Powered By Blogger

الأربعاء، 15 فبراير 2012

هل نحن حقا بحاجة إلى حراس للعمارات ؟

حسام جميل مدانات

يعمل متولي حارسا لعمارة تحوي 4 شقق طابقيه نصفها غير مشغولة لوجود أصحابها في دول الخليج. وأراقبه أحيانا من شرفة شقتي في العمارة المقابلة وهو يذرع الرصيف أمام العمارة جيئة وذهابا وعليه علامات الملل، ولقتل هذا الملل فهو كثيرا ما يلجأ لممارسة هوايته: ري 4 أحواض مزروعة بالزهور أو الشجيرات، لا يتجاوز مجموع مساحاتها 10 أمتار مربعة، لكنه يمضي 4 ساعات في ريها بالبربيش. ثم يفتح الماء ساعة أو ساعتين أخريين لينظف الساحة المبلطة فيسيل الماء ليشكل بركا موحلة في الشارع أمام العمارة. وكلما مرت سيارة مسرعة – وما أكثر السيارات العابرة وما أسرعها – فإنها تنثر " تطرطش " الوحل في كل مكان.

متولي مجرد نموذج من عشرات آلاف حراس العمارات في العمارات السكنية والتجارية والفلل والقصور، وحتى في البيوت والفلل الخالية المهجورة، والذين يمضون معظم وقتهم في التسكع، نظرا لعدم وجود حاجة حقيقية لهم.

فلماذا انتشر استخدام حراس العمارات لدينا وأصبح وجود الحارس هو القاعدة وليس الاستثناء؟
يقول سالم، كنت أقيم في شقة ضمن عمارة في إسكان أبو نصير. وتلك العمارات ليس فيها نظام الحراس أو البوابين. وهي لم تصمم لتحتوي على غرفة للحارس ولم أشعر أبدا بحاجة لحارس، وكنت أعتقد أن هذا هو الوضع الطبيعي حتى رحلت واشتريت شقة جديدة في أحد أحياء عمان الغربية. وكان بها بالطبع غرفة للحارس وهو نفسه الذي رافق بناء العمارة منذ البداية، مما جعله يشعر ويتصرف كأنه يملك العمارة. فهو الذي كان يمثل الشركة الإسكانية التي أنشأت العمارة. وهو الذي كان يقابل الراغبين بالشراء ويطلعهم على الشقق ويفاوضهم ويقنعهم بالشراء أو "يطفشهم" إذا لم يعجبه شكلهم.
ورغم ذلك، فقد منحني وجود حارس في العمارة شعورا متميزا لا يعادله سوى شعوري عندما أحضرت خادمة وافدة. أصبح بإمكاني أن أطلب منه أن يحمل المشتريات التي أحضرتها في السيارة، أو أن أدق عليه الجرس وأطلب منه إحضار ربطة خبز من البقالة القريبة رغم أني قد حضرت لتوي من السوق. وباختصار، فان وجود الحارس أرضى غروري وجعلني أترفع عن مختلف المهام المتعلقة بالشقة. فالحارس هو الذي يتصل مع محطة المحروقات لملء خزان التدفئة بالسولار، ويراقب وضع الكمية المطلوبة والمسجلة في الفاتورة. وإذا تعطلت التدفئة فانه هو الذي يتصل بشركة صيانة ويتابع عملهم في إصلاح الحارقة ويجعلني أحاسبهم على أية قطع غيار "توجب" تبديلها. وهو يتابع تشغيل المضخة وملء الخزانات بالماء خلال الساعات القليلة التي يصل فيها الماء أسبوعيا، وعندما يفرغ الخزان خلال الأسبوع يتصل بشركة مياه ليحضر لي بضعة أمتار أدفع ثمنها غاليا.

ثم بدأت المفاجآت والخفايا بالتكشف:
أولها كان وقود التدفئة . فرغم أني ملأت الخزان بمترين من السولار في بداية تموز، فإن الوقود نفذ وفرغ الخزان بعد شهرين – رغم قلة الاستهلاك صيفا. واكتشفت السر عند التعبئة الثانية حين أحضر لي فاتورة بمترين بينما وضع مترا مكعبا واحدا من السولار. ثم وصلتني فاتورة الماء ببضع مئات من الدنانير وبعد الاعتراض وتغيير العداد أتت الفاتورة التالية بمبلغ أكبر هذا إضافة لثمن تنكات الماء الإضافية من وقت لآخر. لأكتشف السر فيما بعد، إن الحارس يستمد ماء غرفته وحمامه من خزاني ... ويفترض أن لا مشكلة في هذا الوضع لولا أن لديه تسرب دائم في الحمام . وهو يتجاهل الأمر. وبالطبع فانه كان يتكسب من تنكات الماء الإضافية، إذ أن له عمولة معلومة عن كل طلبية.
ويقول السيد سالم: أخيرا اقتنع سكان العمارة بضرورة التخلص من الحارس والعيش بدون حارس في العمارة، خاصة بعد حوادث وحالات مزعجة تضمنت علاقات مشبوهة بين الحارس والخادمات الوافدات. وفجأة توقفت سرقة اسطوانات الغاز الموضوعة في خزائن حديدية خارجية ولم تعد العمارة مسرحا لعشرات أصدقاء وأقرباء الحارس يدخلون ويخرجون في كل لحظة. وانخفضت كلفة التدفئة والماء والكهرباء والغاز، ولم نعد بحاجة لطلب صهاريج ماء الشرب خلال الأسبوع .
يوجد في الأردن بضعة عشرات من آلاف الحراس (الوافدين غالبا) في عمارات الشقق والعمارات التجارية والفلل والمزارع والبيوت الثانوية. وأعتقد أنه يصعب الحصول على رقم دقيق لعددهم. ويتركز عملهم الرئيسي في غسل السيارات أو التظاهر بغسلها يوميا، إذ يلجأ البعض إلى رفع المساحات ورش بعض الماء على السيارة أو بجوارها للإيهام بتنظيفها.
يتراوح إجمالي راتب الحارس في العمارة بين 150 – 300 دينار لا ينفق منها شيئا في العادة. فاقامته متوفرة مجانا ووجبات طعامه يقدمها السكان غالبا. ونورد فيما يلي عددا من المظاهر العامة التي تتصف بها ظاهرة حراس العمارات لدينا.
 غالبا ما يواكب الحارس نفسه العمارة منذ بدء إنشائها. فهو يعرف جيدا خفاياها وتمديداتها وعيوبها و"أسرار" تشغيل (أو تعطيل) حارقات التدفئة ومضخات الماء والمصعد بحيث يشعر الجميع أنه لا غنى عنه وأن الحياة ستتوقف إذا غادر.
 يمارس الحارس عادة أسلوبا غريبا – ولكنه هو الأسلوب الشائع – في التعامل مع السكان فهو يميّز أو يختار من البداية ساكنا يعتبره هو الأقوى ويكرس خدماته لهذا الشخص، حتى لو لم يحصل منه على أجر إضافي.
 يكتفي معظم الحراس بالعمل بضع سنوات ثم العودة إلى قريته أو مدينته ليشتري أرضا أو ليؤسس ورشة أو مصنعا. وهو عادة ما يحضر كبديل له شقيقه أو ابن عمه، على الأقل حسب ما يدعي، وقد يبيع الوظيفة لآخر مقابل مبلغ معين.
 تستخدم عائلات كثيرة حاليا خادمات وافدات يقمن بكافة الأشغال الداخلية في المنزل. ويمكننا القول أنه حتى سقي الحديقة أو تنظيف السيارة أو ساحات الفيلا أو درج العمارة يمكن أن تتكفل به الخادمة ( طبعا ليس ربة البيت !!)
 كما أن معظم ربات البيوت يسلمن شؤون المنزل والطبخ وحتى تربية الأطفال للخادمة أو الخادمات، فان معظم أمور العمارة يتوكل بها الحارس ويتصرف بها بكل حرية ، لكن هذه الحرية لها محاذيرها وثمنها الغالي على السكان أحيانا. ولو أتحت المجال للتعليقات وسماع قصص الحراس لفوجئت بهول ما يجري. ولسان حال الكثيرين يقول بهذا الشأن:
واحتمال الأذى ورؤية جانيه غذاء تضوي به الأجسام.
 وعلى أية حال، فإياك أن تترك الحارس يتولى تعبئة خزان التدفئة بالسولار، أو أن يعبئ لك الماء في الخزانات أو البئر، أو يشتري لك اسطوانة الغاز، أو يشتري لك أية أغراض من البقالة، لأن مجال التلاعب في كل من هذه الأشياء وارد ( ما الداعي لوجود الحارس إذن ؟)
 بشكل عام توجد شبكات منظمة تضم الحراس وغيرهم يتبادلون فيها السلع والمعلومات وأسرار العمارات. وقد ساهم انتشار الهاتف الخلوي في تسهيل ذلك، وتجد أحيانا غرفة الحارس وقد أصبحت مركز تجمع وسكن لعدد من أصحاب الحارس وأقاربه.
 وتبقى ظاهرة إهدار الحراس للماء مشكلة مستعصية على الحل. ومن الأساليب الطريفة التي يمارسها حارس العمارة لدينا أنه أزال عوامات الماء من الخزانات بحجة مفادها أن الخزان يمتلئ بشكل أسرع هكذا (قد يكون هذا صحيحا لو أن إزالة العوامة اقتصرت على خزان واحد أو اثنين، والتي ستستفيد على حساب الخزانات الأخرى. لكن إزالة جميع العوامات- والتصرف بها!- إجراء بلا جدوى، بل أنه يتسبب في ضياع وتسرب عشرات الأمتار المكعبة أسبوعيا نتيجة إزالة العوامات. ,وإذا نبهت الحارس للأمر كان رده: "وأنا حشوف إيه ولا إيه".
 لا شك أن الحارس في وضع نفسي وعاطفي صعب ولا يحسد عليه، فهو شاب أعزب، أو متزوج ترك عائلته في بلده منذ أشهر أو سنوات، ويمضي نهاره غالبا بلا عمل حقيقي يشغله، ومن الطبيعي والمقبول أن يدخل كافة شقق العمارة في أية لحظة ليحضر غرضا من البقالة المجاورة أو ليصلح عطلا في تمديدات أو جهاز. لكن هذا الوضع له محاذيره بالتأكيد.
 تقدر تحويلات الحراس الوافدين إلى الخارج بنحو 80 مليون دينار سنويا دون حاجة حقيقية لهم ودون أن يقدموا خدمة حقيقية! ( باعتبار واحدهم يحول في المتوسط 160 دينارا شهريا، وأن عددهم يبلغ أربعين ألفا.

ولا شك أخيرا إننا لا يمكن أن نشكك بأمانة ونزاهة جميع الحراس، فبعضهم أمين ومؤتمن بالتأكيد. لكن الوضع برمته يبدو شاذا وغير مقبول، رغم أنه أصبح هو المعيار وهو الوضع العادي لدينا، فهو أحد مستلزمات الشعور بالتفوق (أو لعله تعويض الشعور بالنقص) وحفظ المظاهر الذي ساد وانتشر بيننا، كما أنه مؤشر على شيوع ظاهرة التواكل والاعتماد على الغير لإنجاز حتى أبسط الأعمال التي تخصنا.

هناك تعليقان (2):

  1. موضوع حراس العمارات والله موضوع في غاية الاهمية لانه فعلا تجاوز الحد المقبول في كثير من الحالات و أصبح يشكل مصدر قلق دائم ليس فقط من ناحية السرقات أو الاهمال بل تعداه الى الاعتداء الكلامي و التهجم على أطفالنا عند غياب رجل البيت من أجل فرض أتاوات اضافية تحت بنود و مسميات مختلقة بكل وقاحة و بدون أي اعتبار لاي رادع أو خوف من أي سلطة قانونية. أصبح من الواضح لدي تماما انني لست أتعامل مع شخص عادي جاء لطلب الزق و قوت العيال، و أتساعل هل من الطبيعي أن تؤوي بنايات عمان السكنية هذه الشريحة الواسعة من العمالة الوافدة و يدها طائلة على بيونا و ممتلكاتنا بدون وجود هيئة حكومية تختص بالاشراف عليهم و تنظم عملهم

    ردحذف
  2. يجب الحذر جدا من حراس العمارة وعدم التأمين لهم في ترك نسخة من مفتاح الشقة معهم لي تجربة معهم وقام بعض الحراس بسرقة بعض مقتنيات الشقة وبعد التحقيق معه استطعت استرجاع المسروقات وقمت بتغير أقفال الشقة ,الحذر من الحراس تعامل معهم بحذر و حيطة ولا تأمن غدرهم

    ردحذف