Powered By Blogger

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

تسمية الشوارع: مبادئ ومسلمات


يكاد الاسم يكون أحد مقوّمات وجود المسمّى: تخيل شيئا دون اسم يعرفه به الناس، فكأنه غير موجود. الشوارع من أجدر الأشياء بالتسمية نظرا لكثرة تعامل الناس ومؤسسات المجتمع بها. دوام الاسم: كما أن اسم الإنسان دائم وثابت لا يتغير، كذلك اسم الشارع. الأحرى باسم الشارع أن يكون بسيطا وقصيرا (من مقطع واحد بقدر الإمكان، إضافة إلى كلمة "شارع"، أو ما شابهها). كما يفترض بالاسم أن يكون سهل التهجئة والقراءة والتذكر، وأن يكون حسن الوقع على الأذن. يساعد على تذكر الاسم ربطه بمعلم بارز موجود أصلا في الشارع، أو أن يقام نصب بسيط أو رسم يمثل الاسم في الشارع نفسه. للتسمية غرض عملي نفعي هو العنونة وتسهيل الاستدلال على الموقع؛ ولهذا الغرض أولوية على أية اعتبارات أخرى من قبيل تكريم أشخاص أو إحياء التراث. من هذا المنطلق، فإن أسماء الشوارع ليست المجال المناسب لتكريم الحكام والزعماء (وهم ليسوا بحاجة لتكريم). إذا لم يكن بد من التسمية باسم حاكم أو زعيم، فإن اسمه الأول يكفي غالبا، وهو ليس بحاجة إلى تعريف إضافي بإضافة اسم والده وعائلته ولقبه (مثلا، شارع خليفة، مدينة زايد؛ وفي الأردن تجد: جبل الحسين، شارع طلال...). بل أن هذا يعبر عن قيمة أكبر لصاحب الاسم. (الاختصار من مؤشرات القوة والتميّز: الولايات المتحدة مثلا تسمي نفسها "يو إس"، في حين أن ليبيا كانت تدعى: الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى.) لا يكرر اسم الشارع في المدينة نفسها، بل حتى في كامل المنطقة (المحافظة، البلدية...) إذا أمكن. لا تسمى الشوارع بأسماء أشخاص أحياء، باستثناء الحكام (بل إن الأمم المتحدة توصي بتجنب تسمية المواقع الجغرافية عامة، ومنها المدن، بأسماء الحكام). بعض المدن تعتمد موضوعا معينا لأسماء شوارعها (أسماء الزهور مثلا)؛ أو تبدأ جميع الأسماء بحرف هجائي واحد؛ أو تعطي الشوارع باتجاه معين (شرق - غرب مثلا) أرقاما، وبالاتجاه الآخر أسماء (كما في نيويورك)، وهذا يسهل العنونة والتحرك في المدينة؛ أو تقسم المدينة إلى أربعة أقسام: (NW, NE, SW, SE) ويعتبر رمز الربع هذا من مكونات اسم الشارع (والقصد هو تسهيل تحديد موقعه)؛ يمكن اعتماد ترتيب هجائي لأسماء الشوارع، مثلا الاسم في أقصى الشمال يبدأ بحرف الألف، واسم الشارع التالي له يبدأ بحرف الباء، وهكذا. لهذا الأسلوب فائدة كبيرة، إذ بإمكانك أن تحدد، أو أن تقدّر، موقع الشارع من المدينة بمجرد سماعك اسمه. حسام مدانات، 25 / 8 / 2013

الثلاثاء، 11 يونيو 2013

تعليقات على المقال: "بورباكي وآينشتاين" الذي نشر في العدد السابق، 64، من صفحتنا هذه، بتاريخ 28 أيار 2013


أولا: تعليقات نشرت على الموقع الإلكتروني للعرب اليوم: د. سهيل عبد الله الريماوي شكرا لهذا المقال وأود التعليق عليه من الناحية العلمية والبعد الصهيوني. أولا: لا يجوز الاعتماد فقط علي الإنترنت بالنسبة لهذا العالم الكبير، وبالذات انه كان معاديا للصهيونية "بالمفهوم الصهيوني" الداعي إلى السامية الصهيونية "بالنسبة لليهود" والداعي إلي القومية اليهودية والقائمة على خرافات "الإصحاح الأول" ؛ بل بالعكس فقد كانت تصريحاته المناهضة لقيام دولة إسرائيل سببا مباشرا لمهاجمة الصهيونية له. وكما ذكر الكاتب رفضه بأن يصبح رئيسا لهذه الدولة عندما أرسل له "بن غوريون" طالبا منه ذلك، وخطابه بالرفض لبن غوريون، وهو منشور علي الإنترنت، من أقوى الخطابات المعادية للصهيونية، بأسلوب علمي بليغ. ثانيا- من أجمل ما كتبه هذا العالم أسباب تركه لأمريكا بسخرية العالم المتوقع ما سيكون مما أصاب الصهيونية الأمريكية بخيبة أمل كبيرة أدت إلى تشويه سمعته حديثا على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع على الإنترنت. ثالثا- من أقوى الأكاذيب الصهيونية هي أكذوبة "سرقة مخ اينشتاين" بواسطة طبيب علم الأمراض الذي قام بتشريح جثته بحجة الحفاظ عليه لإجراء أبحاث عليه؛ علما بأنه قد أوصى في وصيته بالاحتفاظ بمخه لإجراء الأبحاث العلمية، والتي حتى الآن لم تجد أية فروق تشريحية بين مخه والآخرين. ومخه موجود في إحدى الجامعات الأمريكية . وأخيرا، ولا أعلم سببا لذلك، هو قبوله التوظف في الجامعة العبرية مع عالم النفس الشهير "فرويد" بعد مغادرته الولايات المتحدة. بالنسبة لأبحاثه العلمية - صحيح أن العلماء الذين تم ذكرهم في المقال قد يكونون سباقين في طرح الفرضيات النظرية فقط، وهذا مهم في علم الفيزياء، ولكن آينشتاين أثبت ذلك بالتطبيق اعتمادا على المعادلات الفيزيائية. ومن الجدير بالذكر هنا التنويه إلى أن بحثه "النظرية النسبية الخاصة" رفضت المجلة العلمية نشره في المرة الأولى بسبب عدم القناعة العلمية فيه كفكرة تغير علم الفيزياء القائم على أفكار ونظريات نيوتن "وهو أيضا يهودي"؛ ومن ثم أرسل اينشتاين البحث إلى مجلة أخرى حيث قام مقيم البحث بالـتأكد التطبيقي له ومن ثم تم نشره. أخيرا كان آينشتاين مولعا بالموسيقار موتزارت وعازفا بارعا على الكمان وضد الصهيونية. وأرجو الرجوع إلى المراجع الموثقة والتي تثبت كلامي. إسراء حسن مقال شيق جداً, ولكن, من بين جميع العلماء و الجهابذة "اليهود" في ذلك الوقت, لماذا تم اختيار شخص ذي قدرات محدودة في المدرسة, فشل في الانتساب إلى الجامعة و "موظف" كما ذُكر؟! لست أُكذب ما ورد في المقال هنا, بل على العكس, جعلني أفكر كثيراً, معرفتنا في القدرة الإعلامية الصهيونية, قصصها و صناعتها عبر قرن من الزمن يكفي لكي نصدق أكثر من ذلك, و لكن هذه النقاط قد تجعلنا نشك كثيراً في صحة فرضية كهذه.. أشكر الكاتب.. أبدعت في انتقاء الموضوع حسام مدانات شكرا للأخوين أشرف و م. محمد. أعلم أن المقال يمثل صدمة تنقض ما تحقننا به الآلة الدعائية المسيطرة على العالم، في كل يوم؛ حتى أصبح آينشتاين رمز العبقرية العلمية؛ وأصبحنا نشعر بنوع من "الإيمان" بتفرّد آينشتاين في سماء العلم (والإيمان لا يسهل نقضه). لكن بحقّ الله، أعيدوا قراءة المقال، وما أورده من حقائق ثابتة راسخة وموثقة، بأن كل ما نشره عبقريّنا هذا كان قد سبقه إليه علماء آخرون؛ ونشروه في دوريات علمية قبله. صناعة الأسطورة ممارسة يتقنها أسياد العالم. مثال بسيط: جلعاد شاليط جندي إسرائيلي جبان (حسب ما وصفه رؤساؤه مؤخرا)، استسلم دون أن يقاتل، ومع هذا، منحته عشرات العواصم والمدن الغربية لقب مواطن شرف للمدينة! (أصبح رمزا للشجاعة والإقدام لديها). مهما تحدثنا عن السيطرة اليهودية والصهيونية على العالم، فهي أكبر بكثير مما يمكنكم أن تتخيلوا. م. محمد السلال أنا اوافق السيد اشرف انه عالم فذ وعبقري. يكفي نظريته النسبية العامة. ولو أن الإعلام له دورا في الترويج إلا انه سوف يكتشف بعد حين. أشرف سمحان لا يجوز تناول عالم عظيم بحجم اينشتين بهذه الكيفية. يهودياً او اياً كان؛ فالعلم لا دين له. لا يوجد علم إسلامي وعلم يهودي. أود طرح سؤال للسيد المحرر العلمي: من توقع انحراف الضوء عند مروره قرب الأجرام السماوية الكبيرة؟ ثم إن المقالة انطلقت من أساس غير صحيح وغير منطقي هو إن اينشتاين كان كسولاً وضعيفاً في تحصيله العلمي؛ فكيف لم يظهر عليه ذلك في مناقشاته العلمية مع غيره من العلماء، ام انه مثل عبقريته عليهم أيضا؟ يا ريت لو امتنا العربية تجيب نصف اينشتين أو ربعه بكفي. ثانيا: تعليقات على صفحة الجمعية الفلكية الأردنية على الفيس بُك: علي القدومي: هناك كتاب بعنوان آينشتاين ...المنتحل الفاسد كتاب موثق غير مترجم يمكن البحث عنه على أمازون مودي ريحاني: كلام خطير جدا !!!!!!!!!!!! بسمة ذياب: الأستاذ حسام مدانات...شكرا جزيلا أولا لمشاركتك إيانا سواء على هذه الصفحة ولجهود حثيثة ومتواصلة في الشأن العلمي والثقافي من خلال سنوات طوال في صحيفة الرأي، وما دعمت به الجمهور ومنها جهودك في مؤازرة جمعيتنا الفلكية. أما ثانياً فالشكر أيضا لإثارتك موضوعا خطيرا وهو "صناعة النجم" تنبيها للعقول ودعوة لإعادة النظر في بعض المسلمات، ومنها ما يحدث ويرسخ في عقل الجماهير حول "ظاهرة ما " ... وقد تكون "الظاهرة" بحجم أينشتاين النجم العملاق ! لا شكّ أن الآلة الدعائية للصهيونية عملت وتعمل الكثير؛ ولكن حتى نكون حذرين وموضوعيين، كما نعهد حضرتك أيضا، لابد من متخصصين في هذه المسائل لاستقصاء حجم التزوير أو المبالغة، أو ربما إقرار مكانة هذا العملاق. نعم، جهد أي مبدع لم يبدأ من الصفر فالعلم تراكمي. لكن هل ينفي هذا من حيث المبدأ نجومية البعض؟ هنا... وفي هذا الشأن الفيزيائي التاريخي ربما لا نجد أفضل من د. هشام غصيب ليشاركنا رأيه. مع الشكر للجميع على الاهتمام واستقصاء الحقيقة. نور المصري: قرأت المقال في صحيفة العرب اليوم هذا الصباح "وأنا أفطر" وقد لفتت نظري طريقة طرح الموضوع ... لكني أوافق الأستاذة بسمة، إذ لا بد من الاستقصاء الدقيق والحذر في هذا الشأن... حسام جميل: الأخوات والإخوة أعضاء جمعية الفلك: شكرا للاهتمام وللتعليقات. هل يتحامل المقال على "شخصية القرن العشرين"، و"أعظم عبقرية في التاريخ"؟ ربما. لكن يبدو أن المعطيات الموضوعية كافة تتعارض مع إمكانية أن يقدم أي شيء ذي بال للعلم. كان معوقا في قدراته في الرياضيات واللغة والتاريخ والجغرافيا (رسب في هذه المواد في المدرسة). ثم أن ينشر بدون أي خلفية أو بحوث سابقة أو مقدمات 4 بحوث في السنة نفسها، وأن يمنح جائزة نوبل على أحدها، أمر يفتقر لأبسط عناصر المنطق. ونعلم أنه دلل على "جهله" في عدة مناسبات. ومع احترامي لجائزة نوبل، فقد كانت دائما تخضع لضغوط وتفاجئنا ب"مهازل" من وقت لآخر؛ ولم يكن منح أوباما جائزة نوبل للسلام، حتى قبل أن يستلم منصبه، أو يقدم شيئا، سوى واحدة من هذه المهازل. لكن مَن يسيطرون على العالم حاليا "يستخفون" بالجميع. يحضرني الآن نموذج لطيف: فلم "البستاني" الذي يصور بستانيا أميا في طريقه ليصبح رئيسا للولايات المتحدة (تعريضا بكارتر؟). "أرباب" العالم يتسلون أحيانا بالاستهانة بالبشر كافة، لمجرد التسلية؛ فكيف إذا كان لهم مصلحة في ذلك؟ أخيرا، أقدم شكري الجزيل للإخوة الذين أرسلوا تعليقاتهم وآراءهم حول المقال. ولا شك أن الموضوع بحاجة لبحث أعمق وأشمل، وقد يكون عالمنا هذا قد أنتج نتاجا علميا أصيلا حقا، لكني على قناعة تامة بأنه أحيط بهالة مبالغ بها جدا، ولا يستحقها.

التعرّق في 20 معلومة طريفة


م. سائد مدانات، العرب اليوم، 11/6/2013 مع حلول فصل الصيف، تجد نفسك معرضا لزيادة إفراز العرق وانبعاث رائحة كريهة من جسمك أنت أو من أجسام الآخرين حولك. وهذا أمر غير مريح في الحالتين. فما الذي يسبب هذه الرائحة؟ وماذا تعرف عن الغدد العرقية بشكل عام؟ يوجد نوعان من الغدد العرقية: 1- الغدد الفارزة Eccrine : ---- تصب إفرازها على سطح الجلد .  يتكون إفرازها من الماء وملح الطعام بشكل رئيسي إضافة إلى حموض دهنية وحليبية وبولينا.  تنتشر على كامل سطح الجسم، باستثناء الشفتين.  مصدر إفرازها هو بلازما الدم والأعضاء التناسلية.  عددها عند الرجل أكثر منه عند المرأة.  يتناقص عددها مع تقدم العمر.  وظيفتها الرئيسية تبريد الجسم من خلال تبخر إفرازها العرقي.  يساعد إفرازها أيضا في حماية الجلد من البكتيريا وزيادة تماسك راحة اليد وباطن القدم مع الأجسام والسطوح؟  لو أن هذه الغدد عملت بكامل طاقتها، فإنها تفرز 3 لترات من العرق في الساعة وهذا طبعا يهدد الجسم بالجفاف ونقص الأملاح.  لا توجد في القطط والكلاب إلا على خف القدم والخطم (الأنف).  تتأثر شدة إفرازها بالحرارة والجهد البدنيّ والمثيرات النفسية والعاطفية ونوعية الطعام، فالمواد الحارة والحرّيفة مثلا تزيد الإفراز.  الرقم الهيدروجيني لإفرازها 4 – 6,8، أي أنها تميل للحمضية. 2- الغدد المفترزة Apocrine  حجم كل منها أكبر من حجم الغدد الفارزة.  تصبّ إفرازها في الإنسان داخل جريبات الشعر.  هي الوحيدة الفعالة في الحيوانات ذات الحافر كالخيل والبقر.  توجد في القطط والكلاب عند قاعدة كل حويصلة (جريب) شعر. والغرض منها ليس تبريد الجسم وإنما توفير بنية مناسبة لنمو البكتيريا لتعطي رائحة مميزة للفرد.  ينحصر وجودها في الإنسان تحت الإبطين وفي منطقة العجان، حول الأعضاء التناسلية.  تنشط بعد سن البلوغ، وهدفها الطبيعي جذب الجنس الآخر.  يختلف تركيبها بين الرجل والمرأة.  إفرازها ذو قوام حليبي زيتي، ويحتوي على بروتينات ونشويات وستيرويدات (هرمونات جنسية – وهذا هو سر اختلافها بين الرجل والمرأة).  الرقم الهيدروجيني لإفرازها 7,5، أي أنها قلوية قاعدية وليست حمضية؛ وهذا يشجع نمو البكتيريا. نخلص إذن إلى أن العرق بحد ذاته، لحظة إفرازه، يكون عديم الرائحة، لكن نمو البكتيريا عليه، خاصة على عرق الإبطين والعجان، هو الذي يسبب رائحة الزناخة المألوفة له. ويساعد شعر الإبطين والعانة على زيادة الرائحة لأنه يزيد المساحة المتوفرة لنمو البكتيريا. ويبدو أن هذه الرائحة كانت في الأزمنة السابقة مرغوبة وجاذبة جنسيا، ويروى عن نابليون أنه كان يرسل إلى زوجته البولندية ماري لويز حين يكون في طريقه إليها، رسالة يقول فيها سأصل بعد أسبوع (مثلا)؛ لا تستحمي! ونذكر أخيرا الغدد الدهنية أو الزهمية Sebaceous التي تصب إفرازها في حويصلة الشعر، والغرض منها هو تطرية الجلد والشعر. وقد تزداد كمية المادة الدهنية المفرزة ولزوجتها بعد البلوغ الجنسي فتنسد بعض قنوات الغدد ويظهر الزوان، وحب الشباب، في الوجه خاصة. وتتفاقم المشكلة مع تناول الأطعمة الدهنية كالشوكولاته والمكسرات، ومع تزايد الضغوط النفسية.

ماذا تريد من صفحة العلوم؟


المحرر العلمي، العرب اليوم، 11/6/2013 لعل هذا السؤال هو أكثر سؤال جدير بالطرح وبإجابة القراء عليه، ثم أخذ ردودهم وتغذيتهم الراجعة بعين الاعتبار. وهذا ينطبق على العلوم وعلى غيرها من كل ما ينشر أو يذاع سمعيا وبصريا. فالغرض من كل ما يكتب في الصحف هو أن يقرأ. والغرض من كل ما يذاع في الإذاعات هو أن يسمع، والغرض من كل ما يبث تلفازيا، أو ينتج سينمائيا هو أن يشاهد. ويفترض أن يكون للجهة المتلقية الرأي الحاسم في طبيعة ومستوى هذه المواد المقروءة والمسموعة والمرئية. لكننا نعلم أن هذا نادرا ما يحصل، ولا حتى في المجتمعات المتقدمة. فوسائل الإعلام هي عادة أداة فعالة في يد القوى المتنفذة لتشكيل عقول العامة و"تجهيلهم" وتحريكهم في الإتجاهات المرغوبة حين اللزوم. إضافة إلى تسويق منتجاتهم من سلع وخدمات. ونعرف جميعنا تلك العبارة التي كان رجال السينما المصرية ومسؤولو الثقافة يبررون بها انحطاط مستوى أفلامهم: الجمهور عايز كدة!؟ (لكن هل حصل أن أخذوا رأي الجمهور فيما يقدمونه له؟ بل هل وفروا للجمهور بدائل أفضل؟ أو لعل المبدأ الاقتصادي القائل إن "العملة السيئة تطرد العملة الجيدة" ينطبق هنا؟). همّ المحرر الصحفي: كيف يملأ الصفحات. لا شك أن وسائل الإعلام العربية بمختلف أشكالها، تعتمد أساسا على مصادر المعلومات والأخبار الأجنبية، سواء ما تزودها به وكالات الأنباء العالمية مترجما جاهزا، أو ما يترجمه العاملون في هذه الوسائل الإعلامية الوطنية أو المتعاونون معها. ومع التضخم السرطاني للصحف اليومية لدينا، وفي العالم العربي عامة، وتزايد عدد الصحف والمجلات لتبلغ أرقاما قياسية، فإنها لم تعد تنشر لأن لديها مادة صحفية أو ثقافية تستحق النشر، وإنما أصبحت مشكلة محرري هذه المنشورات هي في العثور على أية مادة يمكن تعبئة الصفحات بها. تتلقى الصحف يوميا آلاف الأخبار والمقالات من وكالات الأنباء العالمية. وما على المحررين إلا بذل بعض الجهد لإنتقاء ما يهم القارئ المحلي، وما يستحق النشر. لكن حتى هذا الجهد المنحصر في الإنتقاء لم يعد يبذل كمثال على ذلك ومن أساليب الحشو الفعالة التي تنقذ المحررين في صحفنا ومجلاتنا، هي الصور التي قد تحتل صفحات كاملة، خاصة الصفحات الرياضية والفنية. صحيح أن الصورة مهمة وهي تكمل الموضوع الصحفي، لكنها لا تحل محله إلا في حالات خاصة ومحدودة. - صفحات العلوم والمواضيع العلمية يكاد ينحصر ما تنشره صحفنا ومجلاتنا في المجال العلمي بمقالات طبية وغذائية. وهذه فعلا تمثل حبل الإنقاذ للمحررين. لدينا مئات الأصناف من الفواكه والخضار والأعشاب والمواد الغذائية المتنوعة. وهي تشكل معينا لا ينضب من المقالات التي تسرد محتويات هذه الأغذية من كربوهيدرات وبروتينات ودهون وألياف وفيتامينات ومعادن، وتعدد معجزاتها الدوائية. كما أن موضوع التغذية والحمية يشكل مجالا خصبا لمقالات تقدم نصائح وخططا وبرامج لتحقيق النحافة. وهي غالبا غير عملية وهدفها الحشو واللغو لا أكثر. فإذا استبعدنا مواضيع الصحة والطب والتغذية، فماذا يمكننا أن نقدم من جديد ومميز في صفحتنا هذه؟ وما هي أغراضنا من اختيار هذه المواضيع؟ ولمن نوجهها؟ وما هو مستوى تعقيدها واسلوب عرضها ( الذي يفترض به أن يكون مبسطا وجاذبا لأكثر من فئة)؟ يطلق على عملية نشر العلوم في الصحف الموجهة للعامة تعبير "شعبنة العلم"، أي جعله في متناول الشعب بمختلف فئاته؛ وهذا يفترض التبسيط والإمتاع والجذب، فالعلوم، البحتة والتطبيقية على السواء، عادة مادة صعبة وتتطلب قراءتها جهدا وتركيزا، وهذا ليس مرغوبا في صفحتنا هذه. قد يقصد ببعض المواضيع الإبهار أكثر من تقديم فائدة مباشرة أو معلومة يمكن للقارئ استخدامها، وهذا ليس مرفوضا، لكن يفترض بمواضيع الإبهار أن لا تتجاوز نسبة معينة محدودة. وتهدف بعض المواضيع المنشورة إلى تطوير التفكير المنطقي وإثارة تساؤلات حول مسلمات أو ممارسات شائعة؛ ولعل هذا هو الهدف الرئيسي من صفحتنا هذه. ونشير أخيرا بأسف إلى ضعف التواصل بالاتجاه العكسي، أي من القارئ إلى المحرر. وهذه بشكل عام ظاهرة عامة فيما يتعلق بالعلوم. ولعل المقالة التي نشرت في العدد الماضي من هذه الصفحة تحت عنوان بورباكي وأينشتاين تمثل استثناء، إذ وردت عدة تعليقات ننشرها هنا اليوم، آملين في تطوير علاقة أوثق مع قرائنا في المستقبل لنقدم ما يريدونه وما يفيدهم.

فيرما ونظريّته التي عجّزت الرياضيّاتيّين

حسام جميل مدانات، العرب اليوم،11/6/2013 لا أدري لماذا يذكرني اسم فيرما بقول المتنبي: أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الناس جرّاها ويختصمُ. نعرف جميعنا مبرهنة (نظرية) فيثاغورس فيما يخص العلاقة بين ضلعي المثلث قائم الزاوية ووتره، حيث مجموع مربعي الضلعين يساوي مربع الوتر. مثلا المثلث الذي ضلعاه 3، 4 سم، يكون وتره: 5 سم حيث مربع 3 + مربع 4 = مربع 5. لكن مبرهنة (نظرية) فيرما الأخيرة (أو حدس فيرما) تنصّ بكل بساطة على استحالة انطباق هذه العلاقة على قوى أكبر من 2 للأعداد الصحيحة. أي أنه يستحيل وجود ثلاثة أعداد صحيحة موجبة، ولنرمز لها أ ، ب ، ج؛ بحيث أن (أ مرفوعة للأس ن + ب مرفوعة للأس ن) يساوي ج مرفوعة للأس ن، حيث ن عدد صحيح أكبر من 2. كتب فيرما نص هذه النظرية على هامش إحدى صفحات كتاب "الحساب" لمؤلفه المصري الإسكندري اليوناني ديُفَنْتس (325 – 409). وأضاف فيرما أنه توصل إلى إثبات رياضي لها، إلا أن " الهامش لا يتسع لكتابته؟! فهل توصّل فيرما حقا إلى إثبات هذه النظرية التي دوخت الجميع طوال 350 سنة؟ شكل إثبات صحة (أو خطأ) هذه النظرية تحديا للرياضياتيين، حتى تم إثبات صحتها في ختام القرن العشرين. وقد وضع اللبنة الأخيرة في الإثبات البريطاني أندرو وايلز عام 1995. اعتبرت هذه المسألة هي الأشهر في تاريخ الرياضيات، واعتبرها كتاب غينس للأرقام القياسية أصعب مسألة في الرياضيات. حين يتسلى المحامي ولد بيير فيرما (Pierre de Fermat) في مطلع القرن السابع عشر؛ درس الحقوق في جامعة أورليَن، وتخرج عام 1626. أتقن اللاتينية واليونانية والإيطالية والإسبانية. وكان يمضي وقت فراغه في دراسة الرياضيات وإجراء بحوث فيها. لم يكن ينشر نتائجه وإنما كان يضمنها في رسائل يبعث بها إلى أصدقائه (ومنهم بليز باسكال). ولهذا السبب أثير جدل حول مدى أسبقيته في بعض المنجزات. مثلا يعتبر أنه سبق ديكارت في وضع أسس الهندسة التحليلية، لكن العالم ينسب الفضل في ذلك لديكارت، ومن هنا جاء تعبير الإحداثيات الكارتيزية. وعمل فيرما في موضوع حساب النهايات الصغرى والعظمى، التي تدخل في مجال حساب التفاضل والتكامل حاليا. وقد اعترف اسحق نيوتن بأنه استمدّ أفكاره الأولى في هذا الموضوع من فيرما. اهتم فيرما بنظرية الأعداد؛ كما ساهم مع باسكال، عبر الرسائل المتبادلة بينهما، في وضع أسس نظرية الاحتمالات. وضع فيرما أيضا "مبدأ" "أقصر زمن" الذي اشتق منه قانون سْنِل في الضوء عام 1657، وعمل في مجال انكسار الضوء وأجرى أبحاثا لايجاد كتلة الأرض. لكن لعلّ أفضل إنجازاته هو في مجال نظرية الأعداد، وهو يُعتبر مؤسس هذا العلم في العصر الحديث. ويمكننا القول أن محاولات الرياضياتيين على مدى 350 سنة لإثبات "نظرية فيرما الأخيرة" قد ساهمت مساهمة كبيرة في تقدم نظرية الأعداد والرياضيات عامة.

عام 2020: الجيل الثالث من السيارة الكهربائية

حسام مدانات، العرب اليوم، 6/6/2013 على الرغم من أن السيارة الكهربائية ليست اختراعا حديثا، فأوائل السيارات، قبل أكثر من مئة سنة، كانت كهربائية، إلا أنها عجزت حتى الآن عن منافسة السيارة التي تحرق مشتقات الوقود الأحفوري، كالبنزين والديزل. تُتهم شركات النفط بأنها تحارب السيارة الكهربائية؛ لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فهذه السيارة ما زالت تعاني من مشكلات وسلبيات. وهي ليست صديقة للبيئة بالقدر الذي نتوقعه. صحيح أنها لا تلوث الجو مباشرة بالغازات العادمة، لكن مصدر الكهرباء الذي تستخدمه هو غالبا من محطات تستخدم الوقود الأحفوري. فالنتيجة هي نفسها إذًا. تسعى معظم الشركات الصانعة للسيارات حاليا لتطوير سيارات كهربائية عملية ومنافسة. وهي ستكون غالبا مخصصة لداخل المدن، بسرعات معتدلة، وذات حجم صغير، وقادرة على الاصطفاف العمودي وعلى شحن نفسها بالكهرباء؛ إضافة إلى أن سعرها لا يفوق سعر السيارات المشابهة التي تعمل على البنزين؛ لكن تخفيض السعر يفرض إنتاجها بأعداد كبيرة، وقد يتطلب هذا في البداية دعم الدولة لها. سيغطى سقف السيارة بألواح كهرشمسية لتفي ببعض حاجتها من الكهرباء. كما أن شحنها من شبكة الكهرباء سيجري بواسطة الحث الكهربائي، دون الحاجة للأسلاك. والفكرة التي يجري بحثها حاليا هي تركيب ملفات كهربائية تحت سطح شوارع المدن، بحيث تشحن السيارة تلقائيا أثناء سيرها. Science et Vie 1/2013 p 105

الثلاثاء، 28 مايو 2013

بورباكي وآينشتاين

كتب المحرّر العلميّ، العرب اليوم، 28/5/2013 هل تعرف نقولا بورباكي Bourbaki ؟ إذا لم تكن مختصا بالرياضيات. فالأغلب أنك لم تسمع بالاسم. لكن ما يميز هذا الاسم أنه اسم مستعار، ولا يعبر عن شخص طبيعي حقيقي. في عام 1934 اتفق رياضياتيون فرنسيون على التعاون لوضع أسس الرياضيات المعاصرة، وتأليف كتب مدرسية فيها. وسعوا لبناء هذه الرياضيات على نظرية المجموعات. أطلقوا على فريقهم الاسم "نقولا بورباكي". كانوا يجتمعون ويناقشون بالتفصيل وبعمق كل ما يكتبونه، ثم تنشر كتبهم تحت الاسم نقولا بورباكي، دون أن ينسبوا الفضل لأي من الأعضاء. وربما لو أنهم اختاروا شخصا طبيعيا حقيقيا لتوقيع اسمه تحت جميع أبحاثهم لاعتبر أعظم رياضياتي في التاريخ. فهل يمكن أن يكون شيء مشابه قد حصل فيما يخص آينشتاين، وأن تكون "جهة ما" قد رتبت أن تُنشر جميع أبحاث ومنجزات مجموعة باحثين تحت اسم آينشتاين؟ هذا ما كنت أعتقده، لكن يبدو أن الحقيقة أسوأ من ذلك بكثير. لا يكاد يمر يوم دون أن يصادفك في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي ذكر هذا العالم الذي أصبح رمزا للعبقرية والذكاء والعلم والإبداع، فأين الحقيقة من كل هذا؟ صناعة النجم: كتبتُ على محرك البحث غوغل، الكلمتين: Einstein hoax أي: خدعة، أو أكذوبة، آينشتاين، ففوجئت بوجود مئات المواضيع التي تتحدث عن كيف صنعت الصهيونية هذه الأسطورة. وما زالت تغذيها بزخم هائل. اخترتُ أول موضوع من هذه القوائم، وترجمة عنوانه: البرت آينشتاين – هل كان كذابا ولصا انتحل أفكار غيره. يصفه المقال بأنه تمتع بعبقرية وحيدة: القدرة والجرأة على سرقة أفكار الآخرين وإنجازاتهم ونسبتها لنفسه، ثم تجند وسائل الإعلام العملاقة الواقعة تحت السيطرة اليهودية طاقاتها للدعاية له. تصفه الموسوعة البريطانية بأنه أظهر قدرات مدرسية محدودة. ترك المدرسة في الخامسة عشرة بعد رسوبه في ثلاث مواد. ثم فشل في امتحان القبول في كلية الهندسة في زيوريخ/سويسرا، فتوظف في مكتب تسجيل البراءات في بيرن، وبقي فيه حتى عام 1909. في عام 1905، فجأة، ودون أي مقدمات، نشر أربعة أبحاث فيزيائية: - أسس نظرية الفوتونات في الضوء؛ - تكافؤ المادة والطاقة؛ - شرح الحركة البراونية في السوائل؛ - نظرية النسبية الخاصة. لنبدأ بالبحث الأخير، فالنسبية قد ارتبطت باسمه باعتباره مبتكرها. ترتبط هذه النظرية بافتراضات منها أن سرعة الضوء ثابتة ومستقلة عن سرعة المصدر الذي يشع الضوء. وهذه الفكرة اقترحها الاسكتلندي جيمس ماكسويل عام 1878. كما تبين من تجارب مورلي ومكلسون عام 1887 أن سرعة الضوء مستقلة عن سرعة المراقب. وفي عام 1904 نشر الهولندي لورنتز ما يسمى بتحويلات لورنتز التي تفسر زيادة الكتلة وتقلص الطول لجسم يتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء. أي أن كل ما ورد في مقالة آينشتاين عن النسبية كان قد نشره آخرون. وكان الفرنسي بوانكاريه أبرز المحاضرين عن النسبية، لكنه لم يشر مطلقا إلى آينشتاين. لاحظ أيضا أن نظرية النسبية لم تكن سبب حصوله على جائزة نوبل (بسبب تأخر قبول المجتمع العلمي لها؟). لكن لعله هو أول من استخدم هذا المصطلح: "النسبية"، لوصف هذه النظرية. فهل يبرر هذا نسبتها له؟ نعود إلى البحث الأول: "أسس نظرية الفوتونات في الضوء" وهو الذي منح آينشتاين جائزة نوبل عليه عام 1922. لكن الفضل يعود إلى "ماكس بلانك"، و"فِلهلم فين" اللذين أوضحا، قبل آينشتاين، أن الضوء يُبث ويُمتصّ بحزم محدودة، أطلِق عليها اسم الكمّات (الكوانتا). كما كان لنار، أو لنارد Lenard قد أوضح أن الضوء الساقط على فلز أو شبه موصل يطلق الكترونات تعتمد على تردد الضوء وليس على شدته. وما أورده آينشتاين في بحثه فيما يخص الضوء كان قد قاله بلانك عام 1900 معمما على الأمواج الكهرمغنطيسية كافة. أما تكافؤ المادة والطاقة، والمعادلة المشهورة التي تنسب إلى آينشتاين (الطاقة = الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء)، فقد ظهرت في بحث نشره الإيطالي أولنتو دي برتو في المجلة Atte عام 1903 ؛ كما أثبتت تجارب تومسون في كيمبرج تكافؤ المادة والطاقة، وعززتها بحوث هازنورت، الذي نشرها عام 1904. وفيما يتعلق بالحركة البراونية، وهي تتعلق بحركة الجزيئات في السائل، فقد وضع معادلاتها الأمريكي غبز Gibbs والنمساوي بولتزمَن Boltzman قبل آينشتاين. ونشير هنا أيضا إلى ضعف احتمال أن يحقق شخص مثل هذه الإنجازات مجتمعة في سنة واحدة، دون أن يكون موجودا في وسط علمي أكاديمي، ودون مختبرات، ودون خلفية علمية متينة، أوقدرات رياضية كافية. آلة الدعاية الصهيونية لم يلتفت أحد لما نشره آينشتاين، في 1905، حتى عام 1909 حين دعمته منظمات صهيونية؛ وعملت على تعيينه في الجامعة، فأصبح له تواصل مباشر مع الباحثين والطلبة، وأتيحت له إمكانية أكبر للاستفادة من جهودهم. في عام 1915 نشر هِلبرْت المعادلات الكاملة للنسبية العامة. وكان قد أرسل نسخة منها إلى آينشتاين، الذي نشر البحث باسمه بعد اسبوع من نشر بحث هلبرت! وتتعلق النسبية العامة بتطبيق مبادئ النسبية الخاصة على الكون، وبحث التجاذب بين الكواكب، وانحناء الضوء حين يمر قرب جرم ثقيل. في عام 1919 نشرت التايمز اللندنية (مالكوها يهود) مقالة ذات عنوان مثير: ثورة في العلم: نظرية جديدة عن الكون تطيح بأفكار نيوتن. كانت هذه بداية حملة محمومة لصنع الأسطورة. بدأ الترويج المكثف لأوراقه البحثية الأربع التي نشرت عام 1905 باعتبارها أفكارا أصيلة له. ونجحت الحملة في منحه جائزة نوبل عام 1922. بعد عام 1919 توقف عن انتحال أفكار غيره، وكرس نفسه للدعاية للصهيونية، ولكن اسمه ظهر على بضع مقالات بحثية قام بها آخرون، وكان غرضهم إعطاء قيمة لأبحاثهم. في عام 1921 قام بجولة في الولايات المتحدة لجمع تبرعات لبناء الجامعة العبرية في القدس. عُرض عليه أن يكون أول رئيس لإسرائيل لكنه اعتذر. وكانت قمة المهزلة (حسب رأي المقالة التي أشرنا إليها) حين سمّته مجلة تايم (مالكوها يهود أيضا) "شخصية القرن العشرين". Albert Einstein– was he a thief, a liar and a plagiarist?

شبح المجاعات يلوح في الأفق

المحرر العلمي، العرب اليوم، 28/5/2013 قد يبدو هذا العنوان للبعض غريبا ومبالغا به؛ فنحن نعيش في الأردن، وفي العالم عامة، عصر الوفرة. وفرة في الطعام، وتنوع هائل في اشكاله وأطباقه ومصادره. أصبحنا نتوقع توافر مختلف أصناف الخضار والفواكه واللحوم طوال العام وبأسعار معقولة. وتبدو بعيدة منسية تلك الأيام حين كان أجدادنا لا يعرفون الخضار إلا في شهر أو اثنين من السنة، وليست جميع الخضار التي نعرفها الآن، وحين كانت الأغلبية لا تتناول اللحم إلا في المناسبات. وكان الطعام اليومي للأغلبية هو الخبز الحاف. وغابت عن الذاكرة المجاعات المتكررة بسبب غزو الجراد أو المحل أو مصادرة السلطنة العثمانية للحبوب والدواب والمواشي، وتسفير الرجال للحرب كما حصل في السفر برلك، الحرب العالمية الأولى، قبل مئة سنة، حين اضطر الناس لأكل الأعشاب وجذورها. على الرغم من حصول مجاعات محلية أو اقليمية من وقت لآخر (الصومال،...) فإن احتمالات حصول مجاعة لدينا أو لدى غيرنا أصبحت ضئيلة بفضل عوامل عدة: التقدم العلمي والتقني الذي أتاح حراثة الأرض وحصاد المحاصيل بطرق آلية أسرع وأكفأ كثيرا من الطرق اليدوية التقليدية؛ واستخدام السماد الكيميائي، ومبيدات الآفات الزراعية، وتهجين أصناف زراعية أفضل وأغزر انتاجا، واستصلاح أراض زراعية جديدة على حساب البيئة الطبيعية من مستنقعات تجفف، وغابات تقطع. وتحسين الطرق ووسائل المواصلات تحسينا هائلا أتاح النقل السريع للمنتجات الزراعية داخل البلد الواحد وعبر العالم، مع استخدام وسائل الحفظ كالتبريد. كل ما ذكرنا ساهم في توفير الغذاء لسكان العالم الذين يتزايدون بوتيرة غير مسبوقة. إنه انفجار سكاني؛ وإذا تواصل بالمعدل نفسه فإن احتمالات العوز الغذائي، وحتى المجاعة، في بعض أنحاء العالم واردة لا محالة. لقد تناقص معدل مساحة الأراضي الزارعية للفرد في العالم من 4.5 دونم عام 1960 إلى النصف، أي 2.2 دونم عام 2008. نذكر مثلا أن عدد سكان شرق الأردن في بداية القرن الماضي لم يتجاوز مئة وخمسين ألفا، وهم الآن أكثر من ستة ملايين. وكان الأردن يصدّر القمح، وهو الآن يستورد 99% من حاجته منه (هل سنصمد لو تعرضنا لحصار اقتصادي كالذي تعرضت له العراق لأكثر مكن 10 سنوات؟). ويجدر بالذكر عامل خطورة يهدد الأمن الغذائي لدينا ولدى غيرنا، ألا وهو التعدّي العمراني على الأراضي الزراعية. وقد ارتكب الأردن جريمة لا يمكن إصلاحها بحق نفسه حين حوّل الأراضي الخصبة إلى غابات اسمنتية؛ وكان الأجدر والأولى أن تبنى المدن شرقا في الأراضي غير الزراعية. توفر الحبوب نصف مصدر الطاقة التي يحصل عليها البشر من الطعام، ويمثل القمح والرز النسبة الأكبر منها. وإذا حصلت ظروف متطرفة سببت تراجعا كبيرا في انتاج المحاصيل الزراعية، فإن أسعارها ترتفع تلقائيا. لكن رفع اسعار المواد الغذائية الأساسية في الدول الفقيرة يعرضها لاضطرابات وقلاقل شعبية – كما حصل في ثورة الخبز في الأردن قبل ربع قرن. وهذا قد يزيد الأمر سوءا. ولحسن الحظ فإن الكوارث الزراعية لا تصيب جميع الدول في الوقت نفسه، بل قد يترافق نقص إنتاج محصول معيّن في منطقة ما مع زيادته في بلد آخر، ما يساهم في استقرار الأمن الغذائي العالمي. ولا بد من الإشارة إلى عامل الخطورة الأكبر على الأمن الغذائي، وهو الهدر الذي يمارسه أثرياء العالم وحتى الطبقة المتوسطة التي تقلدهم. فهؤلاء يبذرون ويتلفون نسبة لا بأس بها من الموارد، خاصة الغذائية منها؛ كما أن النهم والإفراط في تناول الطعام غدا ظاهرة عامة؛ ولعلّ من يموتون بسبب التخمة أكثر ممن يقتلهم الجوع. ويكفي أن تشاهد ما تعرضه مواقع الانترنت من وقت لآخر عن ولائم ومناسبات في دول الخليج مثلا، حين تنحر مئات رؤوس الإبل لتلقى لحومها في حاويات القمامة في الصحراء. ورغم محدودية موارد الأردن، فإن هذه الممارسة شائعة أيضا في مناسباتنا الاجتماعية المختلفة. الخلاصة أن احتمالات تراجع الإنتاج الزراعي العالمي، أو حتى حصول الكوارث الزراعية، واردة، فانتاج الحبوب مثلا على مستوى العالم بلغ 663 مليون طن عام 2012، متراجعا بنسبة 2.6% عن عام 2011. كما أن دولا مثل أمريكا والبرازيل تحول نسبة من انتاجها من الذرة وقصب السكر إلى وقود للسيارات. لكن على الرغم من كل هذا فإن سهولة النقل والتجارة في العالم، والمبادرات الدولية للإغاثة، تبعد شبح المجاعة عن الدول الفقيرة، ولو إلى حين.

كيف تُصنّف مادّة ما على أنّها مسرطنة؟

المحرر العلميّ، العرب اليوم، 28/5/2013 تطالعنا وسائل الإعلام والإنترنت من وقت لآخر بتحذيرات مفادها أن مادة ما تسبّب السرطان. مثلا أعلن في حزيران 2012 أن نواتج حرق الديزل مسرطنة، وأعلن في أيار 2011 أن موجات الهاتف الخلويّ يمكن أن تسبب السرطان (أنظر مقال "العلم يشكّ والقضاء يبتّ" في صفحتنا هذه بتاريخ 5/3/2013، حين حكمت محكمة ايطالية بتعويض شخص أصيب بسرطان الدماغ "جرّاء" استخدامه الخلوي طوال النهار حسب متطلبات عمله). فكيف يتوصل المختصون إلى هذه الأحكام؟ ومن هي الجهات المخوّلة بإصدار هذه الأحكام؟ وما المقصود بالمادة المسرطنة؟ تقدر مخاطر المواد سرطانيا بإجراء دراسات على الإنسان، وعلى الحيوانات، وعلى خلايا الجسم. وتتضمن الدراسات على الإنسان ملاحظة العادات الغذائية والظروف المعيشية للناس عامة، وللمصابين بالسرطان خاصة. كذلك إذا تبين أن عاملا ما يسبب طفرة جينية، فإنه يعتبر عاملا مسرطنا مرجّحا. ويقسم المركز الدولي لبحوث السرطان الموادّ بشكل عام إلى خمس مجموعات: المجموعة 4: عامل يرجح أنه غير مسرطن للإنسان؛ المجموعة 3: عامل "غير مصنف" من حيث تسبيبه السرطان للإنسان وتشمل المجموعة 508 مواد؛ المجموعة 2 ب: عامل يحتمل أنه مسرطن للإنسان، وتشمل 272 مادة؛ المجموعة 2أ: عامل يرجح أنه مسرطن للإنسان، تشمل 64 عاملا منها زيت القلي، واضطراب ساعات النوم (كما يحصل لطياري ومضيفي الخطوط الجوية المدنية)؛ المجموعة 1: عامل مسرطن للإنسان، تشمل 108 عوامل، منها التبغ والبنزين والكحول. ماذا نعني بالمجموعة 2 أ مثلا: "يرجح أنه مسرطن للإنسان"؟ يقصد بذلك أنه عامل مسرطن لحيوانات التجارب، لكن ذلك لم يثبت قطعيا فيما يخصّ الإنسان. وهذا ما حصل للغازات الناتجة عن حرق الديزل. فقد كانت تصنّف في المجموعة 2 أ حتى عام 2012، حين نشرت نتائج دراسة أجريت على 12000 شخص، وأثبتت أن خطر سرطان الرئة يتضاعف 3 مرات لدى من يتعرضون لهذه الغازات. يعتمد التشريع في فرنسا بهذا الخصوص على التشريعات الأوروبية المتعلقة بالتصنيف والتسمية والتغليف(CLP)، وأيضا أنظمة التسجيل والتقييم والسماح للمواد الكيميائية (REACH)، وتنصّ على أن يقوم الصناعيون المنتجون أنفسهم بدراسة مخاطر منتجاتهم سرطانيا إذا كان حجم إنتاجهم منها يفوق 1000 طن سنويا. يجدر بالذكر أخيرا أن دراسات السرطنة طويلة ومكلفة وتضحي بآلاف الحيوانات لإجراء التجارب المخبرية عليها؛ لهذا السبب فإن إجراء هذه الدراسات ليس دائما إلزاميا ولا ضروريا. Science et Vie, Fev. 2013 p. 125

الثلاثاء، 14 مايو 2013

القضاء والعلم: (1) هل حقا أن القضاء يعيق العلم وتقدمه؟ (2) زلزال أكويلا: القتل بالإهمال، أم الراعي والذئب؟


هل حقا أن القضاء يعيق العلم وتقدمه؟ م. حسام جميل مدانات، العرب اليوم، 14/5/2013 نعلم أن القضاء عبر التاريخ، سواء كان دينيا متمثلا بمحاكم التفتيش وما شابهها، أو قضاء مدنيا، كثيرا ما عاقب العلماء والباحثين، لسبب بسيط، أن العلم يتطور بسرعة، وليس فيه مسلمات جامدة أو مقدسة لا يمكن نقضها حتى لو بينت التجارب خطأها. أما القانون، فهو غالبا بطيء التطور، وينظر اليه بصفته كينونة سامية وشبه مقدسة، ويعتبر القضاة ورجال القانون فوق الجميع. هذه الصلاحيات المطلقة تقود أحيانا إلى استغلال السلطة وإساءة استعمالها. نناقش فيما يأتي قضيتين وقف فيهما القضاء ندا للعلم وحرية نشره. أولاهما في الولايات المتحدة، والثانية في ايطاليا. (1) انتحار شوارتز وحرية المعلومات في 11 كانون الثاني/ يناير الماضي، انتحر شنقا عبقري الانترنت، والناشط السياسي والساعي دون كلل من أجل تحرير المعلومات، آرون شوارتز Swartz عن 25 عاما، (ولد في 8/11/1986)، قبل الموعد المحدد لمحاكمته بتهمة اختراق مواقع أبحاث علمية متاحة للمشتركين فقط، ثم نشرها على الانترنت للجميع. ألقي القبض عليه في أواخر عام 2011، وكان مقررا أن تبدأ محاكمته في نيسان 2013، وتضمنت العقوبات المتوقعة المطالبة بسجنه 35 عاما، وتغريمه مليون دولار. هذه التهديدات أصابت شوارتز باكتئاب شديد انتهى به إلى الانتحار. آمن شوارتز بأن المعلومات يجب أن تكون متاحة مجانا للجميع. وقد عمل بكل طاقته وبمختلف الوسائل لتحقيق هذا الهدف. شارك في التحرير الطوعي المجاني لمحتويات ويكيبيديا، وتعاون مع آخرين في إنشاء عدة مؤسسات عاملة في مجال النشر المجاني للمعلومات بمختلف أنواعها. فالأبحاث العلمية مثلا قد أنجزت بفضل الأموال العامة، أموال دافعي الضرائب، ولا يحق لأية جهة أن تمنع الإطلاع عليها أو تطلب المال مقابل ذلك. في ايلول 2010 دخل شوارتز على خوادم معهد مساتسوشتس للتكنولوجيا MIT، ونسخ عددا كبيرا من الأبحاث، ثم نشرها على الانترنت لإطلاع الجميع. وكانت هذه بداية المتاعب الخطيرة التي وقع فيها شوارتز مع القضاء الأمريكي. في 17/11/2011 قاضته هيئة المحلفين بتهمة الدخول غير المخول إلى شبكة حاسوبية. وقبل انتحاره بيومين، أخبرت المدعية العامة محامي شوارتز أنه لا بدّ من سجنه ستة أشهر، وأن يعترف بأنه مذنب في 13 تهمة، إذا رغب في تجنب المحاكمة، التي كان متوقعا أن تحكم عليه بالسجن 35 سنة. وحين رد المحامي بأن شوارتز مكتئب ويظهر نزعات نحو الانتحار. كان ردها: فلنسجنه إذن. بعد انتحار شوارتز وقع 50 000 شخص على التماس مقدم للبيت الأبيض لإعفاء المدعية العامة كارمن اورتز من وظيفتها، واتهمت بأنها كذبت على القاضي، وأنها طلبت من الجهات الأمنية معلومات عن شوارتز دون امتلاك هذه الجهات تصريحا بذلك. كما أنها أخفت عن محامي شوارتز طوال سنة معلومات مهمة رغم الالتزام القانوني والأخلاقي بتزويد المحامي بها. إضافة إلى ذلك، فإن إحدى الجهات المتضررة الرئيسية، وهي MIT ، لم تطلب ملاحقة شوارتز قضائيا. بعد موت شوارتز، كتب والده روبرت، وهو مستشار في الملكية الفكرية: لقد قتلته الحكومة، وخانت مبادئها الأساسية، لقد تصرفت وزارة العدل وكأنها وزارة الانتقام. يؤمن الجميع أن شوارتز كان سيحقق الكثير لو أنه لم ينتحر، لكن انتحاره سيفيد بالتأكيد في التسريع من عملية تطوير التشريعات الرامية إلى تحرير المعلومات وإتاحتها للجميع، بلا مقابل، تحقيقا لحلم شوارتز ولما كان يسعى إليه بكل طاقته. (أنظر المقال: عبقري الانترنت انتحر عن 26 عاما آرون شوارتز. هل راح ضحية ايمانه بحرية المعلومات. العربي العلمي، ص 56، العدد 16، نيسان/ابريل 2013). (2) زلزال أكويلا: القتل بالإهمال، أم الراعي والذئب؟ وأخيرا، حكمت المحكمة بالسجن 6 سنوات على علماء الزلازل الطليان الذين صرحوا بأن لا احتمال لحصول زلزال عنيف في المنطقة، وبعد ذلك التصريح بأسبوع وقع زلزال أكويلا في نيسان 2009، وراح ضحيته 309 قتلى، إضافة إلى 1500 جريح. تعرضنا في صفحتنا هذه بتاريخ 9 آذار 2012 إلى المحاكمة الغريبة التي تعرض لها هؤلاء المختصون بمقال عنوانه : محاكمة علمية غريبة. تبدأ القصة بحصول سلسلة من الهزات الخفيفة طوال عدة أشهر في منطقة ابروزي في ايطاليا. ثم أعلن أحد الهواة عن قرب وقوع زلزال عنيف فتزايد القلق الشعبي. اجتمعت لجنة مكونة من ستة مختصين بالزلازل، إضافة إلى مسؤول في الدفاع المدني، وكان الرأي الذي خرجوا به، أنه على الرغم من أن النشاط الزلزالي خلال الشهر الماضية قد زاد خطر وقوع زلزال عنيف، إلا أن احتمال ذلك يبقى صغيرا جدا، وأن الوضع العام مطمئن. اعتبرت عائلات الضحايا الذين سقطوا في الزلزال العنيف بعد أسبوع من تصريح اللجنة المطمئن، أن اللجنة تتحمل المسؤولية عن بقاء الناس في بيوتهم وبالتالي حدوث وفيات وإصابات، فرفعوا دعوى ضد هذه اللجنة. بعد صدور الحكم بالسجن، ساد شعور بالصدمة والاستنكار. كيف يعاقب باحثون لأنهم عجزوا عن توقع ظاهرة لا يمكن توقعها عادة. هذه السابقة الخطيرة قد تؤدي لنتائج ضارة من أكثر من ناحية: فالمختص سيتردد في المستقبل في إعطاء رأيه في أمر مشابه، خاصة إذا كان مقتنعا بضآلة احتمال حصول زلزال كبير؛ فقد يحدث الزلزال دون أن يكون أي مختص قد أعلن أية توقعات. وفي المقابل، وحتى لا يحصل للمختصين ما حصل لزملائهم الذين حكم عليهم بالسجن، فإنهم قد يطلقون تحذيرات من احتمال وقوع زلازل كبيرة، مهما كانت المؤشرات ضئيلة. ولهذه الممارسة مخاطرها. في البداية ستتخذ إجراءات لإجلاء الناس من المواقع المهددة بالخطر وهذه عملية مكلفة ومزعجة لكل من السكان المعنيين وللسلطات ذات العلاقة. وإذا تكررت التحذيرات والإجلاءات دون مبرر حقيقي، فإن الناس بعد فترة لن يعيروا التحذيرات أي اهتمام، حتى لو كانت هذه المرة جدية وخطيرة. تماما مثل قصة الراعي الذي أحب أن يمزح مع سكان قريته، فصاح: الذئب الذئب. هرع أهل القرية لنجدته ليجدوه يضحك ساخرا منهم. وكرر فعلته بضع مرات حتى لم يعد أحد يصدقه. وحين هاجمه الذئب فعلا وصاح يطلب النجدة لم يجد أحدا يصغي لاستغاثته.

في مواجهة الغش العلمي


المحرر العلمي، العرب اليوم، 14/5/2013 قبل مئة سنة، في 18/12/1912، اجتمعت الجمعية الجيولوجية في لندن اجتماعا غير عادي لعرض أقدم جمجمة إنسان، الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد! اكتشفها جيولوجي هاو اسمه تشارلز دوسُن، وصادق على صحتها خبير في المتحف البريطاني.ابتهج أعضاء الجمعية لأن أقدم إنسان بريطاني. وأطلق عليه اسم "انسان بلتداون" (المنطقة التي عثر عليه فيها) أو إنسان دوسن، على اسم المكتشف. ولم يتبين زيف هذا الكشف إلا عام 1949 حين استخدم باحث في المتحف البريطاني وسائل فحص وتحليل مستحدثة مثل تحديد نسبة الفلور، تم تحديد نسبة الكربون 14 عام 1953، وظهر أن الجمجمة تعود لبضعة قرون فقط، لكنها عولجت بمواد كيميائية لتبدو مفرطة في القدم. لماذا يغش الباحثون؟ لا شك أن العلم والغش لا يتفقان. فالبحث العلمي يتطلب أساسا النزاهة والصدق والموضوعية، وهو منزه عن الهوى، فالباحث لا يسعى لإثبات فرضية مسبقة يؤمن بها، وإنما يختبر صحة الفرضية حسب أساليب المنهج العلمي المعتمدة. لكن الباحث قد يتعجل أحيانا نشر نتائجه حتى يحصل على التمويل اللازم لأبحاثه، أو حتى يحقق المتطلبات الأكاديمية في جامعة بغرض الترفيع مثلا. ويبقى سببب مهم هو الرغبة في تحقيق الشهرة، عن طريق الإثارة الإعلامية.  أنماط الغش وأساليبه: تناقش مجلة العلم والحياة الفرنسية في عددها لشهر 12/2012 هذا الموضوع في 11 صفحة. ونقدم فيما يأتي خلاصة لأهم ما جاء فيه.  الانتحال: مع طوفان المعلومات على الإنترنت حاليا، انتشرت بين الطلبة بشكل خاص ممارسة " النسخ واللصق" (copy + paste) لكتابة مقالة أو بحث دون جهد يذكر. لكن " النسخ واللصق" لا يقبل من الباحثين، إلا إذا أشار الباحث إلى المصدر، وبشرط أن لا تمثل هذه المقتبسات نسبة كبيرة من البحث.  إخفاء تضارب المصالح: إذا كان باحث يقيمّ سمّية منتج دوائيّ أو غذائي ما، فمن الصعب أن يدّعي الموضوعية إذا كانت الشركة صاحبة هذا المنتج هي التي تموّل أبحاثه. وقد كان هذا هو الحال لسنوات طويلة فيما يتعلق بالأبحاث على التبغ، وعلى القهوة حاليا.  ادعاء المشاركة أو إغفالها: يشارك في التوقيع على أوراق البحوث أحيانا أشخاص لم يشاركوا فيها أصلا. وعادة ما يضاف اسم شخص بارز بهدف إضفاء أهمية على البحث. أو يضع هذا الشخص اسمه على البحث بحكم منصبه أو نفوذه، على الرغم من عدم مشاركته فيه. وفي المقابل فإن بعض الأبحاث يجريها باحثون صغار أو مراكز دراسات مأجور؛ ويحصل الباحث الحقيقي على أجرة مالية، في حين ينسب الفضل في البحث إلى من يدفع الثمن.  خيانة الثقة: قبل أن تنشر المجلات العلمية تقرير البحث، تحوله عادة إلى محكمين ليوافقوا عليه ويعدلوا فيه. يقع هؤلاء المحكمين تحت إغراء كبير للاستفادة من بعض نتائج البحث، سواء بإفشائها لآخرين، أو بطلب دعم مالي لهم شخصيا اعتمادا عليها.  إخفاء معطيات مناقضة: بعد إعداد تقرير البحث، قد يحصل الباحث على معطيات جديدة مناقضة لما توصل إليه، لكنه قد يهملها أو يخفيها حتى لا تؤثر على نتائجه السابقة.  تزوير النتائج: في آذار 2004 أعلن الكوري هوانغ وو- سوك أنه استنسخ أول طفل بشري، ورشح لنيل جائزة نوبل في الطب، لكن أحد مساعديه كشف عن أن الطفل كان في الواقع طفل أنابيب بتلقيح عادي بين حيوان منوي وبويضة.  تزوير المعطيات: تحدثنا في البداية عن جمجمة بلتداون، حين جرى تزوير البيانات، ومن الأمثلة الأخرى ما فعله عالم النفس الهولندي ديدرك ستابل، الذي كان يعبئ بنفسه الاستبانات الموجهة للجمهور؛ وأيضا كشف أمره ثلاثة من أعضاء فريقه البحثي. أخيرا نورد بعض المؤشرات على استفحال ظاهرة الغش والتدليس والتزوير والاحتيال والانتحال في مجال الأبحاث العلمية. مثلا خلال الفترة 2006 – 2011 كان عدد المقالات العلمية التي سحبت بعد نشرها أكبر بخمسة اضعاف من عددها خلال الفترة 2000 – 2005، وكان معظمها في علم الأحياء والصيدلة والطب. ودلت دراسة أجريت على 630 مقالة طبية نشرت عام 2008 بأن 18% منها حملت توقيع أشخاص "شرف" لا علاقة لهم بالبحث، كما أن 8% منها أجراها أشخاص مجهولون اكتفوا بتلقي أجرهم النقدي عليها. Science et Vie Dec.2012

لماذا يتعبنا الوقوف أكثر من المشي؟

سؤال وجواب: حسام مدانات، العرب اليوم، 14/5/2013 لعلّ كلا منا قد مر بهذه التجربة أكثر من مرة. فالوقوف بانتظار الباص مثلا يتعب أكثر من المشي للفترة نفسها. قد تفسر هذه الظاهرة انطلاقا من الشعور بالملل أثناء الانتظار، مقابل متعة مشاهدة المناظر المتغيرة أثناء المشي والتنزه. هذا صحيح جزئيا؛ لكن الإجهاد الناجم عن الوقوف الطويل صحيح وحقيقي، ويمكن تفسيره جسديا وليس نفسيا فقط. ليس وضع الوقوف وضعا طبيعيا للجسم. فالضغط يتركز على أخمص القدمين. وإذا طال الوقوف تعاني القدمان من الإنهاك. خاصة بسبب الحاجة لبذل جهد لحفظ التوازن، ويقوم بهذه المهمة باستمرار عضلات في بطة الرجل وفي أعلى الفخذ، لموازنة تأثير الجاذبية الأرضية وتأثير حركة الرياح. وإذا طال الوقوف، فإن الجاذبية تزيد تركيز الدم في أوردة الساقين فيلجأ الجسم إلى عدة آليات لدفع الدم إلى الأعلى باتجاه القلب، وهذا يشكل عبئا إضافيا على القلب. وفي المقابل، فإن المشي يعتبر رياضة تحرك عضلات الرجلين وتنشطهما، وتفعل فعل المساج المنشط لأخمص القدمين. كما أن المشي يجعل إحدى القدمين في الهواء نصف الوقت. ما يخفف الضغط عليها ويريحها، ويعمل هبوط القدم على الأرض على دفع الدم في الأوردة إلى الأعلى ما يخفف العبء على القلب.

لماذا يفسد السمك سريعا؟

حسام مدانات، العرب اليوم، 14/5/2013 حين تقترب من ثلاجات عرض الأسماك في المخازن الكبرى، غالبا ماتصدمك الرائحة المميزة والمنفرة للسمك غيرالطازج. نعلم أن الأردن ليس بلدا منتجا للأسماك بمعنى الكلمة (كما أنه غير منتج لمعظم ما يستهلك من طعام). ومعظم ما تجده في السوق من السمك مستورد، مبردا ( تحت تسمية سمك طازج) أو مجمدا، (ولا نتحدث هنا عن أنواع الأسماك المعلبة، ونعني بذلك السردين والطن خاصة). وكثيرا ما تناقلت وسائل الإعلام المحلية أنباء إتلاف سمك مصاب بالديدان أو يحتوي على معادن ثقيلة سامة. فما الذي يجعل السمك أكثر عرضة من غيره من اللحوم، للفساد والتلف السريع؟ يفسد اللحم (حسب كتاب "الغذاء: تلوثه، سلامته، ثقافته"، تأليف د. هاني مسلم الضمور) لعدة أسباب: أولا التحلل الذاتي لمكوناته الغذائية، خاصة البروتينات، والتحلل أسرع في السمك بسبب نشاط أنزيماته الزائد. ثانيا، تسرّع الميكروبات إفساده لأن حموضته منخفضة ونسبة الرطوبة فيه عالية، خاصة حين يحدث ما يسمى بالتيبس الرمّي، أي تسرب الماء من الخلايا، فتتوفر بيئة صالحة لنمو الميكروبات، إذا لم يكن التبريد كافيا. وثالثا، تتأكسد دهون السمك أسرع من غيرها، فتفوح رائحة الزنخة التي تتصف بها عادة الدهون المتأكسدة . الخلاصة أن تناول الأسماك المعلبة أسلم غالبا لأنها عادة ما تعلب على ظهر السفن فور صيدها. كما أن الأسماك المجمدة قد تكون آمن من المبردة، التي تباع باعتبارها طازجة؛ لأن التبريد أثناء شحنها قد لا يكون كافيا لايقاف نشاط الميكروبات ونموّ الديدان وتكاثرها؛ في حين أن تجميد الأسماك يتم عادة فور صيدها وبوسائل التجميد الصناعي السريع، الذي لا يسمح للميكروبات بالنموّ.

الثلاثاء، 30 أبريل 2013

أخبار علمية: الدنا متين لكنه غير خالد، عبقرية البكتيريا، مغنطيسية من نوع جديد، الذباب يساعد علماء الحيوان


شريط الأخبار العلمية حسام مدانات، العرب اليوم، 30/4/2013 الذباب يساعد علماء الحيوان: ليس من السهل دائما تحديد جميع أنواع الحيوانات التي تعيش في غابة ما. لكن باحثا من معهد روبرت كوخ في برلين اكتشف أن ذباب اللحم يمكن أن يقدم معلومات قيمة حول هذه الحيوانات. يتغذى هذا الذباب على جثث الحيوانات وعلى برازها. ويحمل معه بذلك بعض الحمض النووي "دنا" لهذه الحيوانات. وهذا يسهُل كشفه وتحديد مصدره. يجدر بالذكر أن العلق الطبي يفيد بالطريقة نفسها عند تحليل دم الحيوان الذي تطفل عليه، والذي يحتفظ به في معدته. مغنطيسية من نوع جديد: إنها تشبه المغنطيسية القوية، أي الفرومغنطيسية، التي تظهر على الحديد حين يتمغنط. لكن هذه المغنطيسية الجديدة تتبدى على المستوى المجهري فقط، على مستوى الذرات. وقد اكتشفت مؤخرا في معهد مِشِغَن التكنولوجي عند دراسة بلورة خضراء بسيطة استخرجت من منجم في تشيلي عام 1972. ويعود الفضل لهذه الخاصية إلى ترتيب فريد لذرات النحاس داخلها. الدنا متين لكنه غير خالد: الحامض النووي، دنا، لا يتلف بسهولة، وهذا يفسر الاكتشافات التي تعتمد على تحليل مخلفات دنا تعود لآلاف السنين، لكن تبين أنه إذا حفظ على درجة 22 س، فإن نصفه يتلف، أي تتحلل الروابط بين قواعده، خلال 520 سنة. وإذا حفظ على درجة سالب 5 س، فإنه يتلف خلال 6,8 مليون سنة. أي أن من غير المحتمل أن نتمكن يوما من استنساخ الديناصورات، فهي قد انقرضت قبل 65 مليون سنة. حل لغز الزنون: الزنون غاز خامل، مثله في ذلك مثل الهيليوم والرادون. وهو من أشد الغازات ندرة في جو الأرض. رغم وفرته في النيازك. أثبتت تجارب حديثة أنه لا يكاد يذوب في صخور البيروفسكيت، أحد المكونات الرئيسية لوشاح الأرض (الطبقة الواقعة تحت القشرة الأرضية)؛ أي أن هذه الصخور لم تحتفظ به حين تشكلت الأرض، فتصاعد إلى جو الأرض ثم هرب إلى الفضاء الخارجي. - عبقرية البكتيريا: إذا تسوس الضرس، يخلعه الطبيب، وإذا أصيبت قدم مريض بالسكري بالإنتان، فالحل هو بترها. فهل تتصرف البكتيريا بطريقة مشابهة. رغم أنها تتكون من خلية واحدة؟ في تجربة حديثة أجريت على بكتيريا إي كولاي، جرى إيلاج جين غريب داخل الخلية. وهذا الجين يصنع بروتينا يعيق استفادة البكتيريا من الغذاء المتوفر لتوليد الطاقة. بعد برهة من صنع هذا البروتين المخرب، وشعور البكتيريا بالجوع، أخذت البكتيريا تغير شكلها: استطالت وظهرت على شكل خيوط رفيعة. وتبين أن هذه الخلية الخيطية قد تقسمت إلى حجرات منفصلة، عزل في إحداها البروتين السيء. يُشبه هذا السلوك ماتفعله الغواصة حين تصاب بشرخ يتسرب منه الماء إلى الداخل. حينئذ يعمد ربانها إلى عزل الجزء المتضرر وفصله عن جسم الغواصة. والواقع أن هذه هي المرة الأولى التي يلاحظ فيها هذا السلوك لدى البكتيريا. - S.V. March 2013

تساؤلات حول توفير وقود السيارة


حسام مدانات، العرب اليوم، 30/4/2013 يعرض عدد شهر آذار 2013 من مجلة العلم والحياة الفرنسية عشرة تساؤلات حول استهلاك السيارة للوقود. وبالطبع فهذا الأمر قد يهم الشعوب الغربية الفقيرة نفطيا، لكنه لا يهمنا. وأعلم أننا نترفع عن ارتكاب هذا الفعل الشائن: تخفيض استهلاك الوقود. فنحن نغير سياراتنا إلى أكبر وأكبر باستمرار. وإذا تواصل هذا التوجه لدينا، فلن نستغرب أن نجد النخبة عمّا قريب تمتلك وتسوق شاحنات أو قلابات أو حتى دبابات و ومدرعات لتحافظ على تميّزها. وهؤلاء طبعا لن يهمهم التوفير في وقود السيارة. كان بودي أن أكتب مقالا يقدم عشر طرق لزيادة استهلاك سيارتك من البنزين. مثل هذه المقال سينتظره النخبة بفارغ الصبر ولعل غيري يكتبه لهم. على أية حال، اخترت من المجلة الفرنسية أربعة تساؤلات تتعلق باستهلاك السيارة للوقود، أعرضها هنا باختصار: - هل المحرك الهجين اقتصادي حقا؟ المحرك الهجين يجمع بين محرك حراري تقليدي (يحرق البنزين أو الديزل) ومحرك كهربائي (وقد انتشرت السيارة الهجينة نسبيا في الأردن قبل أن تتدخل الحكومة وتتخذ إجراءات لتنفير الناس منها، مثل رفع رخصتها عدة أضعاف، وزيادة الجمارك عليها). يتوقف حرق المحرك الحراري للوقود تلقائيا حين تنتفي الحاجة له (في منحدر مثلا، أو عند الاقتراب من إشارة ضوئية حمراء). حينئذ يتولى المحرك الكهربائي المهمة. فهو إذن يدعم المحرك الحراري، أو يحرك السارة في السرعات المنخفضة. لا تفيد هذه التقنية كثيرا على الطرق الخارجية، خاصة السراطات (الأوتوسترادات) لكنها توفر كثيرا داخل المدينة. فمثلا سيارة تويوتا يارِس الهجينة توفر الثلث مقارنة مع مثيلتها الحرارية، كما أن سعرها أدنى (في فرنسا). - ما دور العجلات؟ تقاوم الطريق حركة العجلات عليها، وتستهلك السيارة ما بين 20% و 25% من الوقود للتغلب على هذه المقاومة، حسب سطح الطريق. وقد ظهرت عجلات "خضراء" توفر 2-3% من الوقود بفضل تخفيضها لمقاومة سطح الطريق. ويتطلب ذلك نفخ العجلات حسب الضغط الذي توصي به الشركة الصانعة. وإذا انخفض الضغط زادت المقاومة وزاد استهلاك السيارة من الوقود. فانخفاض الضغط بمقدار 0,3 بار فقط يزيد الاستهلاك 3% (وهذا الانخفاض يحصل تلقائيا بعد 3- 6 أشهر من نفخ العجلات). - ما علاقة وزن السيارة باستهلاكها للوقود؟ كلما ازداد وزن السيارة، كلما تحمل المحرك عبئا أكبر في تحريكها، وحرق وقودا أكثر. وكل 100 كغ زيادة في الوزن قد تكلفك زيادة 0,6 لتر من البنزين لكل 100 كم. لهذا السبب تخلص من أية أغراض ثقيلة غير ضرورية. وتجنب تعبئة خزان البنزين بأكمله أثناء تنقلك داخل المدينة. - هل يحرق المكيّف بنزينا أكثر؟ يزداد استهلاك البنزين عند تشغيل المكيّف داخل المدينة بسرعة منخفضة حتى 20%. لهذا السبب، فالأنسب حينئذ أن تفتح نوافذ السيارة. لكن فتح النوافذ على سرعات عالية يزيد مقاومة الهواء للحركة، ويزيد استهلاك البنزين. أي أن تشغيل المكيف على الطرق الخارجية قد لا يكلفك بقدر التكلفة الناتجة عن فتح النوافذ.

أوّل خريطة للأفكار


م. حسام جميل مدانات، العرب اليوم، 30/4/2013 تخيّل أنك دخلت مكتبة ضخمة، مثل مكتبة الكونغرس الأمريكي، باحثا عن كتاب معين بين بضعة ملايين من الكتب. إن التنظيم المثالي للكتب في المكتبة، ومعرفتك به، سيمكنك من العثور على ضالتك خلال دقائق. فهل يعمل دماغنا بطريقة مشابهة. في عام 2009 توصل جاك غَلنْت وفريقه من جامعة كليفورنيا إلى كشف الأثر البصري الذي يحدث في الدماغ حين ترسل العين اليه رسالة لتخبره بما رأت. والآن يخبرنا غلنت بإنجاز عظيم آخر، هو رسم خريطة للأفكار. ولعلّ هذا الإنجاز يمهد لتطوير الحاسوب الذكيّ إذا طبقت فكرة الخريطة عليه. يمتلك الدماغ، تحت تصرفه، عددا هائلا من الطرق لتنظيم الأفكار وتصنيفها وترتيبها وتمييزها والربط بينها. تنتج هذه الأفكار عما تلتقطه حواسنا عن العالم من حولنا. لكن كيف ينجح الدماغ في هذه المهمة الصعبة، وما الذي يقيه من الضياع في خِضَمّ الكمّ الهائل من الأفكار والصور التي يحتفظ بها في تلافيفه؟ التكنولوجيا تكشف السر: استخدم غلنت التصوير بالرنين المغنطيسي MRI لكشف اسرار عملية التفكير في الدماغ. وتبين له أن الأشياء المتشابهة تنشط وتفعّل عدة مناطق متفرقة، وليس منطقة محدودة ومحددة. ولا يقتصر ذلك على تفعيل أشكال معينة، وإنما أيضا التنظيم والترابط بين أفكار مادية أو مجردة. يجري هذا النشاط داخل قشرة الدماع، التي لا يتجاوز سمكها 2مم. قسم الباحثون القشرة، أثناء تصويرهم لها، إلى 30 000 جزء، حجم كل منها 8 مم³، وأطلقوا على كل من هذه الأجزاء اسم "فكسل" Vexel. حين ينشط فكسل معين، فإن العصبونات، أو الخلايا العصبية، داخله، تنشط وتستهلك كمية أكبر من الأكسجين، ويزداد تدفق الدم فيها. وهذا هو ما يكشفه التصوير بالرنين المغنطيسي. أجريت تجربة على خمسة متطوعين، حيث صور دماغهم أثناء مشاهدتهم أفلاما قصيرة. وكانت لقطات هذه الأفلام قد صنفت ورقمت، وهي تنتمي لفئات أفكار منوعة مثل البحر، السفن، الرياضة، الغابة، الحمَام..الخ، وبما مجموعه 1700 صنف، بناء على قاموس أصدرته جامعة برنستون بعنوان شبكة الكلمات Word Net ؛ فكل فكرة ترتبط بفكرة أخرى أكثر تجريدا. مثلا الحمامة ترتبط بصنف الطيور، وبالفقاريات،..الخ. هذه السلسلة من العلاقات المجردة ترسم خريطة نظرية للأفكار. وعلى هذه الخريطة تجد السيارة مثلا ضمن ما ينتمي لصنفها من وسائل النقل كالدراجة والشاحنة. وتجد فعلا مثل "مشى"، مرتبطا بأفعال تدل على نشاط مشابه مثل ركض، جرى، زحف. لكن لا شيء يمنع الدماغ من ربط شيء مع آخر لمجرد تشابههما أو تشاركهما في الكلمة المعبرة عنهما، مثل الفأرة الحيوان وفأرة الحاسوب. فكرة التصنيف بسيطة وبديهية إذن. لكن الجديد هنا هو اكتشاف أن عناصر كل صنف تتواجد في مواضع محددة من الدماغ، وتترابط بين بعضها البعض. 20% من القشرة يفعّل في كل لحظة: قد يميل البعض لتخيل الدماغ مثل خزانة ضخمة بها رفوف وجوارير، حيث تخزن فكرة واحدة في كل جرار. لكن خريطة الأفكار في الدماغ أرقى من ذلك وأكثر اقتصادا للحيز. وحين تثار فكرة ما، فإنها تنشط عددا كبيرا من الارتباطات بين النيرونات، وبما يصل إلى الخمس، أي 20% من عدد الفكسلات في قشرة الدماغ. ويضبط الدماغ مستوى النشاط في كل من هذه الفكسلات، ويميز الأفكار الأقرب للفكرة المثارة. يعتمد الدماغ في ذلك على تصنيف الأفكار وفق 4 محددات رئيسية. ويضم كل محدد مجموعتين متفاوتتين. فالمحدد الأول هو الحركة، ويضم مجموعتين هما الأجسام المتحركة والأجسام الثابتة؛ والمحدد الثاني هو التفاعل الإجتماعي (بين الأشخاص أو الأشياء) أو غياب التفاعل؛ المحدد الثالث هو كون الشيء طبيعيا أو حضاريا مصطنعا، والمحدد الرابع كونه حيا أو غير حي. هذه المحددات الأربعة الرئيسية تشمل بالتأكيد محددات فرعية أخرى. لكن التجربة الحالية لم تدخل في هذه التفاصيل، التي ستكون مجالا لتجارب قادمة أكثر تعقيدا. Science et Vie Mars 2013

الإلكترونيات تدخل عصر الغرافين


المحرر العلميّ، العرب اليوم، 30/4/2013 الغرافين ليس مجرد كربون متبلور. فعلى الرغم من أن بلوراته سداسية تشبه بلورات الغرافيت الذي تصنع منه أقلام الرصاص، إلا أن بلورة الغرافين تتكون من طبقة رقيقة جدا: صفيحة سمكها ذرة واحدة فقط. ولهذا السبب فهي خفيفة جدا. فالمتر المربع منه يزن أقل من 1 مغم (جزء من ألف من الغرام). ويمكن اعتبار الغرافين مادة مكونة من بعدين فقط، وليست مجسمة؛ في حين أن جميع الأجسام التي نراها من حولنا ثلاثية الأبعاد. يعتبر الغرافين مادة معجزة. وهو يَعِد باستخدامه في تطبيقات عديدة. لكن ما يهمنا هنا هو إمكانية إحلاله محل السلكون في اشباه الموصلات التي تعتمد عليها صناعة الإلكترونيات. وعلى الرغم من أنه لم يكتشف إلا مؤخرا (عام 2004)، إلا أنه قد وجد تطبيقات عديدة حتى الآن، مثل تحلية الماء والخلايا الكهرشمسية والمكثفات الفائقة والأقطاب الموصلة الشفافة. يجدر بالذكر أن جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2010 منحت لغايم ونوفوسلوف تقديرا لأبحاثهما في الغرافين. كما حصلت جامعة سويدية عام 2013 على منحة قدرها مليار يورو من الاتحاد الأوروبي لإجراء أبحاث على الغرافين. إنجاز طال انتظاره: وأخيرا نجح فيزيائيون من معهد جورجيا للتكنولوجيا، في الولايات المتحدة، في تطوير غرافين معدل ليستخدم في الالكترونيات الميكروية (الدقيقة). في البداية صنعت من الغرافين نياقل (جمع نيقل، أي ترانزستر)، وأقطاب ثنائية (ديودات) وموصلات كهربائية. لكن استخدام الغرافين في مجال الالكترونيات تطلب تحويله إلى شبه موصل، مثل السلكون. وهذا يعني أن يتصرف كموصل أو كعازل وفق الجهد الكهربائي الذي يتعرض له. وقد توصل فنغ ونغ من جامعة كليفورنيا بالفعل عام 2009 إلى تحويل الغرافين إلى شبه موصل، عن طريق تعريضه لمجال كهربائي معامد لسطحه، لكنه لم يتمكن من منع تسرب التيار، ما حدّ من استخدامه في الالكترونيات الدقيقة. ومؤخرا، توصل إلى حل هذه المشكلة فريق باحثين من أمريكا وفرنسا، عن طريق تثليم أو حفر الغرافين لصنع شرائط دقيقة، ما عدل خصائصه الكهربائية. وبالطبع لم يكن تحقيق هذه الأشرطة بالمهمة السهلة. ما زالت هذه المادة تحت الإختبار، مع أن النتائج الأولية واعدة فعلا. نذكر أخيرا بضع خواص الغرافين: توصيله للكهرباء أفضل بثلاثين مرة من توصيل السلكون. وهو أمتن من الفولاذ بمئتي مرة، على الرغم من أنه أخف منه بست مرات. تتحرك الالكترونات في الغرافين بسرعة 1000 كم/ثانية، أي 150 ضعف سرعتها في السلكون. وتنتج الصين منه 300 طن سنويا بسعر 500 دولار/كغ. Science et Vie, 2/2013

منجزات علمية باختصار

- حسام مدانات، العرب اليوم، 30/4/2013 - 500 كم/ساعة، هي السرعة القصوى التي سيبلغها قطار ياباني يعتمد على التعليق المغنطيسي، أي أنه يتحرك فوق طبقة من الهواء تفصله عن السكة، بفضل التنافر المغنطيسي. علما أن أقصى سرعة للقطارات حاليا هي 420 كم/ساعة. - 275: هذا هو أقل عدد لجزيئات الماء حتى تتحول إلى بلورة جليد، حسب ما لاحظه باحثون من جامعة غوتنغن الألمانية. وإذا قل عدد الجزيئات عن ذلك، فلن تتكون بلورة الجليد مهما برد الماء. - بكتيريا تفرز الذهب: في تجربة أجريت في جامعة مِشِغَن، وضعت بكتيريا معينة في طبق يحوي كلوريد الذهب. وبعد أسبوع لوحظ وجود دقائق نانوية (بالغة الصغر) من الذهب النقي. ويعتقد أن بعض شذرات الذهب في الطبيعة نتجت بهذه الطريقة. - سرطان القولون يظهر في هواء الزفير. هذا ما لاحظه باحثون طليان في ثلاثة أرباع الحالات المصابة. - اكتشف جزيء كيميائي متميز في دماغ أشخاص مصابين بمرض فرط النعاس. - اكتشاف أجزاء من دنا فيروس الجدري في جثث مدفونة في الجليد شمال روسيا. يذكر أن منظمة الصحة العالمية أعلنت عام 1980 أنها قضت عليه نهائيا، ولم يعد فيروسه موجودا إلا لدى الجيشين الأمريكي والروسي. - توصلت المؤسسة البريطانية REL إلى انتاج صاروخ فضائي (يحمل المركبات إلى الفضاء) يمكنه أن يحلق وأن يهبط مثل الطائرة. أطلقت عليه الإسم Skylon. - تحويل الهواء إلى وقود: هذا ما تسعى لتحقيقه المؤسسة البريطانية Air Fuel Synthesis، باستخلاص ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين الموجودين في الهواء ثم تفاعلهما لإنتاج الميثانول، ومن ثم تحويله إلى بنزين أو ديزل. تخطط المؤسسة لإنشاء مصنع ينتج طنا من الوقود بهذه الطريقة عام 2015 اعتمادا على الطاقة المتجددة (الريح مثلا).

الثلاثاء، 16 أبريل 2013

الرصاص: الفلزّ الذي ساهم في انهيار روما

القاموس العلمي الرصاص: الفلزّ الذي ساهم في انهيار روما م. سائد مدانات، العرب اليوم، 16/4/2013 عرف الإنسان الرصاص قبل أن يعرف الحديد. فهو فلزّ مطاوع سهل التشكيل والسبك، وينصهر بسهولة. يقال أن الرومان صنعوا منه الأنابيب التي أمدت قصور أثريائهم وملوكهم بالماء، كما أنهم استخدموا أحد أملاحه، اسيتات الرصاص، لتحلية النبيذ. ولا شك أنهم لم يدركوا أن هذا الفلزّ اللطيف يخرب الجهاز العصبي، ويتلف الدماغ والدم والكلى، ويتراكم في الأنسجة والعظام، ويسبب العقم والإجهاض. وهكذا بدأ كبار الدولة في روما يعانون من العته والخرف والأمراض.. وبدأ تدهور الامبراطورية التي كانت تحكم أوربا، من انجلترا غربا وحتى أقصى شرقها؛ إضافة إلى شمال إفريقيا، ومنها مصر، وتركيا الحالية وبلاد الشام. عثر على خرز مصنوع من الرصاص في تركيا يعود إلى 6400 ق.م. ويقدر أن الرومان كانوا يستخرجون ثمانين ألف طن منه سنويا. اسمه في اللاتينية Plumbum ،ومن هذه الكلمة اشتق رمزه الكيميائي Pb واشتقت منها أيضا كلمات مثل Plumber أي السبّاك في الإنجليزية. عدده الذري، أي عدد البروتونات في نواته، هو 82، وله ثلاثة نظائر غير مشعة، أوزانها 206،207،208 ، وهي أثقل النوى المستقرة في الطبيعة. الرصاص في عالم اليوم: بلغ انتاجه العالمي 9,6 مليون طن عام 2010، لكن مصدر نصف هذه الكمية هو التدوير، أي إعادة تصنيع الرصاص من النفايات. والدول الأولى في إنتاجه هي استراليا والصين والولايات المتحدة، وتحل المغرب في المرتبة الثامنة عالميا. يخُشى من نضوب احتياطياته خلال 50 سنة. وأكثر خاماته تعدينا هي الجالينا، أي كبريتيد الرصاص. لكن ما دام الرصاص ساما، فلماذا لا نستغني عنه؟ الواقع أن الرصاص ما زال فلزا مرغوبا ومفيدا في عدة تطبيقات، ولعل أهمها هي بطاريات السيارات، فنصف إنتاج الولايات المتحدة منه يخصص لهذا الغرض. وهو يستخدم أيضا في البناء، ويساعد في امتصاص الصوت في الاستديوهات الإذاعية مثلا. وتصنع منه رصاصات المسدسات والبنادق لأنه ثقيل وسهل التشكيل. ويدخل في صنع الدهانات والأصباغ، إلا إن هذا الاستخدام يتراجع عالميا بسبب خطورة الدهان الرصاصي داخل المنزل، حيث قد يتساقط عن الجدران مع الزمن، ويضعه الأطفال في فمهم مسببا لهم المرض. يخلط الرصاص بلدائن "بي في سي" المستعملة لتغليف أسلاك الكهرباء. ويخلط بالبنزين لتخفيف قرقعة محرك السيارة. لكن العالم يتوجه حاليا نحو البنزين الخالي من الرصاص، والهدف هو تخفيف تلوث هواء المدن بالرصاص؛ فهو سام للإنسان سواء دخل عن طريق الفم أو الأنف. يستخدم الرصاص أيضا في اللحام، وفي صنع التماثيل والمنحوتات. وكان يدخل في صناعة طلاء لعب الأطفال، وفي مبيدات الآفات الزراعية، وفي طلاء أواني الطعام المصنوعة من الصيني. لكن هذا انتهى الآن. تخلط مع الرصاص فلزات أخرى مثل النحاس والانتيمون ليكتسب الصلادة والقساوة. وإذا مزج قليل من الرصاص مع الفولاذ تحسنت لدانته وقابليته للسحب والسبك. وهو ينصهر عند درحة 327 سلسيوس، مقارنة مع 1538 درجة للحديد النقي. ينتمي الرصاص لمجموعة كيميائية تضم الكربون والسلكون والجرمانيوم والقصدير. يتذبذب السعر العالمي للرصاص كثيرا. فمثلا كان سعر الطن منه 500 دولار عام 2005، وارتفع إلى 3650 عام 2007. أخيرا نشير إلى أن قلم الرصاص لا علاقة له بفلز الرصاص، فالقضيب الأسود الرفيع في جوف قلم الرصاص الخشبي مصنوع من الغرافيت، وهو أحد أشكال الكربون، أي الفحم المتبلور. والسر في هذه التسمية أن فلز الرصاص يترك أثرا اسود عند حكه بالورق، ويقال أن قلم الرصاص، حين اخترع، اطلق عليه اسم Plumbago ، أي شبيه الرصاص في أثره، كما يقال أن السبب هو الاعتقاد أن الغرافيت هو أحد أشكال فلز الرصاص. ورغم خطأ التعبير، فإنه قد ثبت وبقي، ومازلنا نقول "قلم الرصاص".

مختبرات تحاكي نشأة الكون

م. حسام جميل مدانات، العرب اليوم، 16/4/2013 الفيزياء الفلكية التجريبية: هل هو علم جديد؟ علماء يحاولون تقليد ما يعتقدون أنه حصل ويحصل في الكون من ظواهر غريبة: الثقوب السوداء، المستعرات العظمى، النجوم النيوترونية، ولادة النجوم، وتشكل الكواكب. إنه العلم في صورته القصوى. المختبر بدل المقراب: تخيل فلكيا يتخلى عن منظاره أو مقرابه (تلسكوبه)، لينزوي في مختبر مغلق، وهدفه هو دراسة الكون. هذا ما يفعله حاليا بضع عشرات من الفيزيائيين وعلماء الفيزياء الفلكية في بضعة مختبرات حول العالم. وهم يسعون إلى تحقيق إنجازات لم يكن أحد يحلم بها. إنجازات تُحول علم الفلك إلى علم تجريبي. علم لا يعتمد فقط على الرصد المحض بواسطة المقراب، والمحاكاة الحاسوبية. قد يبدو أن في ما نقوله مبالغة غير معقولة، فالظواهر الفلكية والكونية أكبر بكثير من أن يتمكن المختبر من توفيرها. لكن ما يقوم به الباحثون هو ابتكار وسائل تقليد ومحاكاة، من خلال الدراسة المخبرية لظاهرة تحكمها، كلية أو جزئيا، القوانين نفسها التي تحكم ظاهرة فلكية ما. النموذج المخبري لا يماثل إذن الظاهرة الفلكية المعنية، لا بحجمها ولا بشكلها ولا بمكوناتها المادية، وإنما بالقوانين الفيزيائية التي تحكمها. ثقب أسود داخل ليف ضوئي: في عام 1970، توقع ستيفن هوكنغ أن الثقب الأسود، الذي يمتص كل ما يقترب منه، حتى أشعة الضوء، يبث أشعة معينة. لم ننجح في التقاط هذه الأشعة لأن أشعة الخلفية الكونية تغطيها وتخفيها. لكن دانيل فاتشو، من جامعة أدنبرة، التقطها داخل ليف زجاجي ضوئي. وتبرير ذلك هو كما يلي: لا شيء يميز الزمكان (الزمان-المكان) الذي تشوهه جاذبية الثقب الأسود عن المادة الفائقة، أي الألياف الضوئية، التي تشوه انتشار الموجات الضوئية. فالحالتان تخضعان للمعادلات نفسها. وإذا كان الثقب الأسود يصدر موجات هوكنغ، فإن الليف الضوئي يجب أن يصدرها أيضا. نجم داخل جهاز الطرد المركزي: توحي المعادلات والنماذج الرياضية بأن البلازما المشحونة كهربائيا في قلب النجم، تولد مجالات مغنطيسية قوية. ولمحاكاة هذا الوضع، استخدم الباحثون الصوديوم المنصهر الخاضع لحركة دورانية عنيفة، اعتمادا على أن قوانين الديناميكا المغنطيسية للموائع تنطبق على الظاهرتين، وأن الصوديوم المنصهر يجب أن يشكل مجالا مغنطيسيا. جرى تحريك هذا المعدن المنصهر بسرعة 1000 دورة في الدقيقة وتجحت التجربة، وتولد مجال مغنطيسي. كان ذلك عام 2006. ومنذ ذلك الوقت تواصلت التجارب. وحين غيرت سرعة الدوران، اضطرب المجال المغنطيسي. وفجأة انعكس اتجاه المجال، وكانت هذه أول محاكاة لظاهرة انعكاس المجال المغنطيسي الشمسي التي تحصل مرة كل 11 سنة. مستعرّ أعظم في قمع: المستعر الأعظم، أو المستجدّ الأعظم، أو السوبر نوفا، هو نجم بلغ آخر عمره، وتقلص وانهار على نفسه، لينفجر مطلقا طاقة هائلة. حين نفكر بالماء وهو يندفع، على شكل دوامة، داخل قمع (محقان) نلاحظ أن المعادلات التي تحكم موجات التضاغط داخل القمع هي نفسها المعادلات التي تصف الموجات التضاغطية التي تنتشر خلال الغاز الذي ينهار نحو المركز بتأثير مجال الجاذبية في قلب النجم المستعر. لا يندفع الغاز بخط مستقيم نحو القلب، وإنما يتبع حركة لولبية، مثل دوامة الماء في القمع أو مصرف الحمام. وهذا يسمح للغاز أن يكتسب طاقة متزايدة مصدرها جسيمات النيوترينو التي ينفثها قلب النجم. نجم نيوتروني في سحابة من الليثيوم: تسلط أشعة الليزر على ذرات الليثيوم الباردة، فتنشط وتنطلق في كافة الاتجاهات وتتفاعل فيما بينها. لكن ما علاقة هذه التجربة بالنجم النيوتروني الميت، الذي تبلغ كثافته مليار طن/سم³ ودرجة حرارته عشرة ملايين درجة، في حين أن الليثيوم هنا في درجة تقارب الصفر المطلق؟ التفسير هو أن المعادلات التي تحكم النظامين هي نفسها. فالنيوترونات وذرات الليثيوم تنتميان للعائلة نفسها من الجسيمات الكمومية: الفيرميونات؛ وتفاعلات كل منهما متماثلة. Science et Vie, 1/2013

عرض كتاب: اكتشاف الجرثومة

< جون والر. ترجمة حزامة حبايب، مكتبة الأسرة، وزارة الثقافة 11/2012 كتب المحرر العلمي، العرب اليوم، 16/4/2013 أبدأ بشكر وزارة الثقافة على جهودها المتواصلة الرامية إلى تشجيع القراءة، بنشرها كتبا عالية المستوى وبأسعار متدنية للغاية، بل هي تكاد تكون مجانية ( 35 قرشا للكتاب). كنا قد عرضنا وانتقدنا سابقا في هذه الصفحة كتابا من إصدارات الوزارة، بسبب كثرة الأخطاء الطباعية وضعف اللغة. لكننا اليوم أمام مجموعة متميزة من الكتب التي تضمنتها معارض الوزارة الأخيرة تحت عنوان "مكتبة الأسرة الأردنية/ مهرجان القراءة للجميع". اخترنا كتاب "اكتشاف الجرثومة"، وهو يقع في 224 صفحة من القطع المتوسط، ويعمل مؤلفه منذ عام 2002 مدرّسا لتاريخ الطبّ والعلوم في كلية لندن الجامعية. كشوف نتيجة تعب وكفاح: نعلم أن الألماني روبرت كوخ اكتشف جرثومة السل والهيضة (الكوليرا أو الكلرة). ويسود الانطباع لدى الكثيرين بأن مثل هذه الاكتشافات عملية سهلة، ربما وليدة الحظ، مثلما تعثر، وأنت تسير على شاطئ البحر، على صدفة غريبة جميلة. وهكذا قد يعتقد أي منا أن بإمكانه أن يحقق كشوفات مشابهة، فقط لو أنه كان محظوظا، أو لو أنه انتبه قليلا لما يجري حوله. لكن كتابنا هذا يقدم تصويرا بالغ الروعة للكفاح والمثابرة والإصرار التي تمتع بها كوخ، حتى تمكن من اكتشاف جرثومة السل، واقناع مجتمع العلماء والسياسيين بصحة كشفه. وما ينطبق على كوخ ينطبق على باستور الذي خاض حربا ضارية مع معارضي نظريته القائلة بأن الميكروبات أو البكتيريا تسبب الأمراض. كما أن ابتكاره لأسلوب التلقيح ضد مرض الكلب (السعار) لم يكن مجرد وليد مصادفة سارة. أما تأثير المصالح السياسية والتجارية فيتبدى خاصة في قضية كشف سبب مرض الكُلرة. نقرأ في الصفحة 161 ما يلي: بحلول العام 1880 كان ما يقرب من 80% من السفن التي تعبر قناة السويس بريطانية. وكانت السرعة عاملا حاسما في السماح لبريطانيا بأن تحافظ على صدارتها الإقتصادية. لكن، إلى جانب البهارات والحرير والشاي التي تأتي من الشرق، كان المرض أيضا يأتي من هناك. كانت طواقم السفن تُرغم على الخضوع للحجر الصحي قبل إنزال بضائعهم، لكن هذا كان يكلف بريطانيا الوقت والمال. وفي عام 1882، أصبحت بريطانيا صاحبة السلطة المطلقة في مصر، فعمدت إلى إلغاء أكبر قدر ممكن من إجراءات الحجر الصحي. كنتيجة لذلك، حين ضربت الكلرة مصر في العام 1883، وقتلت 5000 شخصا كل أسبوع، وجدت الحكومة البريطانية نفسها في مأزق حرج؛ وحاولت أن تثبت أن الكلرة ليست مرضا قابلا للانتقال. أرسلت إلى مصر فريقا طبيا لا يضم أي شخص مؤيد للنظرية القائلة أن الجراثيم تسبب الكلرة. وتوصل الفريق إلى أن هذا الوباء يعزى إلى أنماط طقس غير مألوفة، نشّطت سموم الكلرة التي ظلت خامدة في التربة المصرية منذ اندلاع الوباء آخر مرة عام 1865؛ أي أن الوباء لم يأت من الهند. لكن الفريق الألماني الذي وصل مصر متأخرا نوعا ما، بقيادة روبرت كوخ، تمكن من اقتناص الميكروبات المسببة للمرض، ثم تابع الفريق رحلته إلى الهند للتوصل إلى نتيجة قطعية. ولحسن الحظ أن المانيا لم يكن لها مصالح تجارية في نفي السبب الميكروبي، أو إنكار أن المرض قدم من الهند. ويصور الكتاب كيف كان الشرق عارفا بفوائد التلقيح ضد الأمراض. نقرأ في الصفحة 37: بحلول العام 1000 م، طور الصينيون وسيلة تطعيم ضد الجدري باستنشاق مسحوق مجفف من قشور بثور المصابين بالمرض. وفي القرون الوسطى راج في الشرق الأوسط وضع قشور بثور الجدري تحت الجلد باستخدام شفرة حادة للحصول على مناعة ضد المرض. ولم تعرف هذه الأساليب في أوربا حتى أوائل القرن الثامن عشر. أخيرا، لا يفوتنا أن نقدر للمترجمة لغتها المتينة وندرة الأخطاء اللغوية والطباعية، وأيضا جهدها الواضح في وضع هوامش سفلية في معظم الصفحات تعرّف بكل اسم أو مصطلح بحاجة إلى تعريف. فشكرا للمترجمة وشكرا لوزارة الثقافة على هذا الإصدار القيم، الذي يستحق أن يقرأه الجميع. br />

تسونامي جنيف عام 563

< حسام مدانات، العرب اليوم، 16/4/2013 الطوفان البحري، أو التسونامي، ظاهرة أصبحت مشهورة ومعروفة لدى الجميع بعد ما حصل في جنوب شرق آسيا عام 2004 وفي اليابان عام 2011. ونعلم أن الطوفان حصل في الحالتين بعد حدوث زلزال عنيف دفع مياه البحر نحو الشواطيء. لكن هل يمكن أن تحصل هذه الظاهرة في بلد مثل سويسرا التي تبعد كثيرا عن البحر، كما أنها آمنة نسبيا من الزلازل؟ تشير السجلات التاريخية إلى تعرّض مدينتي لوزان وجنيف في سويسرا قبل 1450 سنة إلى طوفان بحري. وقد توصلت باحثة من جامعة جنيف مؤخرا إلى حل اللغز. فقد عثرت على طبقة صخور رسوبية ضخمة يُقدّر حجمها بربع مليار م³ داخل بحيرة ليمان، وأظهرت التحليلات أن لجميع أجزاء هذه الطبقة العمر نفسه، ما يدل على أنها كانت كتلة ضخمة سقطت فجأة. ويعتقد أن جزءا كبيرا من الجبل قد سقط في نهر الرون الذي حمل الركام إلى بحيرة ليمان، فحصل الطوفان الذي غطى المدينتين. ولا يستبعد أن تتكرر هذه الكارثة، لتهدد حياة مليون نسمة يعيشون قرب البحيرة. Science et Vie 1/2013 br />

كيف كان أجدادنا يتنبأون بالطقس؟

المحرر العلمي، العرب اليوم، 16/4/2013 لا أحد ينكر التقدم الهائل في توقع الطقس لأسبوع قادم أو أكثر، وبدقة تثير الإعجاب. وتسخّر لهذا الغرض سواتل (أقمار صناعية) متخصصة، ومحطات أرضية مترابطة، وموزعة على أنحاء العالم، تقيس الضغط الجوي ونسبة الرطوبة وسرعة الرياح ودرجات الحرارة. لم يمتلك أجدادنا مثل هذه الوسائل، لكنهم كانوا يتوقعون الطقس اعتمادا على خبرات متراكمة عبر آلاف السنين. وقد أعجبني موضوع قرأته في عدد قديم من مجلة Reader’s Digest الأمريكية، يعرض 13 طريقة شعبية لتوقع الطقس، ويناقش مدى صحتها. (فيما يتعلق بأمريكا، وليس بالضرورة لدينا) وقد اخترنا بعضها فيما يلي: 1) حلقة (هالة) حول القمر تنبئ بمطر قادم: هذا صحيح. تظهر الهالة حين توجد بلورات جليد في طبقة الطخاف (السحاب الصوفي العالي)، وهي تكسر ضوء القمر وتشكل الهالة. تتكوّن هذه السحب حين تلتقي جبهة هواء دافيء مع طبقة هوائية منخفضة باردة. هذا التصادم يسبب العواصف والمطر أو الثلج خلال 36 ساعة. 2- في أمسيات الربيع أو الخريف، ينذر تصاعد البخار من النهر بحدوث الصقيع: صحيح. الضباب فوق النهر مؤشر على اختلاط هواء رطب دافيء قرب سطح النهر مع هواء أبرد قادم من اليابسة، تواصل هبوب هذا الهواء البارد قد يسبب الصقيع. 3- ظهور غيوم على شكل قشر السمك، ينبيء بمطر خلال 24 ساعة: صحيح. تظهر هذه الغيوم في مقدمة جبهة دافئة قادمة، ستعلو هواء أرضيا أبرد، فتشكل غيوما ماطرة. 4- يطير الخطاف (السنونو) والخفاش أقرب إلى سطح الأرض قبل العاصفة: صحيح. أذنا السنونو والخفاش حساستان للغاية لتغيرات الضغط الجوي. وحين يبدأ الضغط بالانخفاض، فإنها تطير أقرب للأرض حيث الهواء أكثف وضغطه أكبر مما هو في الطبقات الأعلى. كما أن الحشرات التي تتغذى عليها تتحرك بدورها في مستويات أدنى حين ينخفض الضغط الجوي، وهذا يحصل عادة قبل قرابة 12 ساعة من حصول العاصفة. 5- الشتاء الأبرد من العادة يعني صيفا أدفأ: خطأ. أحيانا كانت الفصول الأربعة أبرد من العادة، وأحيانا كانت جميعها أدفأ. 6- ظهور قوس القزح في الغرب صباحا ينبىء بقدوم المطر: صحيح. نشاهد قوس القزح حين تعبر أشعة الشمس قطرات الماء في الجو، وتكون مواجهة للشمس؛ أي تكون في الغرب حين تشرق الشمس. وبما أن معظم الموجات المطيرة تأتي من الغرب، فإن هذا يعني اقتراب موجة هوائية رطبة. 7- لا تضرب العاصفة المكان نفسه مرتين: خطأ. لعل هذه الخرافة قد نشأت من الخوف، ومن تصديق الأمنيات. (مَن تعرّضَ لصاعقة يتمنى عدم تكرارها، فيصدق أمنيته). لكن يمكن القول إنه نظرا لكون الصاعقة يمكن أن تحدث في أي مكان، فإن احتمال تكرار ضربها مكانا معينا بذاته يبقى احتمالا ضعيفا. 8- قبل قدوم العاصفة، يزداد ألم العظام والأسنان: صحيح. حين ينخفض الضغط الجوّيّ فجأة، يصبح ضغط الهواء داخل الجسم، حول المفاصل أو الأسنان، أكبر من الضغط الجوّي. وهذا يفاقم الألم لدى الشخص الذي يعاني أصلا من مفاصله أو أسنانه. 9- يزداد نقيق الضفادع قبل المطر: صحيح. لا تحتمل الضفادع عادة الطقس الجاف، لأنه يزيد من تبخر الرطوبة من جلدها، لهذا السبب تكون داخل الماء خلال الأيام المنخفضة الرطوبة. لكن قبل العاصفة، تزداد رطوبة الهواء، فتميل للخروج من الماء وتأخذ بالنقيق.

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

الفيروسات في 25 معلومة بسيطة

القاموس العلمي ّ (10) حسام مدانات، العرب اليوم، 2/4/2013 1- الفيروس كلمة يونانية تعني "السم". شاعت هذه الكلمة المعرّبة لدينا، وكانت اقترحت تعابير عربية أخرى: الحمّة، الراشح (لأنه يرشح من فلتر يحجز البكتيريا، هل لكلمة "الرشح" علاقة بهذه الكلمة؟). 2- عام 1890 لوحظ أن مرض تبرقش ورق التبع ينتج عن كائن بالغ الصغر (يرشح من الفلتر). وفي عام 1898 أطلق عليه الهولندي بيجرنك اسم الفيروس. 3- لا يعتبر كائنا حيّا بمعنى الكلمة، لأنه لا يتكاثر إلا داخل خلايا حيّة، ويوصف أنه جُسيم متطفل أو مُعدٍ. 4- يتطفل على جميع الكائنات الحية. 5- يتكون من مورث (جين) من الحمض النووي دنا أو رنا، محاطا بغلاف دهنيّ؛ وقد يمتلك معطفا إضافيا أيضا. 6- قطره بين 10 و 300 نانومتر (النانومتر بالمليون من الملمتر). 7- أصغر من البكتيريا بمئة مرة في المعدل (يمكن صفّ 50000 فيروس متجاورة ضمن 1 مم). 8- تنتقل الفيروسات بواسطة رذاذ السعال (كما في الانفلونزا والرشح)، أو تنقلها الحشرات (حمّى الضنك أو الدنغ)، أو عبر الاتصال المباشر (الهيف: فيروس الإيدز). 9- يقاوم جسمنا عادة معظم الفيروسات.. 10- يمكن أن يكتسب الجسم مناعة ضدها بفضل التطعيم؛ لكن لا تصلح المضادات الحيوية لمقاومتها. 11- قد تغير تركيبها من وقت لآخر، فتتغلب على مقاومة الجسم. لهذا السبب لا يصلح التطعيم ضد الانفلونزا مثلا إلا لموسم واحد. 12- العاثيات هي فيروسات تهاجم البكتيريا. 13- سعى الروس منذ مئة سنة إلى استغلال العاثيات لمقاومة البكتيريا المسببة للمرض (بدلا من اللجوء للمضادات الحيوية). 14- أول صورة للفيروس كانت عام 1931، بالمجهر الالكتروني. 15- توجد أربعة أشكال رئيسية : حلزونية، كروية ذات عشرين وجه، ثنائية الغلاف، معقدة. 16- تتوزع على 7 مجموعات حسب تركيبها : دنا ، رنا، رنا قهقري (رترو)، ... 17- يتخصص الفيروس في نوع الخلايا التي يصيبها. 18- بعد أن يرتبط بالخلية المناسبة، يخترقها، ثم يتحلل معطفه (وغلافه، إذا وجد) لتنطلق جيناته. 19- بعد تحرر الجينات، تنسخ نفسها داخل الخلية، ثم تنفجر الخلية المنهكة لتنتقل الفيروسات لخلايا مجاورة. 20- قد يبقى ساكنا داخل الخلية لأشهر أو سنوات (مثل فيروس الإيدز) 21- نعرف حتى الآن 5000 نوع منها. 22- من الأمراض الفيروسية البشرية: الرشح، الانفلونزا بأنواعها، السارس، الهربس (ثآليل البرد)، الإيدز، حمى ايبولا، حمّى الضنك، التهاب الكبد الوبائي، شلل الأطفال، الحصبة، النكاف، الحصبة الألمانية، الجدري. 23- يعتقد أن الفيروسات تسبب عدة أنواع من السرطان. التهاب الكبد الفيروسي، مثلا، قد يتطور إلى سرطان. 24- يوجد 250 مليون فيروس في كل مليلتر (سم3) من ماء البحر. 25- الفيروسات أداة أساسية في هندسة الجينات، إذ تستخدم لإدخال جينات معينة في الخلايا.

بماذا يتميز الحاسوب غير الدقيق؟

حسام مدانات، العرب اليوم، 2/4/2013 لو أننا سمحنا للحاسوب بارتكاب بعض الأخطاء، فإننا سنكسب استقلالية وسرعة أكبر. هذه هي الفكرة التي جاء بها افيناش لنغامنيني، وهو من أصل هندي، ويعمل في جامعة رايس في هيوستن / أمريكا. ظهرت هذه الفكرة عام 2003، حين لوحظ أن قانون مور (ينصّ على أن قدرة المعالجة للحواسيب ستتضاعف كل سنتين) لم يعد قابلا للتطبيق أكثر من ذلك، لأن تصغير مكونات الدارة الالكترونية قد بلغ حدا يصعب تجاوزه؛ فالكثافة العالية للمكونات البالغة الدقة تحدث "ضجيجا خلفيا". وهذا يسبب الأخطاء. نعلم أن القاعدة الأساسية المتفق عليها حتى الآن هي رفض أية أخطاء؛ لكن المشكلة هي أن تقنيات تصحيح الأخطاء مكلفة، وتستهلك الكثير من الطاقة، وتحتل حيزا كبيرا، وتبطىء العمليات. من هنا ولدت فكرة ثورية: السماح للحاسوب بارتكاب بضعة أخطاء. ويتمثل التطبيق العملي لهذه الفكرة بإلغاء بعض أجزاء الدارة الإلكترونية التي تتدخل عادة في الحسابات لتضمن صحتها ودقتها. استهدفت أولا الأجزاء التي يندر استخدامها في العملية، خاصة فيما يتعلق بعمليات روتينية بسيطة. وكانت النتائج حتى الآن باهرة. فقد أمكن تخفيض استهلاك الطاقة إلى الخمس حين سمح للمعالج بارتكاب أخطاء بنسبة 8%. بالطبع لن تطبق هذه التقنية في مجالات تتطلب دقة عالية، كالطيران أو الحاسبات العلمية الفائقة الدقة، وإنما في تطبيقات أخرى يومية مثل الصور وأفلام الفيديو والبرامح الصوتية. وقد لوحظ أن الصورة التي خفضت جودتها بنسبة 8% تبقى جيدة. ولعل أهم التطبيقات المستهدفة للحوسبة غير الدقيقة هي في مجال الأجهزة الالكترونية المحمولة التي تستهلك طاقتها المخزونة بسرعة. وهذا يعني أن تخفيض استهلاكها من الطاقة إلى الخمس مثلا يعتبر إنجازا باهرا، يبرر انخفاض جودة المخرجات قليلا. Science et Vie Sept 2012

ماذا جرى عام 775؟ (لماذا زاد الكربون 14؟)

حسام جميل مدانات، العرب اليوم، 2/4/2013 فوجئ باحثون يابانيون حين حللوا ساقي شجرتي أرز عمرهما نحو الفي سنة، بوجود مؤشرات على ارتفاع غير متوقع في تركيز نظير الكربون 14 في عام 774 – 775. ونعلم أن حلقات ساق الشجرة تدلّ على عمرها. كل حلقة تمثل سنة واحدة. تلقف المختصون في العالم نبأ هذا الكشف باهتمام بالغ، وسعوا للتحقق من صحته عن طريق فحص حلقات سيقان اشجار معمرة تعود للفترة نفسها، فثبتت لهم صحته. فما سر هذه الظاهرة الغريبة؟ لعلّ الإجابة عن هذا السؤال تدخل ضمن مجال الفيزياء الفلكية أكثر مما هي ضمن علم الأحياء. بحث العلماء، عبثا، عن مؤشرات وأدلة فلكية في بطون كتب التاريخ التي تغطي تلك الفترة، باستثناء إشارة إلى ظهور صليب أحمر في السماء حسب السجلات البريطانية لتلك السنة. ما هو نظير الكربون 14؟ 99% من الكربون الموجود على كوكب الأرض هو النظير 12، والباقي هو النظير 13، باستثناء نسبة ضئيلة للغاية، لا تتعدى جزءا من ترليون (مليون مليون) مكونة من النظير 14. وهو نظير مُشع، يتحلل إلى نيتروجين وجسيم بيتا (الكترون). وحياة النصف للكربون 14 هي قرابة 5750 سنة. أي لو كان لديك مليون ذرة منه، فإن نصفها يتحلل ويتحول إلى نيتروجين خلال 5750. وهكذا إذا وجدنا أن نسبة هذا النظير في هيكل عظمي قديم هي نصف نسبته المعتادة، فهذا يعني أن هذا الهيكل يعود لحيوان عاش قبل 5750 سنة، وهكذا. يتكون الكربون 14 في الغلاف الجوي بتاثير الأشعة الكونية على النيتروجين الموجود في الجو. وهذا التأثير ثابت دائما، إلا حين تحصل حوادث فلكية استثنائية. كما أن التجارب النووية التي أجريت بكثافة فوق سطح الأرض خلال الفترة 1955 – 1980 قد زادت نسبة الكربون 14 في الجو. لغز محير وتفسيرات عجيبة: لنعد إلى لغز ارتفاع نسبة هذا النظير في شجرتي الأرز اليابانيتين. تبين أن المحتوى من الكربون 14 في حلقة الساق التي تعود لسنة 775 قد ارتفع بنسبة 1,2% وهذا يعادل عشرين ضعف نسبة التغير الطبيعية. ثم انخفض المحتوى تدريجيا خلال السنوات العشرين التالية ليعود إلى مستواه الطبيعي. وبما أننا نستبعد أي تفجير نووي على سطح الأرض في تلك الحقبة، فإن التفسير الوحيد المتبقي هو حصول حادثة فلكية استثنائية. نشير أولا إلى أن كتب التاريخ لا تقدم مؤشرات ذات دلالة على ملاحظة أية حادثة فلكية استثنائية في تلك الفترة. في بلادنا، كانت الخلافة العباسية في طور التأسيس (750: انتصارهم على الأمويين في معركة الزاب الكبير) وفي عام 775 أصبحت بغداد أكبر مدينة في العالم، لكن مراصدها الفلكية لم تكن قد أنشئت بعد. وفي الغرب كان شارلمان يعمل على احتلال أجزاء من ايطاليا والمانيا، لكن لا أحد في أوروبا كان يهتم برصد السماء حينئذ. وكانت حضارة المايا في أمريكيا الجنوبية في أوجها أيضا، لكن فلكييها لم يسجلوا اية ظواهر غير عادية. وعلى الرغم من ذلك، فإن باحثينا يجدون أنفسهم مدفوعين للتفكير في كافة الاحتمالات الكونية الممكنة. ومن هذه الاحتمالات:  انفجار سوبرنوفا قريب: السوبرنوفا، أو النجم المتجدد، أو المستعرّ الأعظم، هو نجم يصل نهاية عمره، وينفجر مطلقا طاقة تفوق الطاقة التي تطلقها الشمس بمئة مليون مرة. ويبث حينئذ طوفانا من أشعة غاما. فيصل بعضها جو الأرض وينتج الكربون 14. لكن مثل هذا الانفجار، لو أنه حصل، لسجّلته كتب التاريخ، مثلما سجلت ظهور مستعرات عظمى أخرى كانت تظهر واضحة للعين المجردة، مثل ذلك الذي ظهر عام 1006 وكان قرصه أكبر بثلاث مرات من قرص كوكب الزهرة.  ثقب أسود: الاحتمال الثاني هو أن نجما أثقل من الشمس 30 – 100 مرة قد انهار وتحول إلى ثقب أسود خلال بضع ثوان. لكن هذه الثواني كافية لإطلاق نفثات هائلة من أشعة غاما. وهنا أيضا يعترض فلكيون قائلين إن هذه الظاهرة نادرة للغاية، وتدلّ حساباتهم على أنها تحصل مرة كل 100000 – 1000000 سنة.  انفجار شمسي فائق: يحصل انفجار غير عادي في الشمس، وتنطلق منها بروتونات ذات طاقة عالية، فتصل جو الأرض وتنتج الكربون 14.  المصدر الرابع المحتمل هو انفجار مغنِتار Magnetar أو النجم المغنطيسي. وهو نجم نيوتروني وله أعظم مجال مغنطيسي في الكون، فتنطلق طاقة تعادل ما تطلقه الشمس خلال مئة الف سنة، على شكل أشعة إكس وأشعة غاما. لكن هذا التفسير غريب. ولم نكتشف حتى الآن سوى عشرين نجما من هذا النوع في مجرتنا. وجميعها أبعد من أن تحدث تأثيرا واضحا على سطح الأرض. ويقدم آخرون تفسيرات غريبة أخرى، مثل توقف الرياح الشمسية خلال بضعة اشهر في ذلك العام. هذه الرياح تحرف الأشعة الكونية وتبعدها عن الأرض؛ أي أن توقفها يعرّض الأرض لطوفان من الأشعة الكونية التي تنتج الكربون 14. أو أن الدرع المغنطيسي الذي يحمي الأرض قد ضعف في تلك الفترة، فأتاح للأشعة الكونية والشمسية أن تغزو جو الأرض بكثافة. وعلى أية حال، فإن الباحثين ما زالوا يكدون ويُعملون عقولهم لحلّ هذا اللغز غير المتوقع. Science et Vie Sep 2012 P 92-98

لْوِي دو بْرُوي: من التّاريخ إلى الفيزياء (جائزة نوبل 1929)

شخصيّات علميّة (12) م. سائد مدانات، العرب اليوم، 2/4/2013 Louis de Broglie (1892 – 1987(، (هذا هو لفظه الصحيح بالفرنسيّة، ويلفظ "دي برولي" في الإنجليزية، لكنه يكتب بالعربيّة أحيانا "لويس دي بروغلي"). لعالمنا الجليل هذا قصة حياة بسيطة وهادئة، لكنها طريفة أيضا. وُلِد لعائلة من النبلاء، في مدينة دْييب في فرنسا. كان والده دوقا، وأصبح هو كذلك عام 1960. حصل على شهادته الجامعية في التاريخ. ثم وجه اهتمامه إلى الرياضيات والفيزياء. أثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، عرض على الجيش خدماته لتطوير الاتصالات بواسطة اللاسلكي (الراديو). في عام 1924 قدّم رسالته لنيل الدكتوراه في الفيزياء، بعنوان: بحوث في النظرية الكمومية. وقدم فيها نظريته الثورية عن موجات الالكترونات، وتضمنت الطبيعة المزدوجة للإلكترونات: موجات – دقائق مادية. ثم وضع فرضية تنص على أن لأي جسيم متحرك موجات مرافقة. وهكذا يكون قد أوجد فرعا جديدا في الفيزياء، هو الميكانيكا الموجية التي وحدت فيزياء الطاقة (الأمواج) مع المادة (الجسيمات). توّجت إنجازاته هذه بجائزة نوبل للفيزياء عام 1929. واصل دو بروي أبحاثه ساعيا لتطوير "تفسير سببي" للميكانيكا الموجيّة، مقارنة مع النماذج الاحتماليّة التي تسود الميكانيكا الكموميّة. وقد ألف أيضا في فلسفة العلم، وفي التثقيف العلمي. اختير عضوا في أكاديميّة العلوم الفرنسية عام 1933، ثم أصبح أمين سرّها اعتبارا من عام 1942 وحتى وفاته. رفض أن ينضم لعضوية الاتحاد الكاثوليكي للعلماء الفرنسيين لأنه لم يكن متديّنا. انتخب عام 1944 عضوا في الأكاديمية الفرنسية، وكان شقيقه الأكبر، موريس، وهو فيزيائي أيضا، قد سبقه لعضوية الأكاديميّة. في عام 1952 منحته اليونسكو جائزة كلنغا تقديرا لجهوده في نشر الثقافة العلميّة. عاش دو بروي أعزبا. وتوفي عن 94 سنة حافلة بالعطاء العلمي (هل من علاقة بين العزوبية وطول العمر، أو بين البحث العلمي وطول العمر؟). ويروى عنه أنه لم يكن محاضرا ناجحا، ولم يكن ماهرا في توصيل المعلومات إلى الطلبة. وهكذا اتفق طلابه في الجامعة على أن يتناوبوا حضور محاضراته، بحيث يتواجد نصفهم في كل مرة، مراعاة لشعوره حتى لا يكون وحده في غرفة الصف.

أخبار علمية : الغرافين لتحلية الماء، إسفنجة تستخلص اليورانيوم من المحيط

حسام مدانات، العرب اليوم، 2/4/2013 الغرافين هو الأفضل لتحلية الماء إنها تقنية جديدة لتحلية ماء البحر؛ وهي أسرع مئة - الف مرة من تقنية التناضح العكسي الشائعة حاليا. تعتمد هذه التقنية على استخدام غشاء من الغرافين الذي يحتوي على ثقوب نانوية، أي ذات قطر يقاس بالنانومتر (جزء من مليون من الملمتر). أقدم أثر لنيزك عمره 3 مليارت سنة تظهر منطقة مانستوك في غرينلند كافة المؤشرات على تعرضها لسقوط نيزك في القدم: شذوذ مغنطيسي، معلم دائري مميز، صخور تحمل آثار التشققات، صخور كوارتز وفلدزبات منصهرة. ويقدر أن نيزكا قد سقط هنا قبل 3 مليارات سنة، ليكون بذلك اقدم أثر نيزك يكتشف حتى الآن. وأقدم بكثير من الفوهة النيزكية في فردنورت في جنوب افريقيا، وعمره مليارا سنة. لكن هذا الكشف لم يكن سهلا. فالصخور السطحية قد تآكلت وجرفت خلال هذه الحقبة الطويلة. توقع الجيولوجي آدم غارد عام 2009 أن المؤشرات التي لاحظها في الموقع ناتجة عن نيزك قديم، لكنه احتاج 3 سنوات حتى اقتنع المجتمع العلمي بنظريته. وقد عثر على صخور تحمل آثار موجات صدمة النيزك على عمق 25 كم. ويقدر أن قطر الحفرة التي سببها النيزك حينئذ بلغ 500 كم. دورة الماء تتسارع نعني بدورة الماء تبخره من المحيطات والبحار ثم تساقطه مطرا وثلجا. يقدر أن معدل التبخر والتساقط قد ازداد بنسبة 4% منذ عام 1950، بفضل احترار الأرض. لكن زيادة التساقط المطري لم تتوزع بالتساوي؛ فالواقع أن المناطق الجافة قد ازدادت جفافا، والمناطق الرطبة تلقت أمطارا أكثر. ويتوقع أن ارتفاعا قدره 4 درجات سلسيوس على معدل درجة حرارة الأرض سيزيد كمية التبخر والتساقط بنسبة الربع! يعمل الاسترالي بول دوراك على قياس الهطول المطري على المحيطات قياسا غير مباشر. فهو يقيس درجة ملوحة المياه السطحية فيها. فالماء الأكثر ملوحة يدل على قلة المطر في تلك المنطقة. اسفنج يستخلص اليورانيوم من المحيط يحتوي ماء البحر على نسبة ضئيلة للغاية من اليورانيوم: 2,2 ميكروغرام/لتر، أي أنه يلزم 3000 م³ من ماء البحر للحصول على غرام واحد من هذا المعدن المشع. لكن باعتبار كمية الماء الهائلة في المحيطات والبحار، فإنه يقدر أنها تحتوي إجمالا على 4,5 مليار طن من اليورانيوم. وقد توصل مختبر اوك رج الوطني الأمريكي ORNL إلى ابتكار مادة اسفنجية قادرة على التقاط اليورانيوم من ماء البحر، وأطلق عليها اسم HiCap وهي مصنوعة من الياف من اللدائن (البوليثلين) المغطاة بمواد تجذب اليورانيوم. ثم تغسل بالحمض لنزع المعدن عنها، ليعاد استخدامها مرة بعد أخرى.

الثلاثاء، 19 مارس 2013

معلومات طريفة عن نجمنا الشمس


المحرر العلمي، العرب اليوم، 19/3/2013 - عمر الشمس 4,6 مليار سنة - القطر 1,39 مليون كم، أي 109 أضعاف قطر الأرض - الكتلة: 2 مليار مليار مليار طن، أي أكبر ب 330 ألف مرة من كتلة الأرض، وتعادل أيضا 99,86% من كتلة المجموعة الشمسية بأكملها. - يشكل الهيدروجين ثلاثة أرباع كتلة الشمس، ومعظم الباقي هيليوم 4. - في كل ثانية، يندمج 620 مليون طن من الهيدروجين ليتحوّل إلى هيليوم 4، ومطلقا بهذا التفاعل النووي طاقة هائلة. - متوسط بعدها عنا قرابة 150 مليون كم. - يستغرق ضوء الشمس 8 دقائق و 19 ثانية حتى يصلنا. - تدور الشمس حول محورها، مثلها في ذلك مثل الأرض. واليوم الشمسي عند خط استوائها يساوي 25 يوما وعند القطبين 34 يوما. أي أن سرعة الدوران عند قطبيها أصغر منها عند خط استوائها. - كثافة قلب الشمس 150 مرة قدر كثافة الماء. - درجة حرارة القلب 15 مليون درجة - درجة حرارة السطح 5800 - درجة حرارة الهالة مليونا درجة، وقد تصل عشرين مليونا. - تمتد الهالة لتصل أبعد الكواكب عن الشمس. - يتغير اتجاه مجال الشمس المغنطيسي باستمرار، وينعكس كل 11 سنة. - يٌسبب النشاط المغنطيسي الشمسي عدة ظواهر منها البقع الشمسية، والرياح الشمسية والسخونة المفرطة للهالة. - يحصل كسوف الشمس حين يقع القمر بينها وبين الأرض؛ وقد يكون كسوفا كليا أو حلقيا أو جزئيا. - يفيد رصد الشمس أثناء الكسوف في كشف بعض اسرارها؛ وهذا يفسر اهتمام الفلكيين به، وانتقالهم مع معداتهم إلى مناطق الأرض التي يظهر فيها الكسوف. - اكتُشِف الهيليوم، وهو غاز خامل، في الشمس أولا، عن طريق تحليل طيف أشعة الشمس. ويعني إسمه "غاز الشمس".

حل لغز سخونة هالة الشمس


م. حسام جميل، العرب اليوم، 19/3/2013 فلنوضح أولا ماذا نعني بهذا اللغز: تبلغ درجة حرارة قلب الشمس 12-15 مليون درجة كلفن؛ وكلما ابتعدنا عن مركز الشمس بردت طبقاتها حتى تصل إلى 5600 درجة على بعد 000 700 كم من المركز. ويفترض أن تواصل درجة الحرارة انخفاضها كلما ابتعدنا عن المركز. لكن يحصل هنا أمر بالغ الغرابة: تسخن الطبقات الأبعد فجأة حتى مليون درجة خلال مسافة قدرها مئة كم. فما سرّ هذه الحرارة الهائلة، التي يفترض أن لا مصدر آخر لها غير نواة الشمس، بفضل الإندماج النووي داخلها؟ أرصاد حثيثة منذ عشرين سنة منذ أواخر التسعينيات، أطلقت عدة مراصد فضائية مخصصة لرصد الشمس: (SOHO, STEREO, SORCE, RHESSI,…SDO,…) بالإضافة إلى نحو ثلاثين مرصدا أرضيا موجهة باستمرار نحو الشمس، لتتابع أية تطورات تحدث في البلازما الشمسية وفي مجالها المغنطيسي. إنه العصر الذهبي للرصد الشمسي. في عام 2002 التقطت إشارات تكشف عن تدفق حلقات مغنطيسية قرب الانفجارات المرصودة على السطح. وفي عام 2007 اكتشفت ذبذبات مغنطيسية توجه الجسيمات المشحونة نحو الغلاف الجوي الشمسي. وفي عام 2009 لوحظ وجود ظل دائري قطره 1000كم على سطح الشمس. كشف هذه الظاهرة الغريبة المرصد الضخم في لابالما في جزر الكناري الإسبانية. ظهر هذا القرص المعتم وسط نفثات الغازات المتأينة، واختفى بعد بضع دقائق. كانت هذه هي المرة الأولى التي ترصد فيها مثل هذه الظاهرة. أدخلت البيانات في الحواسيب الضخمة، وأجريت حسابات معقدة، بلا جدوى. وفي أواسط عام 2012، سجل المرصد الشمسي الدينامي (SDO) التابع لناسا، هذه الظاهرة من جديد. ورافقت ظهورها خطوط مجال مغنطيسي هائلة القوة، مسببة زوبعة عنيفة من الغازات المتأينة تصل سرعتها إلى 000 10 كم/ساعة. وخلال أقل من دقيقة، تبلغ الزوبعة ذروتها، وتظهر دوامة ارتفاعها آلاف الكيلومترات لتبتلع مليارات مكعبة من الغاز الساخن بدرجة مليون درجة كلفن أو أعلى. وفجأة، بعد بضع دقائق، يختفي كل هذا، وتتوزع طاقة الزوبعة في أنحاء الغلاف الجوي للشمس. وفي عام 2011 اكتشفت أنابيب مغنطيسية تقذف غازات حارة جدا نحو الهالة الشمسية. دوامات مغنطيسية كاسحة منذ عام 1869، دلت الأرصاد على أن هالة الشمس الخارجية أسخن كثيرا من طبقات الغلاف الجوي الموجودة تحتها. وبقي سر هذه الظاهرة بلا حل حتى منتصف عام 2012، حين رصدت ثلاث ظواهر صغيرة حجما وكبيرة في مدلولها: أولاها: نفثات غازية حارة دائمة قطرها مئة كم فقط، أي أن المراصد الأرضية لا تكاد تلاحظها. ويعتقد أنها تنتج عن حلقات صغيرة في مجال الشمس المغنطيسي بسبب عدم تجانس البلازما الشمسية. ثم اكتشفت تيارات بلازما تتدفق عبر الهالة، وسرعتها 100 كم/ساعة، كما لو أننا نراقب سطح الشمس وهو يتبخر. وكانت الظاهرة الثالثة هي الظل الدائري الذي تحدثنا عنه أعلاه. ودلت المعالجة الحاسوبية للبيانات على وجود 000 10 دوامة من هذا النوع على سطح الشمس باستمرار، وهي تنقل كمية حرارة تكفي لتفسير السخونة الهائلة لهالة الشمس التي تصل في أقصاها إلى 20 مليون درجة. ويبقى لغز عصيّ آخر: ما الذي يدفع الرياح الشمسية إلى الفضاء بسرعة 4 ملايين كم/ساعة، في حين أن النماذج الحاسوبية لا تتوقع سرعة أكبر من بضعة آلاف كم/ساعة؟ يرجّح أن للمجال المغنطيسي الشمسي دورا أساسيا في هذه الظاهرة. لكن علينا أن ننتظر إطلاق المركبة الشمسية Solar Orbiter عام 2018 المخصصة لرصد قطبي الشمس، حيث الرياح على أشدها، ولعل هذه الظاهرة هي الأساس في عدة ظواهر شمسية غريبة أخرى. Science et Vie Nov 2012

لقاح ضد حمى الضنك (الدنغ)، الرقم القياسي 56,7 س


المحرر العلميّ، العرب اليوم، 19/3/2013 حمى الضنك (الدنغ) تشبه الملاريا من حيث أن ناقل كل من المرضين هو البعوض. لكن العامل المسبب للضنك هو فيروس، له أربعة أصناف. ينتشر هذا المرض في مئة بلد، خاصة المناطق الحارة في افريقيا وآسيا، ويصاب به سنويا. خمسون مليون شخص، ويموت منهم مئة الف. تمثل أعراض المرض الحمى والانهاك، وأحيانا النزف. ولا يتوفر حتى الآن علاج لهذا المرض، لهذا اتجهت الأبحاث نحو توفير لقاح ضده. وقد توصل معهد باستور في باريس إلى ابتكار لقاح ضد حمى الضنك. وجربه خلال سنتين على 000 40 طفل في تايلند وسجل نسب نجاح تتراوح بين 60% و 90% ضد ثلاثة أصناف من الفيروس. Science ET Vie Nov. 2012 الرقم القياسي 56,7 س كان الرقم المعتمد حتى الآن لأعلى درجة حرارة سُجلت على سطح الأرض في منطقة العزيزية في ليبيا، عام 1922، ومقدارها 58 درجة سليوسية (في الظل). لكن منظمة المناخ العالمية اعتبرت مؤخرا أن هذا الرقم غير صحيح، واصبح البديل هو 56,7، وهي الدرجة التي سجلت في وادي الموت في كليفورنيا / أمريكا في 10 تموز 1913.

المبدعون يعيشون أطول، كيف يفكر الأصمّ خلقا؟ لماذا ننسى ذكريات الطفولة المبكرة؟


أخبار علمية المحرر العلميّ، العرب اليوم، 19/3/2013 المبدعون يعيشون أطول هذا أمر متوقع ويمكن تفسيره بسهولة. فالمقدرة على الابداع والابتكار تعني أيضا القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، وايجاد الشخص طرقا لتحسين ظروف معيشته. وهذا ينشط الدماغ ويخفض التوتر والقلق واحتمال الإصابة بمرض الزهيمر (دراسة أمريكية أجريت خلال الفترة 1990 – 2008 وشملت 1346 من قدامى جنود الحرب العالمية الثانية). --------------------------------------------------------------------------------- ليس جميع البدناء مرضى أظهرت دراسة اسبانية على 43000 بدينا أن ثلثهم اصحاء وأن بدانتهم غير مرضية، ولا يبدو أنها ستعرضهم لأمراض في القلب أو السكري. لماذا ننسى ذكريات الطفولة المبكرة؟ يبدو أن لا أحد يتذكر شيئا مما حصل معه في السنوات الثلاث الأولى من عمره فما السر في ذلك؟ تُعزى الذاكرة طويلة الأمد لدى الإنسان وغيره من الثدييات إلى جزء صغير في الدماغ يدعى قرن آمون، أو حصان البحر بسبب شكل هذا العضو. ويوجد لدينا في الواقع عضوان من هذا النوع: أيسر وايمن. ولا يتطور قرن أمون إلا بعد سن الثالثة أو الثالثة والنصف، وهذا يفسر نسيان حوادث الطفولة المبكرة. وقد لوحظ أنه يضمر لدى مرضى الزهيمر، مما يسبب فقدانهم الذاكرة. كيف يفكر الأصمّ خلقا دون لغة؟ هل سبق لك أن تساءلت هل يمكن لك أن تفكر بدون لغة، بدون استخدام الكلمات؟ لقد تعودنا على أن يكون تفكيرنا لغويا، وليس بالصور مثلا. وهنا يخطر بذهننا سؤال محير: إذا ولد شخص أصمّ لا يسمع، ولم تتح له بالتالي فكرة تعلم اللغة، فهل يفكر، وإذا فكر فعلا فكيف يكون ذلك؟ يدرك الأصم ما يريد الآخرون إبلاغه إياه بالنظر إلى شفاههم، وإلى تعبيرات الوجه. وهو بلا شك لا يملك وسيلة للتفكير سوى هذه الصور والإيماءات والإشارات. وهي بالتأكيد ليست لغة سهلة، لكن تعلمها، وتعليمها، للطفل الأصم ضروريان حتى لا يصبح معوقا عقليا.

تحويل البيانات العلمية إلى موسيقى!

المحرر العلميّ، العرب اليوم، 19/3/2013 بيتر لارسن باحث في علم الأحياء في جامعة شيكاغو، وقد أجرى بحوثا على البكتيريا في مختلف بيئاتها: الماء والهواء والتربة، وتجمع لديه كمّ هائل من القياسات والبيانات التي تكاد تستحيل معالجتها بأساليب التحليل الحاسوبي المتوافرة حاليا، أو أنها ستتطلب عدة سنوات على الأقل. ولهذا السبب بحث هو وزملاؤه عن حلول مبتكرة لاستخلاص النتائج من هذه البيانات. وخطرت ببالهم فكرة غريبة: تحويل البيانات إلى موسيقى. قد تبدو هذه الفكرة خيالية، بل مجنونة، لكنها تبدو منطقية إذا تذكرنا أننا كثيرا ما نلجأ لتمثيل المعلومات والبيانات على شكل خرائط أو صور. كما أن استخدام النوتة الموسيقية لا يختلف كثيرا عن استخدامنا الرقمين صفر وواحد لتمثيل كافة البيانات وبمختلف أشكالها: صورة، صوت، كلمات، بواسطة الحاسوب والأنظمة الرقمية. وفي موضوعنا الحالي، يمكن تمثيل نوع معين من البكتيريا بنوتة موسيقية، ثم تمثل صفة معينة لبيئة هذه البكتيريا، مثل تركيز الفسفور في الماء، برمز موسيقي آخر. ما زال هذا المشروع في بداياته، لكنه مجرد مثال على القدرات غير المحدودة للعقل والخيال والإبداع البشري. Science et Vie 1/2013 P 16

هذه هي كمرة المستقبل: كمرة تصور لوحدها

المحرر العلميّ، العرب اليوم، 19/3/2013 لعل أفضل الصور هي التي لم يلتقطها أحد! لا شك أن كلا منا قد تصادف وجوده مرة أو عدة مرات في مواجهة حوادث استثنائية أو طريفة، ولم يستغرق حصولها سوى لحظة. وكم تمنينا لو كان باستطاعتنا حينئذ أن نلتقط لها صورة حية، في لحظة حدوثها. هذه الأمنية ستتحقق اعتبارا من الآن بفعل هذه الكمرة التي تلتقط الصور تلقائيا. وأعتقد أن معظم كمرات المستقبل ستكون من هذا النوع: كمرة تقرر بنفسها اللحظة المناسبة لالتقاط الصور. فهي تلتقط الصور من تلقاء نفسها. إنها كمرة ذكية بلا شك، لكن مبدأ عملها بسيط. وهي تحمَل على العنق. وبمجرد أن تتغير الإضاءة أو درجة الحرارة، أو عند حدوث أية حركة أمامها، فإنها تبادر إلى التقاط صورة، أو عدة صور، حسب مدى استمرار الحركة أو التغير في المنظر. تدعى هذه الكمرة: المصوِّرة الذاتية Autographer وتتميز بمجال رؤية واسع (136 درجة)، وقدرة تخزين عالية (5 ميغا بكسل). وبإمكانها أن تخزن 2000 صورة يوميا. وهي تستشعر التغيرات في الإضاءة والحرارة بفضل خمسة لواقط حساسة. كما أنها تسجل على كل صورة موقعها أو إحداثياتها نظرا لاحتوائها على نظام التوضيع العالمي، جبس. ثمنها في السوق العالمية قرابة 500 يورو. يجدر بالذكر أن كمرة مشابهة نوعا ما كانت قد طُورت قبل عدة سنوات، لكنها كانت تلتقط الصور باستمرار، وتخزن مؤقتا الصور التي التقطتها خلال الدقائق الخمس الأخيرة. وبإمكان صاحبها أن يديم تخزين صور معينة منها، يختارها من بينها. لكنها لم تكن كمرة ذكية، مثل كمرتنا هذه، التي لا تلتقط الصور إلا حين تتغير الإضاءة، أو تحصل حركة أمامها. Science et Vie 1/2013

علماء يونان، أم رومان، أم مصريون، أم عرب؟

كتب المحرر العلمي، العرب اليوم، 19/3/2013 لعل ما دفعني إلى كتابة هذه المقالة عبارة وردت في الهامش السفلي لإحدى الصفحات الأولى من كتاب أصول في المساحة (1983) للأستاذ الدكتور يوسف صيام. تقول هذه العبارة التي وضعت تعليقا على معلومة عن العلماء العرب الذين برزوا في مضمار المساحة: " كثير من هؤلاء العلماء المسلمين من أصل غير عربي، وعلى أي حال فهم جميعا مسلمون، وبالتالي فالأصح أن نقول " العلماء المسلمون" بدلا من " العلماء العرب" احتراما للأمانة العلمية. في حين يورد المؤلف في صفحة سابقة: " في القرن الثاني قبل الميلاد ظهر العالم اليوناني الشهير هيرون..." وفي صفحة لاحقة نجد العبارة: " وجاء من بعده العالم اليوناني ايراتوستين (الذي قاس قطر الأرض)". نشعر أن الأستاذ المؤلف لم يلتزم هنا "بالأمانة العلمية" التي ذكرها، ولم يقس بمقياس واحد، ولم يكن منصفا تجاه التراث العربي والحضارة العربية. وتوضيح ذلك كما يلي: إن العالم اليوناني هيرون، أو هيرو، يعرف باسم هيرو الاسكندري، عاش في القرن الأول بعد الميلاد في الإسكندرية وكان عالما في الرياضيات ومهندسا ومخترعا. صنع أول آلة بخارية، لكنه لم يسعَ لاستغلالها لأغراض عملية، كما أنه صنع دولابا تحركه الريح. وعمل معلما في مكتبة الإسكندرية؛ كما أنه (حسْبَ كتاب اصول في المساحة) أصدر عدة مقالات هامة تناولت ربط أعمال المساحة الحقلية بمستلزمات الرسم والحساب، وعرضت وصفا دقيقا لأول جهاز مساحة عرفه الإنسان. هيرو هو إذن مصري من الإسكندرية، ولد وعاش واخترع وعلّم ومات فيها. وكان ذلك خلال الحكم الروماني. ومع هذا لم يعتبره الأستاذ صيام ولا كتب التاريخ روميا ولا مصريا، لسبب بسيط، هو أنه كان يتكلم اليونانية، ويكتب بها، وينهل من ثقافتها، التي أسس لها الإسكندر المقدوني قبل ذلك بأربعة قرون حين فتح بلادنا. وماذا بشأن ايراتوستين (أو إراتُسثينز)؟ يخبرنا التاريخ أنه ولد في القيروان، في تونس، عام 276 ق.م. ثم انتقل إلى الإسكندرية، مركز العلم والثقافة والحضارة حينئذ. كان أول من قاس قطر الأرض، حين قدّر المسافة بين أسوان والإسكندرية وقاس زاوية ميل الشمس في الإسكندرية في اليوم الذي تكون فيه رأسية في اسوان. وهي تمثل الزاوية المركزية (في مركز الأرض) المقابلة للمسافة (القوسية) بين المدينتين. وبمعرفة الزاوية وطول القوس يمكن حساب قطر الأرض بسهولة. والشيء الغريب أن النتيجة التي توصل إليها قريبة جدا من القيمة المعتمدة حاليا. والآن، هل نعتبر اراتسثينز تونسيا، لأنه ولد في تونس؟ أم مصريا لأنه عاش ومات في الإسكندرية؟ أم عربيا باعتبار تونس ومصر دولتين عربيتين حاليا؟ أم يونانيا لأنه عاش في كنف الحضارة اليونانية وكتب بلغتها؟ الواقع أن التاريخ (والأستاذ صيام) يعتبره يونانيا، فالمقياس هو الحضارة التي ينتمي إليها واللغة التي يكتب بها. ومن العلماء "اليونان" البارزين الآخرين نجد بطلميوس (بطليمُس) (90 – 168 م) وهو رياضياتي وفلكي وجغرافي عظيم؛ عاش في الإسكندرية وكتب باليونانية. فاعتبره التاريخ يونانيا رغم أنه مصري بامتياز. ونذكر أخيرا أبا الهندسة " إقليدس الاسكندري" (323 – 283 ق.م) الذي ينسب اليه كتاب "العناصر" الذي بقي أهم كتاب في الرياضيات حتى القرن التاسع عشر. نصِفه بأنه عالم يوناني (رغم أنه مصري بمعنى الكلمة) وذلك لمجرد أنه عمل وأبدع في كنف الحضارة اليونانية. فلماذا إذن لا نكون منصفين، ولماذا لا نقيس بهذا المقياس نفسه، حين نتحدث عن علمائنا مثل الخوارزمي وابن سينا والرازي، ولماذا هذه النزعة التي تسود حاليا في نفي صفة العروبة عنهم؟ لماذا نتحيز ضد أنفسنا؟ لقد عاش علماؤنا هؤلاء في كنف الحضارة العربية الإسلامية، وكانت اللغة التي يتحدثون بها ويؤلفون بها هي العربية، فلماذا نعتبر جميع أولئك العلماء المصريين يونانا لمجرد أنهم كتبوا باليونانية، ثم لا نعتبر علماءنا عربا لمجرد أن أحدهم ولد في خراسان أو خوارزم أو فارس؟ وإذا كنا مقتنعين بهذا المعيار، فلنقل إذن: " العلماء المصريون: اقليدس وهيرون واراتسثينز وبطليموس..." العالِم شخص عالَميّ حين نقرأ تاريخ العلم الحديث، نلاحظ أن عددا من علماء النهضة الأوروبية كانوا يتنقلون بحرية بين الدول الأوروبية، ويُستقبلون في بلاط ملوكها، ويعلمون ابناءهم الأمراء؛ فالفيلسوف الرياضياتي الفرنسي رنيه ديكارت مثلا توفي في السويد حيث كان يعلم ابناء الملكة. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، انتقل علماء المان كثيرون إلى أمريكا والاتحاد السوفياتي، وغيرهما من الدول التي كانت في حرب ضروس مع بلادهم. وتابعوا أبحاثهم وانتاجهم العلمي. فالعالِم أو الباحث أذكى وأكبر من أن ينجرّ إلى مصيدة العنصرية والوطنية الضيقة التي يروّج لها السياسيون وبطاناتهم. ونجد في بريطانيا أحد أعظم الرياضياتيين المعاصرين، مايكل عطية، من أصل لبناني عربي، والفيزيائي البريطاني جيم الخليلي، من العراق. ويوجد في أمريكا حاليا علماء من مختلف الأصول، ومنهم عرب كثيرون، لكنهم يبحثون وينتجون دون اعتبار لأصولهم. لقد أصبح العلم نشاطا عالميا لا يعترف بحدود، أو بعرق، أو بالعداءات التي يفتعلها السياسيون. ونجد معظم الفرق البحثية تتكون من علماء من جنسيات عدّة، يعملون معا في سبيل العلم المجرد، ولخير الإنسانية جمعاء.

السبت، 16 مارس 2013

نيزك (مذنب؟) تنغسكا عام 1908

كتب المحرر العلمي، العرب اليوم، 19/2/2013 صباح يوم الجمعة الماضية، 15/2، تابع العالم أخبار انفجار نيزك فوق منطقة تشيليابنسك، في جبال الأورال الروسية، مسببا 1500 إصابة، أحدثت معظمها شظايا الزجاج المتناثرة نتيجة الانفجار. لا نريد هنا تكرار ما ورد في وسائل الإعلام عن هذا النيزك، وإنما سنعرض لحادث أضخم بكثير حصل في روسيا قبل 105 سنوات. المكان: شمال شرق بحيرة بايكال، قرب نهر تنغسكا في سيبيريا، في الساعة السابعة من صباح 30 حزيران 1908. ظهر في السماء عمود متحرك من الضوء الأزرق الساطع وبعد عشر دقائق سمع صوت انفجار عنيف حطم زجاج المنازل وأسقط الناس على الأرض. وسجلت محطات الرصد الزلزالي موجات تعادل ما يصدر عن زلزال شدته 5 على مقياس رختر، واضطرب الضغط الجوي فجأة في أوربا بأكملها. شهادة أحد السكان: يقول سِمِنوف: كنت قرب بيتي (على بعد 65 كم جنوب موقع الانفجار). فجأة شاهدت السماء تنشطر إلى قسمين في الشمال وظهرت ألسنة نار فوق الغابة. شعرت بحرارة شديدة لم أحتملها. وفجأة سمعت انفجارا شديدا قذفني بضعة أمتار إلى الخلف. فقدت الوعي برهة، ثم هرعت زوجتي نحوي وقادتني إلى داخل البيت. توالى صوت الانفجارات، ورافقتها رياح حارة أحرقت بعض المحاصيل حول البلدة. لم يثر سقوط هذا النيزك اهتماما عالميا في ذلك الحين، فالمنطقة التي سقط فيها كانت منطقة غابات نائية وشبه خالية من السكان. ولم تصل المنطقة أي بعثة استكشافية حتى عام 1921، حين اقنع الجيولوجي ليونيد كولِك السلطات السوفياتية بالسماح له بهذه الرحلة الاستكشافية، ممنّيا اياهم بأن النيزك سيوفر كميات كبيرة من الحديد. رغم مرور 13 سنة على الحادث في ذلك الحين، إلا أن أشجار المنطقة كانت ما تزال محترقة. وقد تبين لاحقا أن مساحة الدمار 2150 كم²، وطول المنطقة 70 كم، من الشمال للجنوب. وفي عام 1938 أشرف كولك على إجراء مسح تصويري جوي للمنطقة؛ لكنه لم يكشف عن وجود فوهة كبيرة مكان سقوط النيزك المفترض. ويعتقد الآن أنه بعد دخول هذا النيزك جو الأرض، سخن ثم انفجر على ارتفاع 6-10كم، وتقدر سرعته، كما هو حال النيازك التي تدخل جو الأرض بشكل عام، ب 11كم/ث، أي 000 40 كم/ساعة. ينضغط الهواء أمام النيزك المندفع، ويسخن كثيرا، فينحرق النيزك أو ينفجر. ويقدر أن نيزكا قطره 10م ينتج انفجارا قدره 20 ألف طن، أي ما يعادل انفجار القنبلة الذرية التي القيت على نغازاكي في اليابان عام 1945. أما نيزك تنغسكا، فيقدر أن قوة انفجاره بلغت بضعة ملايين طن. في عام 2007 لاحظ فريق ايطالي من جامعة بولونيا وجود بحيرة صغيرة في المنطقة، ويعتقد انها تشكلت من سقوط قطعة من النيزك قطرها متر واحد. نيزك أم مذنب في عام 1930 اقترح الفلكي البريطاني ويل أن انفجار تنغسكا نتج عن مذنب يتكون من جليد وغبار. ويحتمل أنه قد تبخر كلية بعد اصطدامه بجو الأرض. ويقترح آخرون أن الانفجار نتج عن جزء من مذنب، ارتد عن الغلاف الجوي ثم تابع مداره حول الشمس. كما طرحت عدة فرضيات أخرى: مثلا أن السبب هو مذنب يحتوي على الدوتيريوم، وهو نظير الهيدروجين، قد سخن لدرجة أحدثت اندماجا نوويا بين ذرات الدوتيريوم، فكأنما انفجرت قنبلة هيدروجينية. وتخيل البعض الآخر أن كتلة من ضديد المادة قد دخلت جو الأرض من الفضاء واندمجت مع المادة لتتحول إلى طاقة. واقترح آخر أن السبب هو انفجار 10 ملايين طن من الغاز الطبيعي الذي تسرب فجأة من باطن الأرض في تلك المنطقة. أفكار وشطحات خيال غريبة للعلماء؛ لكن يبدو أن لا شيء مستحيلا؛ إلا أن فرضية النيزك، أو فرضية المذنب، تبقيان الأكثر احتمالا.

الثلاثاء، 5 مارس 2013

حين ترتدي الدعاية رداء العلم: القهوة مثالا

حسام جميل، العرب اليوم، 19/2/2013 منذ بضع سنوات، لايكاد يمر يوم دون أن أقرأ مقالا يصدح بمزايا القهوة الصحية والغذائية أو أجدها تتسلل إلى رسائلي الالكترونية مهما كان موضوعها. فقد تبدأ الرسالة بعبارة: بعد أن تتمتع بفنجان قهوتك الصباحية... من الواضح أنها حملة ضخمة منظمة تمولها وتدعمها مؤسسات تجارية ومالية عالمية. ولا شك أن هذه الحملة قد نجحت نجاحا باهرا. فسوق القهوة العالمي أصبح ينافس سوق القمح والأرز. ويدعم هذا الانطباع ما نلاحظه على مجتمعنا المحلي في الأردن. فقد انتشرت مقاه تجتذب جميع الفئات والأعمار، وباسعار باهظة حقا. والأسوأ من ذلك أن القهوة يرافقها غالبا تدخين الأرجلية أو السجائر، فهو بلاء مضاعف. ومن المظاهر المستحدثة الأخرى الخطيرة: - اعتدنا أن نشرب القهوة العربية السادة (المرة)، جرعة صغيرة واحدة في قعر الفنجان، بحجم لا يتجاوز 5 مل (5 سم³) وأصبحت تقدم في المقاهي بكأس (مغ) سعة ثلث لتر (330 مل)، أي سبعين ضعف الكمية التي اعتدناها، وكان ذلك في المناسبات فقط. - تكلفة شربك القهوة في يوم واحد في مقهى تفوق تكلفة الخبز الذي تتناوله في شهر كامل. هل القهوة علاج لجميع الأمراض؟ هذا هو الانطباع التي تخرج به من قراءة مقالات نشرت في صحفنا، أو تجدها على المواقع الإخبارية في الانترنت. وتجد المقال عادة يبدأ بعبارة:" أكدت أبحاث علمية حديثة بأن...، أو أظهرت دراسة أجريت على مئة شخص بأن ..." ومن العناوين المضللة التي تصادفها في وسائك الإعلام: - الإكثار من القهوة قد يقي من سرطان الفم والحلق. - القهوة تحسن استيعاب القواعد اللغوية - القهوة تقلل الاكتئاب لدى النساء وتجد مقالات تدعي أن القهوة تشفي من الأمراض التالية أو تحمي منها: السرطان، المياه الزرقاء على العين، ضعف المناعة، أمراض الجهاز العصبي، الاكتئاب والميل للانتحار، تليّف الكبد، الربو، أمراض القلب، الزهايمر، باركنسون؛ وهي تخفف الألم، وتحد من الشهية المفرطة، وتقاوم نزلات الرشح، وتحارب بكتيريا الفم. وحتى لأغراض التجميل: قناع القهوة لبشرة أجمل، حماية الشعر من التكسر والتساقط. بل تجد العبارة التالية: الذين لا يشربون القهوة البتة معرضون للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية(؟). أين هي الحقيقة؟ المكون الأساسي الفعال في القهوة هو الكفائين (القهوين)، وهو يعتبر سمّا، مثله مثل النيكوتين. وزيادة جرعته تسبب فقدان الشهية والقلق والأرق والسخونة والتعرق والهزال وتشجنات معدية وفقر الدم، وارتداد الحمض المعدي للمريء. وإذا تناولت 10 فناجين من القهوة في اليوم، أو ما يعادل كاسين مما يقدم في المقاهي حاليا، فهذا يسبب خفقان القلب والإسهال والقيء وتشوش التفكير وتشجنات. ومن يتعود عليها ثم يتوقف يشعر بالصداع والتوتر. فهي تسبب نوعا من الإدمان. كما أن تناول القهوة على معدة خاوية يحفز إفراز الأحماض فيها ويسبب القرحة. ويحظر شربها على من يعاني من القولون العصبي وحصى المرارة وحصى الكلى والقرحة وضغط الدم وتضخم الغدة الدرقية، ولمن أجرى جراحة في القلب. وإن تناول الحامل للقهوة يهدد جنينها بالإصابة باللوكيميا (سرطان الدم) كما أن تحميص القهوة وحرقها ينتج مواد مسرطنة، مثل التي تجدها في الخبز المحروق أو اللحم المحروق. نذكر أخيرا أن إنتاج البُن عالميا يصل إلى 8 ملايين طن، ثلثها من البرازيل. ولا تجد أية دولة عربية ضمن أول 20 دولة، على الرغم من أن اليمن كانت، هي والحبشة، مهد البن؛ وما زال أفضل أنواع البن هو العربي (أرَبِكا)، ومُكّا (على اسم ميناء مخا في اليمن).

فنجان يؤكل

المحرر العلمي، العرب اليوم،5/3/2013 بعد أن اصطبغت شوارعنا باللون البني بفعل القهوة والشاي اللذين يرشقان من مئات آلاف الأكواب الكرتونية، التي تتناثر بدورها في كل مكان، قد يكون هذا الفنجان المبتكر هو الحل والمخرج من هذا الوضع المأساوي. إنه فنجان مصنوع من البسكوت الذي تأكله بعد أن تنتهي من شرب ما بداخله، تماما مثل مخروط، أو كوز البوظة المصنوع من البسكوت. وقد طلي باطن الفنجان بطبقة عازلة قوامها السكر، بحيث لا يتسرب السائل إلى الخارج. أطلق على الفنجان اسم Cookie cup، وقد صممه وانتجه الإيطالي ساردي من خلال مؤسسته Lavazza في مدينة تورينو. Science et Vie 1/2013 P 133

تصنيف الدّول حسب مخاطر الكوارث

كتب المحرر العلمي، العرب اليوم، 5/3/2013 أعدت معاهد المانية، بالتعاون مع الأمم المتحدة، طريقة لحساب مخاطر الكوارث الطبيعية التي يمكن أن تتعرض لها جميع دول العالم، آخذة بعن الاعتبار مختلف العوامل ذات العلاقة، مثل احتمال تعرّض الدولة للكوارث، ومدى جاهزيتها للتعامل معها؛ وهذا يشمل مستوى المعيشة ونوعية المساكن والمباني العامة والبنى التحتية، ودرجة مقاومتها للكوارث، وقدرة الدولة على التصرف للحد من آثار الكارثة، وخطط الطوارئ المعتمدة على المدى الطويل. رُتبت الدول حسب معيارين: درجة تعرضها للكوارث الطبيعية، ودرجة المخاطرة. وهما معياران مختلفان. فقد تكون الدولة معرضة للكوارث بدرجة عالية، لكنها مستعدة تماما لمواجهتها بحيث أن درجة المخاطرة تكون منخفضة. فهولندا مثلا تحتل المرتبة 12 عالميا في درجة التعرض للكوارث، لكنها تصنف في المرتبة 51 في المخاطرة، وبالعكس، فقد يكون احتمال الكوارث متدنيا في دولة ما (مثل الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى، لكنها غير مستعدة مطلقا لمواجهة أية كارثة، فتكون درجة المخاطرة لديها عالية. وهكذا نجد دولة مثل ليبيريا في غرب افريقيا، تصنف في المرتبة 113 في درجة التعرض للكوارث، أي أن احتمال تعرضها للكوارث ضعيف جدا، لكنها في المرتبة 60 من حيث درجة المخاطرة. المرتبة الأولى في المخاطرة احتلتها دولة فنتاو (جزيرة صغيرة في المحيط الهادي، شمال شرق نيوزلندا). وحلت الفلبين في المرتبة الثالثة من حيث المخاطرة، وبنغلادش في المرتبة الخامسة، واليابان: 16، وفرنسا 153. وتتمتع الدول العربية عامة (باستثناء الجزائر وموريتانيا) بدرجة مخاطرة منخفضة. أخيرا نقدم بعض الأرقام المتعلقة بالكوارث: بين عامي 2002 و 2011 وقعت 2030 كارثة طبيعية في العالم. وفي عام 2011 وحده تأثر 200 مليون شخص بالكوارث؛ ودفعت شركات التأمين 287 مليار دولار كتعويضات عن أضرار كوارث طبيعية. Science et Vie 1/2013 P 20