Powered By Blogger

السبت، 11 فبراير 2012

اصطدام النيازك:بنات بابتستينا المخيفات :

في محاولة لتصوير مدى تعقد الظواهر الطبيعية والارتباط العضوي الوثيق بين عناصرها ، والعشوائيـة التي تتصرف بها الأنظمـة الطبيعيـة ، قال أحد العلماء يوما : " اذا رفرفت فراشات بأجنحتها في الصين ، فان هذا قد يسبب اعصارا في المحيط الأطلسي " .
لا شك أن في هذا القول مبالغة كبيرة ، لكن المقصود منه هو الاشارة الى أنه رغم أن العالم تحكمه قوانين فيزيائية دقيقة وصارمة ، مثل قوانين نيوتن في الجاذبية ، الا أن تدخل أية عوامل عشوائية ، حتى لو كانت صغيرة التأثير ، يكفي أن يجعل توقعنا للأحداث الطبيعية شبه مستحيل.
يتضح هذا الأمر بوضوح في التنبؤات الجوية ، فرغم الامكانات التقنية الهائلة المتوفرة للراصدين الجويين ، ومنها شبكة سواتل ( أقمار صناعية ) مخصصة لهذا الغرض ، الا أن الطقس يفاجئنا أحيانا بما لم يتوقعه أحد .
وهنا قد تفاجأ، عزيزي القاريء، بقولنا أن النظام الشمسي ، رغم انتظامه المثالي ، يشبه الطقس على كوكبنا الأرضي في عشوائيته واحتمال حصول أحداث غير متوقعة ، لكن هذا صحيح فقط على مقياس زمني كبير : ملايين السنين أو حتى مئات الملايين من السنين .
فما الذي يجعل بعض الكويكبات يهجر مداره ليتجه نحو الأرض ويصطدم بها مسببا الدمار لمختلف مظاهر الحياة على كوكبنا ؟
قبل خمسة وستين مليون سنة حصل ما يشبه يوم القيامة بالنسبة للديناصورات . نيزك ضخم قدم من الفضاء وضرب الأرض ضربة زلزلتها وقلبت أوضاعها رأسا على عقب . وتسبب الغبار الناتج عن التصادم بحجب أشعة الشمس بضع سنوات، فانقرضت عدة أنواع من الحيوانات ، ومنها الديناصورات .
يقترح الأمريكي وليم بتكه في مقال له ظهر في عدد 6 أيلول 2007 من مجلة الطبيعة – نيتشر – الأمريكية ، أن اصطدام كويكبين ببعضهما قبل (160) مليون سنة كان هو المسؤول عن انقراض الديناصورات بعد ذلك التاريخ بنحو مئة مليون سنة !!
خرج بتكه بهذه الفرضية بعد أن درس مدارات الكويكبات التي تقع بين مداري المريخ والمشتري . وهي عادة تتواجد في مجموعات متقاربة ومتشابهة في صفات مداراتها وفي تركيبها الكيماوي ( يحدد العلماء هذا التركيب بدراسة طيف الضوء المنعكس عنها ). يعتقد علماء الفلك بأن هذه الكويكبات هي بنات اجرام أكبر منها تعرضت لاصطدام كويكبات بها فتفتتت الى قطع أصغر . ويعتقد بتكه بأنه قد توصل الى تقفي أصل عائلة من الكويكبات وارجاعها الى الاصطدام الأصلي الذي تولدت عنه .

تفسير غريب لانحراف الكويكبات عن مدارها !
أكبر أعضاء هذه العائلة يدعى بابتستينا ، ولنطلق عليه اسم الكويكب (ب). يبلغ قطره نحو (40) أربعين كيلومترا، وتضم العائلة أكثر من (2000) الفي كويكب أصغر من (ب) . ولنطلق عليها اسم بنات (ب) .
يسود الاعتقاد أن ضوء الشمس هو المسؤول ، على المدى الطويل ، عن خروج الكويكبات عن مدارها وبالتالي تهديدها للأرض ولغيرها من الكواكب. تسمى هذه الظاهرة تأثير يركوفسكي . مثلما تدوّم (مثل الدوامة) أو تدور الكواكب حول نفسها ، كذلك تدور الكويكبات حول نفسها ، اضافة الى دورانها حول الشمس . وكما يحدث على سطح الأرض عندما يكون أحد نصفيها مواجها للشمس فيسخن ، كذلك يحدث نفس الأمر لأي كويكب ، فالجزء المواجه للشمس يسخن . لكننا نعلم أيضا أن المواقع التي يكون فيها النهار في أوله – وقت الفجر – تكون أبرد من تلك التي يكون فيها الوقت بعد الظهر .
ويحصل نفس التباين في درجة الحرارة على سطح الكويكبات فيشع الكويكب الحرارة بمقادير متفاوتة ، فالجزء الأسخن يشع حرارة أكبر .
هذا الفرق في الاشعاع الحراري بين طرفي الكويكب الصغير يسبب انحرافه عن مداره شيئا فشيئا، وهذا يفسر تناثر بنات (ب) وتباعدها عن بعضها البعض. وعندما درس بتكه نمط توزع هذه الكويكبات وحجومها ( والتي تحدد سرعة تحركها ) ، استنتج الزمن الذي حصل فيه الاصطدام الأصلي . وقدره بما قبل مئة وستين مليون سنة .
لكن الأدلة تشير الى أن الديناصورات قد انقرضت قبل 65 مليون سنة نتيجة لاصطدام كويكب أو نيزك بالأرض . يعتقد بتكه أن احدى بنات (ب) هي التي ضربت الأرض . ويدعم فرضيته بمؤشرين : أولهما أن التركيب الكيميائي للنيزك الذي ضرب الأرض يشبه تركيب (ب) وبناته . والمؤشر الثاني هو وجود أدلة على كويكبات أو على بنات مفقودات من هذه العائلة .
ويقدر أن بعض هذه الكويكبات المفقودة قد بدأت تتجه نحو الأرض قبل نحو مئة مليون سنة . وفي النهاية وصل أحدها الى كوكبنا قبل 65 مليون سنة ، وسبب ذلك النيزك حفرة ضخمة تقع في جنوب المكسيك ، فيما يعرف بشبه جزيرة يوكتان . وقد تراكمت رسوبيات كثيرة منذ ذلك الوقت في هذه الحفرة وطمرتها .
يعتقد بتكه أيضا أن اصطدام أحد كويكبات هذه العائلة بالقمر قد أحدث الفوهة المدعوة تيكوبراهي ( سميت الفوهة بهذا الاسم تكريما لهذا الفلكي الدنمركي الذي عاش في القرن السادس عشر ). تقع هذه الفوهة قرب القطب الجنوبي للقمر ، ويبلغ قطرها 85 كم . وكانت المركبة أبولو (17) قد أحضرت عينات من صخور هذه الفوهة ، مما سمح بتحديد عمرها بمئة مليون سنة أو أكثر قليلا .
لا شك أن مشهد تلك الاصطدامات كان مهولا ورائعا . لكننا نتمنى أن لا تتكرر على سطح كرتنا الأرضية. ولو حصل اصطدام من هذا النوع فلن ترغب بالتأكيد بمشاهدته عن قرب .

The Economist

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق