Powered By Blogger

الأحد، 12 فبراير 2012

خطوة واحدة... من المفاعلات النووية إلى القنبلة الذرية

حسام جميل مدانات


تركز وسائل الإعلام منذ بضع سنوات على البرنامج النووي في كوريا الشمالية ثم في إيران، ومعارضة الولايات المتحدة، وبالتالي المجتمع الدولي لهذين البرنامجين.
(ونذكر تدمير المفاعل النووي العراقي عام 1981 وكانت اشترته من فرنسا عام 1975)
فما وجه الخطورة في هذه البرامج النووية الموجهة للأغراض السلمية لتوليد الطاقة الكهربائية وللأبحاث العلمية؟ وهل حقاً يسهل استعمالها لصناعة قنبلة نووية؟
الواقع أن الانتقال من المفاعلات النووية التي تنتج الطاقة إلى القنبلة النووية ليس بالأمر الصعب تقانيا. وقد تكون المشكلة الرئيسية في وجه هذا الانتقال هي في توفير كمية كافية من الوقود النووي.
هذا الوقود النووي اللازم للقنبلة الذرية هو عبارة عن ذرات عناصر ثقيلة يمكن شطر أنويتها، من أجل إحداث الانفجار. ويلزم بضعة كيلوغرامات من البلوتونيوم 239 أو نحو مئة كيلوغرام من عنصر اليورانيوم 235 لصنع قنبلة البلوتونيوم أو اليورانيوم على الترتيب. ويمكن توفير هذه الكميات من البرامج السلمية للطاقة النووية.
لنأخذ مثلا البلوتونيوم 239 (أي نظيره ذو الوزن 239)، فهو إحدى الفضلات المتخلفة عن أي مفاعل نووي. وكل دولة تمتلك مفاعلات نووية للأغراض السلمية يمكنها أن تنتج من هذا النظير ما يكفي لصنع قنبلة ذرية.
بعد عزل هذا النظير عن الفضلات الأخرى، تصنع القنبلة الذرية على شكل كرة جوفاء من البلوتونيوم. وعند إحداث ضغط مفاجىء على هذه الكرة فان ارتفاع الكثافة يكفي لبدء التفاعل المتسلسل الذي يحدث الانفجار النووي.


ورغم أن هذه التقنية دقيقة جداً، إلا أنها معروفة وفي متناول يد المهندسين والفنيين ذوي المستوى العالي من التدريب. وهذا النوع من القنابل هو الذي تبدأ معظم الدول بصنعه، كما فعلت الولايات المتحدة عام 1945 وفرنسا عام 1960.

أما قنبلة اليورانيوم فتعتمد على استخدام النظير 235 من اليورانيوم وهو نادر ونسبته قليلة في خامات اليورانيوم الطبيعية ، إذ لا تتجاوز 7ر0% ( أي 7 بالألف ) والباقي هو النظير 238.



تخصيب اليورانيوم


للحصول على كمية كافية من النظير 235 نلجأ لعملية تسمى تخصيب اليورانيوم ، ونستخدم لهذا الغرض واحدة من طريقتين : الانتشار الغازي أو الطرد المركزي الفائق . طورت الطريقة الأولى في أربعينات القرن الماضي . وتتلخص في تحرير مركب غازي ، هو هكسافلوريد اليورانيوم ، عبر سلسلة من الأغشية المسامية ، حيث يخترقها النظير 235 بسهولة أكبر مقارنة مع النظير 238 . تكرر العملية عدة مرات حتى نحصل على النسبة المطلوبة من النظير 235.

لكن هذه الطريقة تتطلب كمية كبيرة من الطاقة إذ يلزم تسخين الغاز وتعريضه لضغط كبير حتى يسهل مروره عبر مسامات الأغشية.
ومنذ الثمانينات بدأ استخدام طريقة الطرد المركزي الفائق ، وتتضمن وضع نفس الغاز السابق ( هكسافلوريد اليورانيوم ) في جهاز طرد مركزي يدور بسرعة عالية جدا .

تندفع الجزيئات ذات الذرات الأثقل ( النظير 238 ) إلى المحيط الخارجي بينما تزيد نسبة النظير الأخف ( المطلوب ) باتجاه المركز. ونكرر العملية أيضا عدة مرات للوصول إلى النسبة المطلوبة.

الواقع أن تخصيب اليورانيوم ضروري سواء للمفاعلات النووية السلمية أو للقنبلة الذرية . لكن التخصيب للأغراض السلمية يكتفي برفع نسبة النظير 235 من 7ر0% ( نسبته في الخام الطبيعي ) إلى 5% وبكمية تبلغ نحو مئة طن . أما التخصيب من أجل القنبلة فيتطلب رفع النسبة إلى 90% وبكمية تناهز المئة كيلو غرام فقط . وبمقارنة هذه الكمية مع تلك اللازمة لمفاعل نووي، ندرك أن توفير وقود القنبلة قد يكون أسهل من توفر الكمية اللازمة للمفاعل النووي السلمي.

أما صنع قنبلة اليورانيوم فهو أسهل من صنع قنبلة البلوتونيوم . ونلجأ هنا إلى تقنية تدعى " المدفع " ، إذ توضع كتلتان من اليورانيوم على طرفي اسطوانة ، وعند الرغبة في تفجير القنبلة ، تستخدم متفجرات تقليدية قوية لدفع كتلتي اليورانيوم نحو بعضهما من أجل الحصول على الكتلة الحرجة التي يبدأ عندها التفاعل المتسلسل وبالتالي الانفجار النووي .

والخلاصة أن من يملك التقانة النووية السلمية لن يعجز عن استغلال معرفته هذه في صنع قنبلة ذرية للأغراض العسكرية . ويمكن أن يقوم بذلك بكل تكتم وسرية. إذ لا يتطلب الأمر أكثر من مختبرات موضوعة في طوابق تحت الأرض بعيدا عن عيون طائرات التجسس والأقمار الصناعية.

يجدر بالذكر أخيرا أن بعض الدول تصنع القنابل الذرية انطلاقا من مفاعلات صغيرة تسمى مفاعلات أبحاث بقدرة بضع عشرات الميغاواط من الطاقة فقط ، ثم تطورها إلى مستوى أعلى كما حصل في إسرائيل عام 1958 وايران عام 1959 ( في كل منهما حاليا خمسة مفاعلات ) وباكستان عام1963 وكوريا الشمالية عام 1965 .

عن مجلة العلم والحياة الفرنسية/ أيلول 2007
Science et Vie, Sept. 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق