Powered By Blogger

السبت، 11 فبراير 2012

عندما يبصر اللسان:

ماذا لو أصبحت الرؤية ممكنة دون عينين ؟ وإذا قام بعمل العينين جهاز الكتروني يوضع في الفم ويزود اللسان بإشارات تمكننا من السير والعينان مغمضتان .
في العصر الحديث عندما توصل الانسان الى فهم تشريح الدماغ واجزائه المسؤولة عن الإبصار والسمع وغيرهما من الحواس ، تساءل أحدهم : اذا وصلنا العصب السمعي بمركز الابصار ، والعصب البصري بمركز السمع في الدماغ ، فهل سنسمع البرق ونشاهد الرعد ؟
والان مع التقدم المذهل الذي تحقق في مجال الالكترونيات ، يبدو أن اللسان يقدم نفسه كبديل عن العينين بفضل مجس لساني، وهو نظام الكتروني طوره مختبر في مدينة غرنوبل الفرنسية وباحثون في مدينة منتريال الكندية .
جُرب النظام على ضريرين فتمكنوا من السير في طريق تناثرت فيه العوائق والحواجز . وبالطبع يشتمل النظام على آلة تصوير وحاسوب مرتبطين بالصفيحة الالكترونية المثبتة في الفم والتي تحتوي على بضع عشرات من الأقطاب الكهربائية ، ودارة الكترونية وبطارية وهوائي راديو للاتصال مع الحاسوب . تعمل الاشارات التي يبثها النظام على اثارة وخزات في اللسان ، كما لو أنه يتعرض لمادة لاذعة أو للسعات شراب غازي .
يتطلب استخدام النظام تدريبا خاصا وتركيزا من قبل من يستخدمه . يجب أن يفهم الرسالة التي تنقلها له الوخزات الموزعة فوق لسانه، والتي تمثل الجسم الذي يجري تصويره . وبعد التدرب والاستخدام لبضع ساعات ، لا يعود المستخدم يفكر ويحلل ما يشعر به حتى يرى ، بل تتشكل الصورة تلقائيا وفورا بمجرد شعوره بالوخزات على لسانه .
وقد استفاد من هذا النظام أطباء جراحون أثناء اجراء العمليات الجراحية . فالجراح مثلا يوجه مبضعه نحو الورم الذي يريد ازالته دون أن ينظر نحوه أو نحو شاشة تكبر الصورة . وانما يحدد مكان الورم بفضل الوخزات التي يسببها النظام للسانه .
قبل نحو اربعين عاما قال الاميركي "بول باشي ريتا" أن الذي يبصر فعلا هو الدماغ وليس شبكية العين . وطبق فرضيته باستخدام أقطاب كهربائية وضعها على أسفل ظهر شخص أعمى منذ ولادته . في البداية فشلت التجربة اذ لم يستوعب الأعمى مدلولات الاشارات التي كان يتلقاها عبر الجهاز . ثم اعاد ريتا التجربة واضعا جهازه داخل الفم ، تحت اللسان، لأن اللسان يحتوي على اعصاب حس أكثر ، كما أن اللعاب يضمن توصيلا كهربائيا أفضل بين الاقطاب واللسان .
لم تثبت فرضية ريتا فعلا إلا عام 2005 في منتريال، حين جُربت على عميان أثناء تصويرهم في جهاز الرنين المغنطيسي ، اذ طلب منهم تنفيذ مهام ابصارية محددة اعتمادا على مجس لساني. تنتقل الاشارات من اللسان الى جزء من قشرة الدماغ مسؤول عن التذوق وعن الاحساس الخاص باللسان ، ثم تنتقل الاشارة تلقائيا الى مؤخرة الدماغ ، وبالذات الى منطقة ابصارية أولية تحلل الاشارة وتترجمها إلى ادراك بصري . وهذا الجزء بالذات لا يكون فعالا عادة لدى الاشخاص المبصرين، مما يدل على قدرة الدماغ على تعويض اجزاء معطلة بأجزاء أخرى لتقوم بمهامها .

La Recherche, No. 410

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق