الذبـابــة الجاسوسة

اذا كنت شخصا مهما ، ولديك أمور يسعى البعض لمعرفتها بأي ثمن ، فاياك أن تترك نافذة بيتك مشرعة . فقد تتسلل ذبابة كبيرة عبر النافذة وتنتقل من غرفة لأخرى لتنقل لأصحابها فورا ما تشاهده في بيتك وما تسمعه من حديث ، ثم تغادر المنزل بعد انجاز مهمتها عبر أي منفذ مفتوح .
ليس هذا المشهد مجرد لقطة من أفلام جيمس بوند أو غيرها من أفلام الجاسوسية ، ولكنه بعض التجارب الفعلية التي تقوم بها عدة مؤسسات عسكرية ومدنية في العالم ، ومنها مركز الطيران والفضاء الوطني الفرنسي ( أنرا ) ONERA. ضمن مشروع لتطوير تقنيات هادفة لانتاج طائرات رابوطية بالغة الصغر ، وأطلقت على المشروع اسم رمنتا REMANTA . لا يزيد البعد بين طرفي الجناحين لهذه الذبابة الرابوطية عن 15سم وهي تحرك الجناحين مثل الذبابة الحقيقية .
وتعمل جامعة هارفرد الامريكية على تطوير ذبابة أصغر بكثير ، وزنها 60 مليغرام والبعد بيم جناحيها 3سم فقط ، أي تقريبا بحجم ذبابة حقيقية .مما يجعلها تقوم بمهامهاالتجسسية دون أن تثير الانتباه أو الشك .
يسمى هذا النوع من الطائرات في اللغة الانجليزية درون Drone أي دبورة أو ذكر النحل ، كما تسمى أيضا UAV أي العربات الطائرة غير المأهولة. وتتراوح احجامها من الدقيق الصغير الذي يمكن حمله في حقيبة اليد ، الى ما يعادل طائرة مقاتلة نفاثة تحتاج مدرجا لتقلع .
لم تعد استخدامات هذه " الدرونات " مقصورة على المجال العسكري – رغم تزايد اعتماد العسكر عليها – بل أدرك مزاياها الشرطة ومنظمو السير والمساحون وعلماء الآثار .. وخلال صيف 2007 ساعدت الدرونات الاطفائيين في مكافحة الحرائق التي اجتاحت جنوب كليفورنيا في الولايات المتحدة .
لعل احدى أهم مزايا الدرونات هي انخفاض كلفة تشغيلها مقارنـة بالطائـرات العاديـة . فالسمتية ( الهلكوبتر ) الصغيرة يكلف طيرانها نحو الف دولار للساعة بينما كلفة ساعة الدرون مجرد جزء صغيرمن هذا المبلغ .

تاريخ طويل وتطوير كبير

اذا اعتقدت أن الدرونة اختراع حديث فانت مخطئ . انها موجودة منذ بدايات عصر الطيران ، ففي الحرب العالمية الأولى استخدمت الطائرات بدون طيار كقنابل طائرة ، وفي الحرب العالمية الثانية اصبحت أدوات تجسس توجه عن بعد بواسطة الراديو . ومؤخرا، لم يغفل الجيش الامريكي وجيوش التحالف في العراق وافغانستان أهميتها ، فزودت بالصواريخ وأنجزت مهمات هجومية وتدميرية .
استفادت الدرونات من التطوير الهائل في مجال الالكترونيات والاتصالات والسواتل ( الأقمار الصناعية ) ، اذ أنها تجد طريقها وتحدد أهدافها بفعل نظام جبس (GPS) أي تحديد المواقع اعتمادا على السواتل . كل هذه الامكانيات سمحت بجعل الدرونات أصغر وأرخص باستمرار .

التحــكم عــن بعــد :

تستخدم القـوات الامريكيـة في العـراق وافغانستان درونة تدعـى المفترسـة
( Predator) . وقد تعرضت طائرة بدون طيار من هذا النوع الى حادث في نيسان 2006 ، وكانت تستخدمها ادارة الحدود والجمارك الأميركية. وفي أواخر 2007 نشر مجلس سلامة الطيران الاميركي نتائج تحقيقه في الحادث، والذي كشف عن أن الفريق الذي كان يحرك الطائرة عن بعد قد ارتكب خطأ حين أطفأ محركات الطائرة عن طريق الخطا . وقد أصدر مجلس سلامة الطيران 22 توصية لمعالجة أمور السلامة العامة عند استخدام المدنيين للدرونات .
تكلف " المفترسة " ، هي وأجهزة التحكم الأرضي الخاصة بها، نحو ثمانية ملايين دولار . وهي قادرة على العمل في أصعب الظروف، والبقاء في الجو لأكثر من 24 ساعة . وبامكان طيار جالس أمام شاشة التحكم في قاعدته في امريكا أن يقود المفترسة وهي في مهمة في شمال العراق مثلا .
أما الدرونات الصغيرة ، فيمكن اطلاقها باليد بعد برمجتها لتقوم بمهمتها ، ثم تعود وتهبط بواسطة المظلة أو كما تهبط السمتية .
وقد طورت شركة المانية تدعى ( ميكرودرون ) درونة تشبه الطبق الطائر ، ولا يزيد حجمها كثيرا عن حجم الحاسوب المحمول ( لاب تب ) وهي تقلع وتهبط بفضل أربع مراوح علوية . وقد بدأت قوات الشرطة باستخدامها لمهام تصوير ومراقبة ، كما فعلت الشرطة البريطانية مؤخرا أثناء احتفال موسيقي كبير لضبط الأمور وكشف مستخدمي المخدرات من الحضور .
كما بدأت شرطة لوس انجلس بالاعتماد على الدرونات في مهامها . ومنها واحدة ذات محرك كهربائي وكلفتها (30000) ثلاثين الف دولار مقارنة مع ثلاثة ملايين دولار لكل من االسمتيات العادية العاملة لديها حاليا .
على أية حال ، من المتوقع أن ينتشر استخدام الدرونات في مجالات متنوعة . وهذا يثير مخاوف تتعلق بالسلامة العامة لضمان عدم اصطدامها بالطائرات العادية أو بتسببها بحوادث عرضية . كما يسبب استخدامها القلق بشأن الخصوصية الفردية ومدى الحرية التي تمنحها السلطات لنفسها للتجسس على المواطنين وكشف اسرارهم . فهل نتجه لوضع يشبه ما صوره جورج أورويل في كتابه المعنون: "1984" ،حين يراقب " الأخ الأكبر " كل أفراد الشعب في كل لحظة .
يبدو أن الأوان قد حان لتشتري أداة لقتل الذباب بحيث تصلح لنوعيه الحقيقي والرابوطي !

The Economist Nov.,3, 2007