ولو كنا خارجها لكانت دراستها أسهل. خاصة أن السديم أو الغبار الكوني في قلب مجرتنا يحجب عنا الكثير من نجومها. كما أن مجرتنا كبيرة لدرجة يستحيل معها رؤية جميع نجومها، حتى لو استعنا بالتلسكوب الفضائي هبل أو بأقوى المراصد الأرضية. ولهذه الأسباب مجتمعة لم تكن معلوماتنا عن مجرتنا وافية وكافية. وكدليل على ذلك نذكر أن أكبر فهرس فلكي حاليا، ويدعى كتلوغ USNO-B1.0، هو حصيلة مجمل الأرصاد الفلكية العالمية خلال نصف قرن، ولا يحتوي سوى مليار نجم في مجرتنا، أي نحو 1% فقط من العدد الذي أعلنه الفلكيون الفرنسيون مؤخرا.
وكان الحل الذي اعتمدته آني روبن، مديرة المشروع ومديرة الأبحاث أيضا في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS) هو دعم الأرصاد الفلكية بحسابات إحصائية ورياضية للتوصل إلى إعداد نموذج رقمي للمجرة. في عام 2003 نشرت آني روبن وزملاؤها تفاصيل هذا النموذج، الذي أطلق عليه اسم النموذج المعياري أو نموذج بيزنصون، وأصبح مرجعا لا غنى عنه لكل من يدرس مجرة درب التبانة. ويتوفر هذا النموذج على شكل برنامج حاسوبي تفاعلي على الانترنت، يمكن للفلكيين المحترفين أن يستخدموه لدراسة مجرتنا بعد أن يختاروا البرامات ( البرامترات) التي تهمهم.
نتائج مثيرة
كان معظم الفلكيين يتوقعون وجود ما بين مئتين وأربعمئة مليار نجم في مجرتنا، لكن المشروع أظهر وجود 140 مليارا فقط. أكثر من نصفها نجوم صغيرة قزمة حمراء اللون. وهي أقل إشعاعا للضوء من شمسنا بما بين مئة مرة وعشرة آلاف مرة.
أما النجوم العملاقة، الأكبر من شمسنا بعشرين مرة أو أكثر، فهي قليلة ولا يزيد عددها عن بضعة آلاف نجم. وتوصف شمسنا عادة بأنها نجم متوسط الحجم والكتلة، لكن تبين أن هذا التعبير غير دقيق. فالنجوم المقاربة لشمسنا في كتلتها، وبالذات تلك التي تقع كتلتها بين نصف كتلة شمسنا إلى ضعفيها قليلة العدد ولا تمثل أكثر من 15% من عدد نجوم المجرة. بينما النجوم المماثلة لنجمنا تماما، أي نفس الحجم والكتلة والإشعاع تقريبا، فلا يزيد عددها عن 2,4 مليار، أي أقل من 2% من عدد نجوم المجرة.. والواقع أن عدد النجوم الحقيقية في مجرتنا، أي تلك التي تشع طاقة كبيرة ناتجة عن تفاعلات نووية اندماجية، لا يزيد عن مئة مليار. أما الأربعون مليارا الباقية فهي نجوم مجهضة أو أجنة نجوم لم يكتمل تكونها وولادتها، ولهذا السبب فهي نجوم ميتة ذات إشعاع ضعيف للغاية.تتضمن هذه النجوم الميتة عدة أصناف.
أول الأصناف هي النجوم القزمة البنية، وهي الأكثر عددا، نحو 30 مليارا، ولم تعرف وتدرس إلا منذ ثلاثين سنة. وهي نجوم صغيرة وخفيفة لدرجة لا تسمح ببدء التفاعل النووي في قلبها. فلا يصدر عنها من إشعاعات إلا تلك المتسببة عن الحرارة الناتجة عن انضغاط الغازات المكونة لها.
ثم هناك النجوم القزمة البيضاء، وعددها أكثر قليلا من عشرة مليارات وهي قلوب نجوم عملاقة قديمة انفجرت واختفت باستثناء قلبها. الصنف الثالث من النجوم القليلة الإشعاع هي النجوم النيوترونية، وهي كتل فائقة الكثافة والكتلة، لكنها صغيرة الحجم، لا يزيد قطرها عن عشرين كيلومترا. وعددها في مجرتنا نحو المليار. وهناك مليار آخر من الثقوب السوداء التي تبلغ كتلتها نحو كتلة الشمس لكن حجمها متناه في الصغر.وهكذا فان نموذج بيزنصون يسمح برؤية صورة لحظية متكاملة لمجرتنا الدائمة الدوران حول محورها. والدائمة التطور أيضا. كما أن النموذج يتيح إمكانية دراسة هذا التطور عبر الزمن، منذ أن ولدت مجرتنا قبل 13 مليار سنة.
ويبقى أخيرا عامل مجهول لا يكشفه نموذجنا هذا، ونعني به المادة المعتمة أو المادة السوداء غير المرئية التي يفترض الفلكيون وجودها في كافة أرجاء الكون. فكتلة المادة المرئية من مجرتنا تعادل خمسين مليارا فقط من كتلة شمسنا. وإذا أضفنا إليها المادة السوداء ارتفعت هذه الكتلة إلى ألف مليار كتلة الشمس. ويسعى الفلكيون حاليا لتفسير طبيعة هذه المادة باعتبارها مكونة من دقائق غريبة لها عالمها الخاص المنفصل عن عالم المادة التي نعرفها، مما يجعلها معتمة وغير مرئية بالنسبة لنا.

Science et Vie 8/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق