Powered By Blogger

الأربعاء، 15 فبراير 2012

في حوادث الطائرات :الصندوق الأسود: لماذا يجب استعادته

:

حسام جميل مدانات

في 31 أيار الماضي سقطت طائرة متجهة من ريو دي جانيرو الى باريس في عرض المحيط الأطلسي. وخلال أيام كان أسطول من الغواصات والسفن والطائرات يكد في البحث عن صندوقين قياس كل منهما 32 x 14 x 13سم يقبعان على عمق مئات وربما آلاف الأمتار في قاع المحيط.
فهل هناك ما يبرر حقا هذا الاستنفار العام من أجل العثور على ما يسمى بالصندوق الأسود للطائرة.
الهدف هو السلامة القصوى
في عام 2008 نقلت شركات الطيران الأعضاء في الاتحاد الدولي للنقل الجوي ما مجموعه 2,2 مليار راكب. وقد حصل في نفس العام ما مجموعه 109 حوادث، منها 23 حادثا خطيرا سببت مقتل 502 شخصا. وفي دول الاتحاد الأوروبي يتمتع القطار والطائرة بأعلى درجة للأمان بنسبة وفاة واحدة لكل 3 مليارات راكب ولكل 1كم. وهي بالتالي أقل تسببا بالوفيات بمرتين من الباصات، وأقل بعشرين مرة من السيارات، وأقل ب 400 مرة من الدراجة النارية. ويمكن القول بأن الصندوق الأسود في الطائرة قد ساهم مساهمة فعالة في تحقيق هذا المستوى العالي من الأمان في النقل الجوي. فكيف حصل ذلك؟
ما هو الصندوق الأسود ؟
يعود الفضل في ابتكار الصندوق الأسود الى الاسترالي دافد ورن عام 1954، بعد أن أجرى تحقيقات في سلسلة حوادث اصابة طائرات ركاب من نوع كمت (كوميت) وهي أولى طائرات الركاب النفاثة. صمم ورن في ذلك الحين شريط تسجيل مغنطيسي يوضع داخل صندوق متين يقاوم الصدمات. وأصبح هذا الصندوق الزاميا على طائرات النقل الجوي في عام 1958.ورغم التسمية، فان الصندوق الأسود هو في الحقيقة برتقالي اللون، لأن هذا اللون هو الأوضح والأسهل تمييزا أثناء البحث عنه، تحت سطح الماء غالبا.
يوفر الصندوق الأسود معلومات موثوقة تسمح بتحليل الأسباب المعقدة للحادث، سواء كانت أسبابا انسانية، ونسبتها 45% من مجمل الحوادث، أو تقنية (28%)، أو بسبب الطقس أو أخطاء التوجيه الأرضي. ويفرض القانون الفرنسي وجود صندوقين أسودين على كل طائرة يزيد وزنها عند الاقلاع عن 5,7 طنا وهذا يعني تقريبا جميع الطائرات التجارية التي تحمل أكثر من 10 ركاب. يدعى الصندوق الأول مسجل بيانات الطيران FDR ، والثاني مسجل قمرة القيادة الصوتي CVR. وبالطبع فقد تطورت وسائل تخزين المعلومات مع تطور تقنيات الالكترونيات والحوسبة، وأصبح بالامكان تخزين بيانات عن أكثر من 1000 متغير ولمدة 50 ساعة. وعند استعادة الصندوقين ووصلهما بالحاسوب، فانهما يقدمان خلال دقائق كافة البيانات المتعلقة بالحادث الذي أصاب الطائرة. وغالبا ما يؤدي تحليل هذه البيانات الى ادخال تعديلات على الطائرات من أجل تفادي حصول حوادث مشابهة في المستقبل. وتورد مجلة العلم والحياة الفرنسية في عددها لشهر آب 2009 عدة أمثلة على حوادث ناتجة عن أخطاء تقنية أو انسانية كشف اسرارها الصندوقان الأسودان. ومثال ذلك حادث سقوط طائرة ايربص 300 في نيويورك عام 2001. فقد كشفت البيانات المسجلة في الصندوقين أن مقود التوجيه قد انتزع من مكانه بسبب حركة مفاجئة وقوية من قبل الطيار أثناء عبوره منطقة اضطراب جوي. فأوصى المجلس الوطني (الأمريكي) لسلامة النقل NTSB بتعديل تصميم هذا المقود.
وقد تؤدي بيانات حادث ما الى تطوير تقني عام لمختلف طائرات الركاب. ومثال ذلك حادث سقوط طائرة دي سي10 في شيكاغو عام 1979. اذ أدى سقوط أحد المحركات الى انتزاع جميع دارات القيادة، فاستحال على الطيار قيادتها وتوجيهها. فصدرت توصية بتركيب هذه الدارات متباعدة عن بعضها البعض حتى لا تتلف جميعها معا بسبب خلل مشابه.
وأخيرا يجدر بالذكر أن مستقبل الصندوق الأسود قد يكون أسود بالفعل، وقد يستغنى عنه قريبا، وذلك اذا تم تنفيذ فكرة تحويل التسجيلات داخل الطائرة الى محطات أرضية تلقائيا وباستمرار عن طريق الأقمار الصناعية. وفي هذه الحالة لن تعود هناك حاجة لارسال اسطول من الغواصات والطائرات والسفن للعثور على صندوق أسود مفقود وغارق في قاع المحيط. فالمعلومات المطلوبة ستكون متوفرة مباشرة وباستمرار في المحطات الأرضية المعنية.

Science et Vie 8/2009
64-69

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق