Powered By Blogger

الأحد، 12 فبراير 2012

حذارِ من الجراحات غير اللازمة

حسام جميل مدانات


رغم ثقتنا الكبيرة عادة بالأطباء وبالمستشفيات ( فنحن نسلمهم أجسامنا ونؤمنهم على حياتنا وحياة أطفالنا ) إلا أننا نتساءل أحيانا عن مدى ضرورة إجراء فحوص مخبريه مبالغ فيها، أو تناول أدوية معينة، أو إجراء عمليات جراحية صغيرة أو كبيرة .

وقد نشرت المجلة الفرنسية "هذا يهمني" Ca m'interesse في عددها لشهر كانون ثاني 2009 تحقيقا عن العمليات الجراحية الفضولية أي غير الضرورية في فرنسا، نعرض فيما يلي لبعض ما ورد فيه:

أخذ عدد من الأطباء يكسرون قانون الصمت ويجاهرون بالتحذير من تزايد عدد العمليات الجراحية الفضولية. كما أجرى اتحاد المستشفيات في فرنسا تحقيقا نشرت نتائجه مؤخرا ، وهو يؤكد التحذير نفسه ، فهناك عمليات كثيرة متسرعة ، أو غير مفيدة أو كان يمكن تجنبها باستخدام أساليب معالجة طبية أخرى .

مثلا، يدخل مريض لطوارئ المستشفى وهو يعاني من بطء دقات القلب، والإجراء المعتاد في هذه الحالة إبقاؤه تحت المراقبة بضعة أيام للتأكد من أن هذه الأعراض ليست ناتجة عن إفراط في تناول بعض الأدوية. لكن هذا الإجراء ليس مربحا للمستشفى ويتطلب جهودا ومتابعة .

ولهذا يبادر المستشفى (الخاص بالذات) إلى تركيب منظم للقلب لهذا المريض . وهذه العملية مربحة للغاية . والأمر مماثل فيما يتعلق بتركيب الشبكات داخل الشرايين لمن يعاني من انسداد جزئي فيها .

ويشير التحقيق إلى أن 8% من عمليات إزالة المرارة غير مبررة ، وتجرى لأشخاص لا يعانون من أية أعراض تدعو لإجراء العملية ، وتصل هذه النسبة إلى 12% في المستشفيات الخاصة . نعلم أن المرارة تخزن وتركز عصارة الصفراء التي يفرزها الكبد ، وهذه العصارة تفيد في هضم الدهنيات أثناء مرور الغذاء في الأمعاء الدقيقة . ويحصل أحيانا أن تتكون حصى داخل المرارة.

ويقدر أن 15% من الفرنسيين يحملون حصى في المرارة. لكن كل شخصين من ثلاثة من هؤلاء لا يشعر بأية أعراض أو مشاكل بسبب هذه الحصى . ويحصل أحيانا أن يكتشف الطبيب عرضا (بالصدفة) وجود هذه الحصى، مثلا عند إجراء فحص بالموجات الصوتية للأم الحامل لفحص حالة الجنين، أو تصوير للكبد، فهل يجب إزالـــة المـــرارة التي تحتوي حصى إذا لم تظهر أيــــة أعراض ؟
الرأي الطبي صريح في هذا الشأن : كلا ! لأن فوائد عملية إزالة المرارة أقل كثيرا من المخاطر، إذ تدل الإحصاءات أن 3.4% من المرضى قد عانوا من مضاعفات ومشاكل أثناء هذه العملية،و 6.5% بعد العملية، وأن 1% منهم قد توفوا بسبب العملية . وليس من المنطقي أن يقول الطبيب للمريض: سأزيل مرارتك حتى لا تسبب لك مشاكل في المستقبل !

من الأمثلة الأخرى على العمليات الفضولية إزالة غضروف مفصلي، في الركبة بشكل خاص، فهل يجب دائما إزالة الغضروف المفصلي التالف ؟

تعيد السلطات الصحية التأكيد على أن هذه العملية يجب أن تجرى كحلّ أخير لأنها ببساطة قد تكون بلا جدوى، وخاصة في حالة تآكل وتلف الغضاريف. وفي هذه الحالة فان العلاج الطبيعي ومضادات الالتهاب تمثل بديلا جيدا للمبضع الجراحي.

ورغم ذلك فقد أجريت 000 130 عملية إزالة للغضروف المفصلي في فرنسا عام 2006، وهذه النسبة أكبر بكثير من النسبة العالمية.

يوجد في الركبة غضروفان مفصليان ، داخلي وخارجي ، وهما ضروريان لاتزان الركبة . وقد يصاب أحد الغضروفين أو كلاهما بنوعين من المشكلات، أولاهما : تمزق ناتج عن حركة خاطئة مثل التواء الرجل ، وهذا يحصل عادة لدى لاعبي كرة القدم . والمشكلة الثانية هي تآكل الغضروف واهتراؤه . وهذا يحصل مع تقدم العمر، فوق سن الأربعين.

تتمثل أعراض تمزق الغضروف بآلام في الركبة، أو أحيانا نادرة بتعطل حركة الركبة فيستحيل مد الرجل مدا كاملا. وهنا يعتمد قرار إجراء العملية على فحص المريض لتقييم شدة الألم ومقدار الإصابة. كما يعتمد على التحقيق مع المريض للتعرف على نمط حياته وممارسته الرياضية.

ومن غير المقبول إجراء العملية إذا كان الوضع محتملا ولا يسبب إعاقة لممارسة المريض حياته اليومية. كما أنه يجب إجراء تصوير بالرنين المغنطيسي لكشف طبيعة الإصابة. وحتى لو تبين من الفحص وجود تمزق في الغضروف، فان هذا التمزق يمكن إصلاحه. بينما إزالة الغضروف تسرع من تلف المفصل، ويزيد التلف إذا أزيل الغضروفان معا.

أربعة أسباب للعمليات الفضولية

يمكن إرجاع تزايد أعداد العمليات الجراحية غير المبررة في فرنسا إلى أربعة عوامل أو أسباب.

أولها تقدم الطب وانخفاض مخاطر العمليات الجراحية، وخاصة فيما يتعلق بالتخدير والجراحة نفسها، وهذا قد ساعد على إساءة استخدام هذه الوسيلة والمبالغة في تطبيقها.
ومن أمثلة ذلك تضخم البروستات، فالعملية ليست ضرورية إلا في حالات نادرة ، ومن المخجل أن يبادر الطبيب لإجراء العملية من أجل الكسب المادي له وللمستشفى .

العامل الثاني هو توسيع مظلة التأمين الصحي لتشمل العمليات في المستشفيات الخاصة كما في المستشفيات الحكومية. وكانت النتيجة تزايد العمليات التي تعتبر مربحة ومجزية ماديا مثل عملية الساد أو إعتام عدسة العين ( الماء الأزرق ).

العامل الثالث هو مادة في القانون تتعلق بما يسمى بعتبة النشاط وتعني أنه لا يسمح للمستشفى بإجراء عملية معينة إلا إذا كان قد أجرى عددا يزيد عن الحد الأدنى من هذه العملية خلال العام السابق. وقد أدى هذا النص القانوني إلى زيادة العدد على حساب النوعية والى إجراء عمليات لا داعي لها .

العامل الرابع يتعلق بالتأثير المخرب لوسائل الإعلام وخاصة التلفاز على أفكار الناس حاليا. فهناك حملة دعائية ضخمة مركزة للترويج لعمليات تخفيض الوزن وعمليات التجميل ( أو التشويه) والتي كثيرا ما يذاع أن أشخاصا مشهورين قد أجروها ومن ذلك عمليات تغيير شكل الأنف أو تضخيم الثديين أو شد الوجه أو شفط الدهون...)

وتــدل الإحصاءات في فرنسا أن 16% من عمليات ربط المعدة من أجــل التنحيف غير ضرورية .

وأخيرا نقدم بعض الأرقام عن العمليات التي أجريت في فرنسا خلال عام 2006:

-- الساد أو الماء الأزرق : 573181 عملية ، كلفت التأمين الصحي 880 مليون يورو.
-- المرارة: 114310 عملية. وفي كل عام يكتشف بين مئة ألف ومائتي ألف شخص وجود حصى في مراراتهم رغم أنهم لا يشعرون بأي ألم .
-- ألدسك : 40832 عملية دسك في العمود الفقري ، 5 – 10% من المرضى يعانون من مضاعفات .
-- انسداد الشرايين : 113052 عملية تركيب شبكات بزيادة 14% عن عام 2005.
-- ربط المعدة : 14580 عملية تركيب حلقة على المعدة لمعالجة البدانة، وهذا يمثل 4% من عدد البد ناء في فرنسا .
-- الغضروف المفصلي: 129204 عملية بزيادة 3% عن العام السابق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق