Powered By Blogger

الأربعاء، 15 فبراير 2012

الضجيج يدمر أعصابنا وصحتنا

حسام جميل مدانات

نترقب جميعنا بقلق يقارب الهلع قدوم الصيف وما تحمله أمسياته و لياليه من تفجيرات متواصلة للألعاب النارية المرافقة للأعراس ولمناسبات أخرى عديدة. فأين المفر؟

لا شك أن الضجيج أو الضوضاء أصبح آفة عامة ابتلت بها مدن العالم المعاصرة. ورغم أن مدن الدول الأخرى قد لا تشهد مثلنا تفاقم ظاهرة الألعاب النارية المتواصلة طوال ليالي الصيف، إلا أن لديها ما يكفي من مصادر الضجيج الأخرى.

للضجيج تأثيرات خطيرة

لا يقتصر التأثير السلبي على الأذن. مسببا ضعف السمع أو حتى الصمم. وإنما يتعدّى ذلك إلى التسبب بمشاكل في القلب وجهاز المناعة والقدرة على التركيز أو النوم ومشاكل نفسية وعقلية.

ولعل الطرفة التالية تعطي مؤشرا على الآثار العقلية للضجيج، حيث يروى أن مراهقين نظموا حفلا موسيقيا راقصا في شقتهم. وعانى شاغل الشقة السفلى من الضجيج لعدة ساعات، حتى فاض به الكيل. فصعد إلى شقة المراهقين وطرق الباب بعنف. وما أن فتح له الباب حتى بادر بالتوسل أن يوقفوا الموسيقى وإلا فانه سيفقد عقله. وكان الرد: يبدو أنها راحت عليك، فقد انتهت الحفلة وتوقفت الموسيقى قبل ساعة!.

وقد نشرت مجلة " هذا يهمني " الفرنسية تحقيقا عن التلوث الصوتي وعواقبه الجسدية والنفسية، نعرض فيما يلي ملخصا له:

يعتبر شارع شارل ديغول أو شارع الشانزليزيه في باريس من أكثر الشوارع كثافة في حركة السير، حيث تعبره يوميا نحو 160000 سيارة، والنتيجة الحتمية لهذا الطوفان من السيارات مستوى لا يحتمل من الضجيج. مما دفع بالبعض لاقتراح حل جذري لهذه المشكلة وهو بكل بساطة طمر الشارع تحت مستوى الأرض، أي جعل حركة السيارات محصورة داخل نفق تحت الشارع الحالي، والذي سيبقى مخصصا للمشاة.

قدرت كلفة المشروع في البداية بمليار يورو، ثم جرى اعتبار دمج المشروع مع خط قطار أنفاق جديد فخفف الكلفة المقدرة إلى 300 مليون يورو. فهل يستحق تخليص الناس من إزعاج حركة السير كل هذه الكلفة.

تمثل الضوضاء مصدر الإزعاج الأول لسكان المدن المعاصرة التي يزيد عدد سكانها عن 50000 نسمة ، وهذا ما يؤكده استبيان أجراه المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية. ويأتي التلوث في المرتبة الثانية.. ثم انخفاض مستوى الأمن. ويقدر 78% من الفرنسيين أن مصدر الإزعاج الصوتي الأهم هو من خارج منازلهم. وتأتي حركة السير في المرتبة الأولى كمصدر للضجيج. وعلى المستوى الأوربي يقدر بأن 17% من السكان، أي نحو 113 مليون نسمة يتعرضون يوميا لمستوى أصوات ذات شدة أعلى من 65 ديسبل وإذا تجاوزت شدة الصوت هذه النتيجة، فانه يعتبر ضجيجا مزعجا.
وعلى سبيل المقارنة نورد الأرقام التالية لشدة صوت بعض مصادر الضجيج مقاسة بوحدة الديسبل:

القطار (الصوت داخل العربات): 90، مطرقة حفر الشوارع: 120 ( أو 102 على بعد 8 أمتار)، دراجة نارية: 92( على بعد مترين)، نائم يشخر: 45-90،رضيع يبكي بشدة: 90، حفل موسيقي: 105، راديو محمول بسماعات: حتى 110 ديسبل. وبجدر بالذكر أن مدى تحملنا للضجيج الصادر من مصدر معين لا يعتمد فقط على شدة الصوت، وإنما أيضا على المدة الزمنية التي يتواصل فيها الصوت. فالمدة القصوى لتحمل صوت مطرقة الحفر هو 9 ثوان. والقانون يلزم العامل على هذه الأداة بوضع خوذة واقية للأذنين.. ويمكننا تحمل نباح كلب متواصل حتى 10 دقائق. وحفلة موسيقية في الأعراس لدينا حتى 5 دقائق!
ونعني بالتحمل الفترة التي يمكن للأذن أن تتعرض فيها للصوت دون حصول أذى وضرر فيها. ويعتبر الصوت خطرا على الأذن إذا زادت شدته عن 85 ديسبل، ورغم أن شكوانا تركز على الإزعاج القادم من خارج المنزل، فان منازلنا تعاني من مصادر إزعاج لا يستهان بها.
ففي كل لحظة نجد واحدأ أو أكثر من أفراد العائلة يتحدث على الهاتف الأرضي أو الخلوي. ويواصل التلفاز مهمته الإزعاجية طوال 24 ساعة، وسواء كان هناك من يشاهده أو لا. ويتحول المنزل إلى ورشة أشغال عامة أثناء أعمال التنظيف اليومي باستخدام المكنسة الكهربائية. ويساهم مجفف الشعر (السشوار) والخلاط الكهربائي بدورهما في هذه السيمفونية المتناغمة والتي تدعمها الألعاب الحاسوبية أو محطة الألعاب (بلي ستيشن) التي يدمن عليها أطفالنا. ولا ننسى أجهزة كهربائية أخرى تثبت حضورها عن طريق الضجيج كالثلاجة والغسالة ومكيف الهواء وجرس الباب ورنين الهاتف بنوعيه وبنغماته المتنوعة.

ألا يحق لنا إذن أن ندعي بأن السكينة والهدوء أصبحا مطلبا عزيز المنال في مدننا العصرية الراقية.

Ca M'INTERESSE. Sept 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق