Powered By Blogger

السبت، 11 فبراير 2012

البطاطا : هل تنقذ العالم ؟

في العام الماضي 2008، عانى العالم من أزمات اقتصادية استثنائية، وارتفعت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا هائلا ( سعر القمح مثلا زاد 180% خلال 3 سنوات) بسبب ارتفاع سعر النفط، وتزايد التوجه للوقود الحيوي ، أي تحويل منتجات زراعية مثل قصب السكر والذرة الى وقود .
لكن هناك منتجا زراعيا هاما حافظ على اسعاره تقريبا على مستوى العالم، وهو البطاطا. والسبب الرئيسي في ذلك انها عادة تنتج وتستهلك محليا . وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت عام 2008 العام الدولي للبطاطا .
لم تكن البطاطا معروفة في بلادنا قديما. فهي من نباتات العالم الجديد، أي أمريكا ، وبالذات في جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية. وقد جلبها الاسبان الى أوروبا في القرن السادس عشر ، ومنها انتشرت زراعتها واستهلاكها في مختلف أنحاء العالم ، حتى أصبحت رابع ناتج زراعي عالمي بعد الذرة والقمح والرز . ففي عام 2007 زرعت أراض مساحتها 200 مليون دونم بالبطاطا، وانتجت 320 مليون طنا منها. والمثير للانتباه أن انتاج الدول النامية قد فاق انتاج الدول المتقدمة، وقفز انتاج تلك الدول من 20% الى 52% من مجمل الإنتاج العالمي خلال العشرين سنة الماضية. علما أن انتاج الصين والهند وروسيا معا من البطاطا يبلغ نحو 40% من الانتاج العالمي .
يعود تزايد انتاج البطاطا وانتشارها لعدة أسباب ، منها سهولة زراعتها، وهي لا تنافس المحاصيل الغذائية التقليدية مثل الرز، لأنها يمكن أن تزرع في فصل الجفاف مع بعض الري. كما أن 85% من وزن النبات الناتج يؤكل مقابل 50% للحبوب، اضافة الى القيمة الغذائية العالية لها.
يبدو أن كل الظروف والعوامل تدعم البطاطا لتبقى أحد الأعمدة الغذائية الأساسية للعالم، هذا صحيح باستثناء أمر واحد: أن البطاطا ضعيفة في مواجهة مرض يدعى التسنة أو العفن الفطري ( اسمه العلمي Phytophthora infestans ) وهو كائن يشبه الفطر لكنه أقرب في طبيعته للطحالب ،اضافة الى مجموعة أخرى من الأمراض. ورغم وجود نحو 200 نوع بري من البطاطا في موطنها الأصلي، جبال الأنديز، الا أن نوعا واحدا فقط هو الذي انتشر في العالم ، واسمه العلمي هو Solanum tuberosum ، وظهر منه عدة اصناف.
ان للاقتصار على نوع واحد، وعدم التنوع الجيني، مخاطره المتمثلة في سهولة وسرعة انتشار أي مرض يصيب البطاطا في أي منطقة .
في عام 1844 وصل مسبب مرض التسنة من المكسيك الى اوربا، وانتشر الوباء خلال السنوات الأربع التالية ليدمر انتاج البطاطا في أوربا ، مما سبب وفاة مليون شخص في ايرلندا، وهجرة مليون آخر منها الى أمريكا . منذ تلك الكارثة، لم يوقف الانسان سعيه لمكافحة ذلك المرض، دون أن ينجح في ذلك تماما، اذ يكفي وجود طقس رطب ودافئ (15-25 درجة سلسيوس) حتى يظهر المرض وينتشر. فيبدأ المرض بمهاجمة الأوراق، ثم يتكاثر ويكوّن جراثيم تسقط من الأوراق على الأرض وتهاجم حبات البطاطا.
تم انتاج مبيدات فطرية لمقاومة المرض منذ عام 1880، لكنها مكلفة ولم تكن دائما فعالة. ولهذا اتجه العلماء نحو انتاج أصناف مهجنة بالاستعانة بأصناف من البطاطا البرية الأصلية في الأنديز والتي تقاوم مرض التسنة. لكن عمليات التهجين هذه تتضمن صعوبات جمة.
كما أن مسبب المرض يطور نفسه خلال 3-5 سنوات ليتغلب على مقاومة الأصناف الجديدة المهجنة. ولهذا السبب تعمل عدة دول، ومنها هولندا، على استغلال تقنيات هندسة الجينات لتطوير أصناف ذات مقاومة عالية للمرض، رغم موقف الاتحاد الأوربي الرسمي المعارض لهذه التقنيات . وتسود قناعة لدى الباحثين بأن الأسلوب الأمثل هو الجمع بين هندسة الجينات والتهجين للتوصل لأصناف عالية المقاومة، حتى تبقى البطاطا ركنا أساسيا في سلة الغذاء العالمية.

Science et Vie

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق