Powered By Blogger

السبت، 11 فبراير 2012

كشف مثير يفسر الرؤية في الظلام

مع حلول الظلام ينطلق القط المنزلي بكل رشاقة باحثا عن حشرات أو فئران يصطادها، و لا نملك الا ان نعجب بهذه القدرة الاستثنائية التي يتمتع بها القط وغيره من الحيوانات الليلية. فنحن نتحسس طريقنا في الظلام و نصطدم بالعوائق أو نسقط في أي حفرة يضعها حظنا العاثر في طريقنا.
فما الذي تتميز به عينا القطط عن عيني الانسان حتى يرى في الظلمة بسهولة؟
حقا أن بؤبؤ عين القط يتسع كثيرا في الظلام مما يسمح بدخول اكبر قدر ممكن من اشعة الضوء داخل العين، كما أن شبكية عين القط اسمك مما هي لدينا، و يتصف قعر العين لديه بأنه يعكس الاشعة لاستغلالها لاقصى حد. لكن يبدو أن الميزة الرئيسية لعين القط هي تلك التي اكتشفها علماء احياء وفيزياء مؤخرا، و التي تنشأ عن ترتيب معين و مميز للحامض النووي دنا.
مما يجعل انوية الخلايا البصرية تعمل عمل العدسات المجمعة أو اللامة للضوء.
في عام 1866 اكتشف الالماني مكس شلتزة مبادىء الإبصار: تحوي شبكة العين نوعين من الخلايا : احدهما المخاريط (جمع مخروط) وهي التي تسمح لنا بتمييز الالوان، و النوع الاخر العصيات البالغة الحساسية للضوء. و بالتالي فهي مسؤولة عن الابصار الليلي.
لكن ما هو سر هذه الحساسية الفائقة للضوء؟
كشف بالصدفة
تعود بداية القصة الى عام 2005 عندما كان فريق باحثين ألمان من جامعة لدفغ مكسمليانز في ميونخ، يدرسون جينات أو مورثات معينة في خلايا شبكية عيون الفئران. فلاحظوا وجود شذوذ في ترتيب الحمض النووي في انوية خلايا العصيات. اذ انه كان مرتبا بعكس الترتيب الاعتيادي المألوف في كافة الخلايا الحية. و لتوضيح ما نعنيه بهذا الانعكاس، فليسمح لي القارىء العزيز ببعض التفصيل عن النواة و حمضها النووي دنا.
يبلغ طول الحمض النووي داخل نواة الخلية حوالي المترين.
لكن هذا الحبل الطويل يجد مكانه في النواة بفضل التفافه حول جزيئات البروتينات، مثل عقد من اللؤلؤ ، يطلق على هذا العقد اسم كروماتين. و هو يكون مفككا في مركز النواة حتى تسهل قراءة محتوياته. و مكثفا متراصا على محيط النواة. لكن المفاجأة التي كانت بانتظار الباحثين الالمان هي أن هذا النمط كان معكوسا في عصيات شبكية عين الفأر. فأجزاء دنا المتراصة توجد في مركز النواة، و الأجزاء المفككة أقرب لمحيط النواة. و كانت هذه هي المرة الأولى التي تلاحظ فيها مثل هذه الظاهرة الاستثنائية.

فرضية غير متوقعة

كانت الخطوة التالية هي محاولة تفسير سبب هذه الظاهرة الغريبة و الغرض منها، فأثيرت عدة فرضيات، و كان منها أن هذا الترتيب المعكوس يلعب دورا في الرؤية الليلية لدى الفأر. أثارت هذه الفرضية سخرية و رفضا لدى عدد من الباحثين، كما يقول بوريس يوفي (B.Joffe). و رغم ذلك قرر الباحثون استكشاف مدى صحة هذه الفرضية، فبدأوا بجمع بيانات عن شبكات عيون نحو 20 حيوانا ليليا. و كانت المفاجأة كبيرة، اذ نبين أن هذه الظاهرة موجودة لدى جميع هذه الحيوانات، بعكس جميع الحيوانات النهارية، أي التي تمارس نشاطها في النهار و تنام ليلا.
و هكذا تأكدت فرضية التفسير الابصاري لانعكاس ترتيب دنا في انوية عصيات الشبكية.
و كانت الخطوة التالية هي فهم دور هذا الانعكاس في الإبصار الليلي. و هنا استعان فريق الباحثين المكون من علماء احياء بفيزيائي مرموق من جامعة كمبرج يدعى جوشن غوك J.Guck
استعان غوك بالحاسوب لبناء موديل أو نموذج لخلايا الشبكية لدى حيوانات ليلية و نهارية، و لدراسة مسار الأشعة الضوئية عبر هذه الخلايا.
و كانت النتيجة مذهلة. عملت خلايا شبكية الحيوانات الليلية عمل عدسة مجمعة للاشعة بعكس ما هي في الحيوانات النهارية ، و التي شتتت الأشعة.
و حتى ندرك أهمية هذه الظاهرة، نذكر أن عدد العصيات في شبكية الحيوانات الليلية كبير جدا مقارنة بزميلاتها النهارية. و لهذا السمك الكبير سلبية واضحة، لأن الأشعة يجب أن تخترق هذه الطبقة السميكة قبل أن تصل الى الطبقات التي تحول الضوء الى اشارة كهربائية ترسل للدماغ. و لو لم تتمتع عصيات الشبكية بخاصية تجميع الأشعة لانخفضت شدة الاشعة التي تخترق هذه الخلايا مما يقلل الفائدة من كثرتها.
و على اية حال، فان الابحاث في هذا المجال ما زالت في بداية الطريق لتفسير اسرار الرؤية الليلية. فشدة الضوء في ليلة عادية تقل بمليار مرة عن شدته في النهار. و لا شك أن دماغ الحيوانات الليلية يمتلك وسائل و قدرات فائقة حتى يتمكن من تفسير هذه البيانات الضوئية البالغة الضعف.


Science et vie, 8/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق