Powered By Blogger

السبت، 11 فبراير 2012

الضجيج يقتل حيوانات البحر

لسنا الوحيدين الذين أصبحنا على شفا الانهيار من الضوضاء المتواصلة ليلا ونهارا والتي تبلغ ذروتها في زوامير الأعراس وتفجيرات الألعاب النارية...

بل إن حيوانات البحار تعاني هي أيضا من تزايد بالغ الخطورة في مستوى الإزعاج الصوتي.
قد تستغرب هذا القول، لكن يكفي أن نذكرك بحوادث كانت تتناقلها وسائل الإعلام من وقت لآخر لما يبدو أنه عمليات انتحار لحيتان ودلافين، حين كانت تغادر البحر لترمي بنفسها على الشاطئ ثم تموت بعد بضع ساعات. وكانت هذه الظاهرة تتكرر مع كل مناورات بحرية تجريها دول عظمى، وتستخدم فيها أجهزة إرسال صوتي ذات طاقة عالية، وهي مجسات أو صونارات تشبه الرادار في كونها تكشف وجود الغواصات مثلا في أعماق البحر.

عالم الصمت ليس صامتا حقا

في عام 1956 فاز فلم " عالم الصمت" ،الذي يصور عالم البحار، بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي. كانت هذه هي المرة الأولى التي يفوز بها فلم وثائقي بمثل هذه الجائزة. وكان الفلم ثمرة تعاون بين عالم البحار الفرنسي كوستو والمخرج لوي مال.
لكن اسم الفلم خادع ولا يعبر عن الواقع. فالمحيطات والبحار تحفل دائما بضجيج الأمواج والعواصف وحفيف حركة حيوانات البحر. لكن هذه الأصوات الطبيعية الأزلية مألوفة لسكان البحر، ولا تسبب لها الصداع أو تدفعها إلى الانتحار.
وحتى عندما غزا الإنسان البحار بقواربه الشراعية أو المجدافية، فان سكينة حيوانات البحر لم تتأثر. لكن منذ نحو قرن من الزمان أخذت القوارب والسفن التجارية ذات المحركات تجوب أعالي البحار، ويضاف إلى ذلك أحيانا موجات " الصونار" الصوتية التي تطلقها القوارب لأغراض متنوعة، وأشغال المشاريع الهندسية الضخمة مثل منصات استخراج النفط من أعماق البحر. ويبلغ هذا التلوث الصوتي غايته أثناء المناورات العسكرية البحرية التي تجريها بعض الدول. ويعتقد أن مستوى الضجيج في البحار تضاعف مرة كل عشر سنوات خلال الستين سنة الماضية. ويرافق ذلك تكرار حوادث تصادم ثدييات البحر ،كالحيتان والدلافين، مع السفن والغواصات، كما تتزايد حالات خروج هذه الحيوانات من البحر لتموت على الشواطيء. وقد اضطرب عالم الحيتان والدلافين فهجرت مواطنها المعتادة وأماكن تزاوجها التي الفتها منذ ملايين السنين.

في أعماق البحر السمع بديل عن الرؤية

نعلم أن الحوت حيوان ثديي، مثله في ذلك مثل الإنسان. يحمل جنينه في بطنه ويلده ويرضعه. وهو أيضا يتنفس بواسطة الرئتين. ولهذا السبب فهو مضطر للصعود إلى سطح الماء لأخذ الأكسجين قبل أن يغوص ثانية إلى الأعماق. لكن ماء البحر يصبح داكن الظلمة ولا تصله أشعة الشمس على عمق يتجاوز 200 متر من السطح. ولهذا السبب تصبح وسيلة الرؤية للحيوانات التي تتواجد على أكثر من هذا العمق هي الأذن. تماما مثل الوطواط الذي يتحرك في الليل.
ويتمتع كل من الحوت والدلفين بحاسة سمع قوية لتساعده في حركته وفي العثور على غذائه, علما أن سرعة الصوت في الماء تبلغ 1500م/ث مقارنة مع 340م/ث في الهواء.
وقد تزايد النشاط الإنساني في البحر، حيث تضاعف عدد السفن التجارية بين عامي 1965 و 2002، ويتوقع تضاعفه ثانية مع حلول عام 2025. وللدلالة نشير إلى أن أكثر من 000 50 سفينة كبيرة تعبر المياه الإقليمية الأوروبية سنويا، إضافة إلى مئات آلاف القوارب الصغيرة. تصدر محركات هذه السفن ضجيجا متواصلا، ويزيد الأمر سوءا مع تزايد إجراء تجارب استكشاف البحار بالموجات الزلزالية وزخم الإنشاءات والمشاريع البحرية المتنوعة مثل أعمال مد الأنابيب في قاع البحر.

كل هذه الأصوات أصبحت تتداخل مع الأصوات التي تبعثها وتتفاهم بواسطتها الحيتان والدلافين وتشوش عليها.

لكن الضربة القاضية تجاه هذه الحيوانات تصدر عن أجهزة الصونار التي تبث موجات قوية لكشف الغواصات مثلا. والمصدر الثاني للخطر هو ما يسمى بالمدفع الهوائي الذي ينفث دفعة هواء قوية داخل الماء. وفي الحالتين ينتج دوي هائل داخل البحر تبلغ شدته 240 دسي بل، أي ما يعادل صوت محركات طائرة نفاثة لحظة إقلاعها.

في 24 أيلول 2002 وبعد 4 ساعات من بدء مناورات لحلف الأطلسي قرب جزر كناري في المحيط الأطلسي، رمى 14 حوتا بأنفسها على الشاطئ قبل أن تموت. وقد تبين من تشريحها وجود نزف في قنواتها السمعية، وأيضا في أعضاء حيوية كالرئتين والكليتين. وبعد عام من هذه الحادثة نشرت مجلة الطبيعة ( نيتشر) مقالة تفسر النزيف الذي أصيبت به هذه الحيتان بأنه يعود لصعودها السريع من الأعماق إلى السطح بسبب إصابتها بالفزع ومبادرتها للهرب من موجات الضجيج الصادرة عن تلك المناورات.

وقد حاول المجلس الأميركي للدفاع عن المصادر الطبيعية أن يحصل على حكم بحظر استخدام الصونار في البحر، لكن المحكمة العليا الأمريكية أصدرت في تشرين ثاني 2008 حكما سمح بمتابعة استخدامه باسم " المصلحة الوطنية العليا".

Science et Vie 5/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق