Powered By Blogger

السبت، 11 فبراير 2012

الهيدروجين بدل البنزين : سبيكة تحقق الحلم

قبل بضعة أيام تناقلت وسائل الاعلام خبر تجرية اول طائرة تستخدم الهيدروجين كوقود . وسبق ذلك تجارب لاستخدامه مصدرا للطاقة في السيارات . فهل يحق لنا أن نحلم بيوم يحل فيه الهيدروجين محل مشتقات البترول . فلا نعود نعاني من دخان عوادم السيارات . وتختفي محطات البنزين بأنواعه، الخاص والخالي من الرصاص، لنكتفي بوضع الماء في خزان الوقود ومعه قطعة من الالمنيوم المخلوطة بمعدن آخر رغم أن هذا لن يكون بالضرورة أرخص على محدثي النعمة لدينا اذا اختاروا – حفظا للمظاهر – أن يملأوا خزانات سياراتهم بماء قناني ماء الشرب المستوردة مثل فيتل أو ايفيان ( من فرنسا ) أو هايلند سبرنغ ( من اسكتلندا ) التي تباع حاليا بعدة أضعاف سعر البنزين ، بينما الفقراء يستخدمون ماء الحنفية المعقم بالكلور !
ويذكرنا هذا بأنباء نشرتها صحفنا قبل بضع سنوات عن مخترع لبناني كان يزود دراجته النارية بالماء بدل البنزين. فهل كان يستخدم تقنية مشابهة لاستخلاص الهيدروجين من الماء داخل خزان دراجته ؟
لماذا اذن لا نستخدم الهيدروجين كمصدر بديل للطاقة ، للسيارات والطائرات والتدفئة ..!؟ انه وقود نظيف تماما ، وعندما يحترق ، أي يتحد مع الاكسجين ، فالنـاتج هو الماء ( أو بخار الماء ) . والهيدروجين متوفر على سطح الأرض بكميات هائلة ولكن ليس كعنصر منفرد وانما كأحد مكونات الماء ( يتكون جزيء الماء من ذرة أكسجين وذرتي هيدروجين ) . وحتى نستخلصه من الماء أي نفصله عن الأكسجين فاننا نحتاج طاقة كبيرة وكذلك الأمر لو أردنا فصله عن الكربون الذي يشكل غاز الميثان .
الخبر السار لدينا هنا هو ابتكار سبيكة معدنية قادرة على فصل الهيدروجين عن الاكسجين دون كلفة كبيرة .
حققت هذا الانجاز مؤسسة كندية في فانكوفر تدعى " الوقود الهيدروجيني العالمي "
(جلوبل هيدروفيول )
وتوصل الى نفس النتيجة فريق من جامعة بيردو في انديانا/ الولايات المتحدة . تتكون السبيكة من الالمنيوم والجاليوم . وبمجرد وضع قطعة منها في الماء ، فانها تتأكسد وتتحد مع الاكسجين الموجود في جزيء الماء . فينطلق الهيدروجين على شكل فقاعات غازية .
المهم ضبط سرعة التفاعل

اذا كنت تعرف أو تذكر بعض مبادىء الكيمياء التي درستها في المدرسة ، فلا شك انك تستغرب كلامنا هذا عن السبيكة العجيبة ، لأنك تعلم أن الفلزات تتفاعل مع الماء وتطلق الهيدروجين ، لكن المشكلة الكبيرة في هذه التفاعلات أنها غير مناسبة لانتاج الهيدروجين من أجل استخدامه كمصدر للطاقة .
بعض الفلزات كالصوديوم تتفاعل بنشاط زائد وبسرعة كبيرة مع الماء ويرافق الهيدروجين الناتج حرارة كبيرة تحرقه فورا . وبعضها الآخر يتفاعل ببطء شديد ، كالحديد الذي يصدأ عند تعرضه للماء والهواء ، والصدأ هو أكسيد الحديد لكن ذلك كما نعلم يحتاج اياما أو اسابيع .
أما الالمنيوم فسرعة تفاعله مع الماء ( واطلاقه للهيدروجين ) مناسبة وهو لا ينتج حرارة عالية تحرق الهيدروجين الناتج لكنه يتميز بخاصية غريبة، وهي أن أكسيد الالمنيوم الناتج يشكل طبقة عازلة على سطح الالمنيوم فيتوقف التفاعل بسرعة مما يحفظه في الداخل من التأكسد . ( ولهذا السبب يصلح الالمنيوم لصناعة النوافذ المنزلية وأدوات المطبخ ... الخ ) . وسبب ذلك أن اكسيد الالمنيوم له نفس كثافة الالمنيوم . ولو اختلفت الكثافتان لما شكل الاكسيد طبقة مصمتة كاتمة بل لكان مشققا بشقوق دقيقة تسمح باستمرار التفاعل مع الماء . لكن العلماء والباحثين يسعون دائما لايجاد حل لكل مشكلة تواجههم . وهذا ما سعى لتحقيقه كل من المؤسسة الكندية وفريق الجامعة الامريكية المذكورين اعلاه .
وتمثل الحل الفعال في استخدام خليط أو سبيكة من الالمنيوم مع عنصر آخر . والهدف من ذلك جعل كثافة الالمنيوم أو السبيكة مختلفه عن كثافة أكسيد الالمنيوم ، فلا يشكل الأكسيد طبقة عازلة محكمة، وبالتالي يمكن للتفاعل أن يستمر وللهيدروجين أن يواصل الانطلاق .
وقد استخدم جيري ودويل من جامعة انديانا سبيكة تحوي الالمنيوم بنسبة 80% والجاليوم بنسبة 20% . وعندما وضع 27 غم من الالمنيوم ( ضمن السبيكة ) في الماء ، نتج 3 غرامات من الهيدروجين . وهي حقا ليست كمية كبيرة . الا أننا يمكن أن نزود سيارة صغيرة بما يكفي من الهيدروجين لتقطع مسافة 560كم بسرعة 100كم/ساعة باستخدام 80 كغم من السبيكة والماء معا . وهذا يعادل تقريبا نفس الوزن من البنزين اللازم للسيارة حتى تقطع المسافة نفسها .إضافة إلى أن كلفة وقود الهيدروجين تعادل ثلث كلفة البنزين!
تتميز هذه التقنية المبتكرة بعدة مزايا : أولاها أنه لا داعي لانتاج الهيدروجين في مصانع أو محطات ثم وضعه في خزانات ثقيلة تحت ضغط كبير – مثل اسطوانات غاز الطبخ . وثانيها أن الالمنيوم معدن متوافر بكثرة في قشرة الأرض على شكل أكسيد . وثالثها امكانية تدوير السبيكة بعد أن تستهلك ويتأكسد الالمنيوم فيها . فالجاليوم يبقى كما هو ويمكن فصله واعادة استخدامه ، أما أكسيد الالمنيوم فيرسل للمصانع لفصل الالمنيوم عن الاكسجين . المشكلة الوحيدة : أن هذه المصانع تستهلك الكثير من الطاقة الكهربائية ، اذ يلزم ما بين 13 – 17 كيلوواط ساعة للحصول على كيلوغرام واحد من الالمنيوم مستخلصا من أكسيده . مما يجعل كلفة انتاج 1كغم من الالمنيوم في الولايات المتحدة مثلا نحو نصف دولار .

وعلى أية حال، فان الفوائد الصحية والبيئية لاحلال الهيدروجين محل النفط في وسائل المواصلات داخل المدن تبرر بذل المزيد من الجهود والابحاث في هذا الاتجاه، لعل سيارات الهيروجين تغزو شوارعنا قريبا. وعندئذ، سنجد هواء مدننا مشبعا ببخار الماء الذي تنفثه السيارات ليرطب الجو بدلا من الأدخنة الضارة التي تخنقنا حاليا.

Science et Vie Dec. 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق