Powered By Blogger

الثلاثاء، 28 مايو 2013

بورباكي وآينشتاين

كتب المحرّر العلميّ، العرب اليوم، 28/5/2013 هل تعرف نقولا بورباكي Bourbaki ؟ إذا لم تكن مختصا بالرياضيات. فالأغلب أنك لم تسمع بالاسم. لكن ما يميز هذا الاسم أنه اسم مستعار، ولا يعبر عن شخص طبيعي حقيقي. في عام 1934 اتفق رياضياتيون فرنسيون على التعاون لوضع أسس الرياضيات المعاصرة، وتأليف كتب مدرسية فيها. وسعوا لبناء هذه الرياضيات على نظرية المجموعات. أطلقوا على فريقهم الاسم "نقولا بورباكي". كانوا يجتمعون ويناقشون بالتفصيل وبعمق كل ما يكتبونه، ثم تنشر كتبهم تحت الاسم نقولا بورباكي، دون أن ينسبوا الفضل لأي من الأعضاء. وربما لو أنهم اختاروا شخصا طبيعيا حقيقيا لتوقيع اسمه تحت جميع أبحاثهم لاعتبر أعظم رياضياتي في التاريخ. فهل يمكن أن يكون شيء مشابه قد حصل فيما يخص آينشتاين، وأن تكون "جهة ما" قد رتبت أن تُنشر جميع أبحاث ومنجزات مجموعة باحثين تحت اسم آينشتاين؟ هذا ما كنت أعتقده، لكن يبدو أن الحقيقة أسوأ من ذلك بكثير. لا يكاد يمر يوم دون أن يصادفك في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي ذكر هذا العالم الذي أصبح رمزا للعبقرية والذكاء والعلم والإبداع، فأين الحقيقة من كل هذا؟ صناعة النجم: كتبتُ على محرك البحث غوغل، الكلمتين: Einstein hoax أي: خدعة، أو أكذوبة، آينشتاين، ففوجئت بوجود مئات المواضيع التي تتحدث عن كيف صنعت الصهيونية هذه الأسطورة. وما زالت تغذيها بزخم هائل. اخترتُ أول موضوع من هذه القوائم، وترجمة عنوانه: البرت آينشتاين – هل كان كذابا ولصا انتحل أفكار غيره. يصفه المقال بأنه تمتع بعبقرية وحيدة: القدرة والجرأة على سرقة أفكار الآخرين وإنجازاتهم ونسبتها لنفسه، ثم تجند وسائل الإعلام العملاقة الواقعة تحت السيطرة اليهودية طاقاتها للدعاية له. تصفه الموسوعة البريطانية بأنه أظهر قدرات مدرسية محدودة. ترك المدرسة في الخامسة عشرة بعد رسوبه في ثلاث مواد. ثم فشل في امتحان القبول في كلية الهندسة في زيوريخ/سويسرا، فتوظف في مكتب تسجيل البراءات في بيرن، وبقي فيه حتى عام 1909. في عام 1905، فجأة، ودون أي مقدمات، نشر أربعة أبحاث فيزيائية: - أسس نظرية الفوتونات في الضوء؛ - تكافؤ المادة والطاقة؛ - شرح الحركة البراونية في السوائل؛ - نظرية النسبية الخاصة. لنبدأ بالبحث الأخير، فالنسبية قد ارتبطت باسمه باعتباره مبتكرها. ترتبط هذه النظرية بافتراضات منها أن سرعة الضوء ثابتة ومستقلة عن سرعة المصدر الذي يشع الضوء. وهذه الفكرة اقترحها الاسكتلندي جيمس ماكسويل عام 1878. كما تبين من تجارب مورلي ومكلسون عام 1887 أن سرعة الضوء مستقلة عن سرعة المراقب. وفي عام 1904 نشر الهولندي لورنتز ما يسمى بتحويلات لورنتز التي تفسر زيادة الكتلة وتقلص الطول لجسم يتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء. أي أن كل ما ورد في مقالة آينشتاين عن النسبية كان قد نشره آخرون. وكان الفرنسي بوانكاريه أبرز المحاضرين عن النسبية، لكنه لم يشر مطلقا إلى آينشتاين. لاحظ أيضا أن نظرية النسبية لم تكن سبب حصوله على جائزة نوبل (بسبب تأخر قبول المجتمع العلمي لها؟). لكن لعله هو أول من استخدم هذا المصطلح: "النسبية"، لوصف هذه النظرية. فهل يبرر هذا نسبتها له؟ نعود إلى البحث الأول: "أسس نظرية الفوتونات في الضوء" وهو الذي منح آينشتاين جائزة نوبل عليه عام 1922. لكن الفضل يعود إلى "ماكس بلانك"، و"فِلهلم فين" اللذين أوضحا، قبل آينشتاين، أن الضوء يُبث ويُمتصّ بحزم محدودة، أطلِق عليها اسم الكمّات (الكوانتا). كما كان لنار، أو لنارد Lenard قد أوضح أن الضوء الساقط على فلز أو شبه موصل يطلق الكترونات تعتمد على تردد الضوء وليس على شدته. وما أورده آينشتاين في بحثه فيما يخص الضوء كان قد قاله بلانك عام 1900 معمما على الأمواج الكهرمغنطيسية كافة. أما تكافؤ المادة والطاقة، والمعادلة المشهورة التي تنسب إلى آينشتاين (الطاقة = الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء)، فقد ظهرت في بحث نشره الإيطالي أولنتو دي برتو في المجلة Atte عام 1903 ؛ كما أثبتت تجارب تومسون في كيمبرج تكافؤ المادة والطاقة، وعززتها بحوث هازنورت، الذي نشرها عام 1904. وفيما يتعلق بالحركة البراونية، وهي تتعلق بحركة الجزيئات في السائل، فقد وضع معادلاتها الأمريكي غبز Gibbs والنمساوي بولتزمَن Boltzman قبل آينشتاين. ونشير هنا أيضا إلى ضعف احتمال أن يحقق شخص مثل هذه الإنجازات مجتمعة في سنة واحدة، دون أن يكون موجودا في وسط علمي أكاديمي، ودون مختبرات، ودون خلفية علمية متينة، أوقدرات رياضية كافية. آلة الدعاية الصهيونية لم يلتفت أحد لما نشره آينشتاين، في 1905، حتى عام 1909 حين دعمته منظمات صهيونية؛ وعملت على تعيينه في الجامعة، فأصبح له تواصل مباشر مع الباحثين والطلبة، وأتيحت له إمكانية أكبر للاستفادة من جهودهم. في عام 1915 نشر هِلبرْت المعادلات الكاملة للنسبية العامة. وكان قد أرسل نسخة منها إلى آينشتاين، الذي نشر البحث باسمه بعد اسبوع من نشر بحث هلبرت! وتتعلق النسبية العامة بتطبيق مبادئ النسبية الخاصة على الكون، وبحث التجاذب بين الكواكب، وانحناء الضوء حين يمر قرب جرم ثقيل. في عام 1919 نشرت التايمز اللندنية (مالكوها يهود) مقالة ذات عنوان مثير: ثورة في العلم: نظرية جديدة عن الكون تطيح بأفكار نيوتن. كانت هذه بداية حملة محمومة لصنع الأسطورة. بدأ الترويج المكثف لأوراقه البحثية الأربع التي نشرت عام 1905 باعتبارها أفكارا أصيلة له. ونجحت الحملة في منحه جائزة نوبل عام 1922. بعد عام 1919 توقف عن انتحال أفكار غيره، وكرس نفسه للدعاية للصهيونية، ولكن اسمه ظهر على بضع مقالات بحثية قام بها آخرون، وكان غرضهم إعطاء قيمة لأبحاثهم. في عام 1921 قام بجولة في الولايات المتحدة لجمع تبرعات لبناء الجامعة العبرية في القدس. عُرض عليه أن يكون أول رئيس لإسرائيل لكنه اعتذر. وكانت قمة المهزلة (حسب رأي المقالة التي أشرنا إليها) حين سمّته مجلة تايم (مالكوها يهود أيضا) "شخصية القرن العشرين". Albert Einstein– was he a thief, a liar and a plagiarist?

شبح المجاعات يلوح في الأفق

المحرر العلمي، العرب اليوم، 28/5/2013 قد يبدو هذا العنوان للبعض غريبا ومبالغا به؛ فنحن نعيش في الأردن، وفي العالم عامة، عصر الوفرة. وفرة في الطعام، وتنوع هائل في اشكاله وأطباقه ومصادره. أصبحنا نتوقع توافر مختلف أصناف الخضار والفواكه واللحوم طوال العام وبأسعار معقولة. وتبدو بعيدة منسية تلك الأيام حين كان أجدادنا لا يعرفون الخضار إلا في شهر أو اثنين من السنة، وليست جميع الخضار التي نعرفها الآن، وحين كانت الأغلبية لا تتناول اللحم إلا في المناسبات. وكان الطعام اليومي للأغلبية هو الخبز الحاف. وغابت عن الذاكرة المجاعات المتكررة بسبب غزو الجراد أو المحل أو مصادرة السلطنة العثمانية للحبوب والدواب والمواشي، وتسفير الرجال للحرب كما حصل في السفر برلك، الحرب العالمية الأولى، قبل مئة سنة، حين اضطر الناس لأكل الأعشاب وجذورها. على الرغم من حصول مجاعات محلية أو اقليمية من وقت لآخر (الصومال،...) فإن احتمالات حصول مجاعة لدينا أو لدى غيرنا أصبحت ضئيلة بفضل عوامل عدة: التقدم العلمي والتقني الذي أتاح حراثة الأرض وحصاد المحاصيل بطرق آلية أسرع وأكفأ كثيرا من الطرق اليدوية التقليدية؛ واستخدام السماد الكيميائي، ومبيدات الآفات الزراعية، وتهجين أصناف زراعية أفضل وأغزر انتاجا، واستصلاح أراض زراعية جديدة على حساب البيئة الطبيعية من مستنقعات تجفف، وغابات تقطع. وتحسين الطرق ووسائل المواصلات تحسينا هائلا أتاح النقل السريع للمنتجات الزراعية داخل البلد الواحد وعبر العالم، مع استخدام وسائل الحفظ كالتبريد. كل ما ذكرنا ساهم في توفير الغذاء لسكان العالم الذين يتزايدون بوتيرة غير مسبوقة. إنه انفجار سكاني؛ وإذا تواصل بالمعدل نفسه فإن احتمالات العوز الغذائي، وحتى المجاعة، في بعض أنحاء العالم واردة لا محالة. لقد تناقص معدل مساحة الأراضي الزارعية للفرد في العالم من 4.5 دونم عام 1960 إلى النصف، أي 2.2 دونم عام 2008. نذكر مثلا أن عدد سكان شرق الأردن في بداية القرن الماضي لم يتجاوز مئة وخمسين ألفا، وهم الآن أكثر من ستة ملايين. وكان الأردن يصدّر القمح، وهو الآن يستورد 99% من حاجته منه (هل سنصمد لو تعرضنا لحصار اقتصادي كالذي تعرضت له العراق لأكثر مكن 10 سنوات؟). ويجدر بالذكر عامل خطورة يهدد الأمن الغذائي لدينا ولدى غيرنا، ألا وهو التعدّي العمراني على الأراضي الزراعية. وقد ارتكب الأردن جريمة لا يمكن إصلاحها بحق نفسه حين حوّل الأراضي الخصبة إلى غابات اسمنتية؛ وكان الأجدر والأولى أن تبنى المدن شرقا في الأراضي غير الزراعية. توفر الحبوب نصف مصدر الطاقة التي يحصل عليها البشر من الطعام، ويمثل القمح والرز النسبة الأكبر منها. وإذا حصلت ظروف متطرفة سببت تراجعا كبيرا في انتاج المحاصيل الزراعية، فإن أسعارها ترتفع تلقائيا. لكن رفع اسعار المواد الغذائية الأساسية في الدول الفقيرة يعرضها لاضطرابات وقلاقل شعبية – كما حصل في ثورة الخبز في الأردن قبل ربع قرن. وهذا قد يزيد الأمر سوءا. ولحسن الحظ فإن الكوارث الزراعية لا تصيب جميع الدول في الوقت نفسه، بل قد يترافق نقص إنتاج محصول معيّن في منطقة ما مع زيادته في بلد آخر، ما يساهم في استقرار الأمن الغذائي العالمي. ولا بد من الإشارة إلى عامل الخطورة الأكبر على الأمن الغذائي، وهو الهدر الذي يمارسه أثرياء العالم وحتى الطبقة المتوسطة التي تقلدهم. فهؤلاء يبذرون ويتلفون نسبة لا بأس بها من الموارد، خاصة الغذائية منها؛ كما أن النهم والإفراط في تناول الطعام غدا ظاهرة عامة؛ ولعلّ من يموتون بسبب التخمة أكثر ممن يقتلهم الجوع. ويكفي أن تشاهد ما تعرضه مواقع الانترنت من وقت لآخر عن ولائم ومناسبات في دول الخليج مثلا، حين تنحر مئات رؤوس الإبل لتلقى لحومها في حاويات القمامة في الصحراء. ورغم محدودية موارد الأردن، فإن هذه الممارسة شائعة أيضا في مناسباتنا الاجتماعية المختلفة. الخلاصة أن احتمالات تراجع الإنتاج الزراعي العالمي، أو حتى حصول الكوارث الزراعية، واردة، فانتاج الحبوب مثلا على مستوى العالم بلغ 663 مليون طن عام 2012، متراجعا بنسبة 2.6% عن عام 2011. كما أن دولا مثل أمريكا والبرازيل تحول نسبة من انتاجها من الذرة وقصب السكر إلى وقود للسيارات. لكن على الرغم من كل هذا فإن سهولة النقل والتجارة في العالم، والمبادرات الدولية للإغاثة، تبعد شبح المجاعة عن الدول الفقيرة، ولو إلى حين.

كيف تُصنّف مادّة ما على أنّها مسرطنة؟

المحرر العلميّ، العرب اليوم، 28/5/2013 تطالعنا وسائل الإعلام والإنترنت من وقت لآخر بتحذيرات مفادها أن مادة ما تسبّب السرطان. مثلا أعلن في حزيران 2012 أن نواتج حرق الديزل مسرطنة، وأعلن في أيار 2011 أن موجات الهاتف الخلويّ يمكن أن تسبب السرطان (أنظر مقال "العلم يشكّ والقضاء يبتّ" في صفحتنا هذه بتاريخ 5/3/2013، حين حكمت محكمة ايطالية بتعويض شخص أصيب بسرطان الدماغ "جرّاء" استخدامه الخلوي طوال النهار حسب متطلبات عمله). فكيف يتوصل المختصون إلى هذه الأحكام؟ ومن هي الجهات المخوّلة بإصدار هذه الأحكام؟ وما المقصود بالمادة المسرطنة؟ تقدر مخاطر المواد سرطانيا بإجراء دراسات على الإنسان، وعلى الحيوانات، وعلى خلايا الجسم. وتتضمن الدراسات على الإنسان ملاحظة العادات الغذائية والظروف المعيشية للناس عامة، وللمصابين بالسرطان خاصة. كذلك إذا تبين أن عاملا ما يسبب طفرة جينية، فإنه يعتبر عاملا مسرطنا مرجّحا. ويقسم المركز الدولي لبحوث السرطان الموادّ بشكل عام إلى خمس مجموعات: المجموعة 4: عامل يرجح أنه غير مسرطن للإنسان؛ المجموعة 3: عامل "غير مصنف" من حيث تسبيبه السرطان للإنسان وتشمل المجموعة 508 مواد؛ المجموعة 2 ب: عامل يحتمل أنه مسرطن للإنسان، وتشمل 272 مادة؛ المجموعة 2أ: عامل يرجح أنه مسرطن للإنسان، تشمل 64 عاملا منها زيت القلي، واضطراب ساعات النوم (كما يحصل لطياري ومضيفي الخطوط الجوية المدنية)؛ المجموعة 1: عامل مسرطن للإنسان، تشمل 108 عوامل، منها التبغ والبنزين والكحول. ماذا نعني بالمجموعة 2 أ مثلا: "يرجح أنه مسرطن للإنسان"؟ يقصد بذلك أنه عامل مسرطن لحيوانات التجارب، لكن ذلك لم يثبت قطعيا فيما يخصّ الإنسان. وهذا ما حصل للغازات الناتجة عن حرق الديزل. فقد كانت تصنّف في المجموعة 2 أ حتى عام 2012، حين نشرت نتائج دراسة أجريت على 12000 شخص، وأثبتت أن خطر سرطان الرئة يتضاعف 3 مرات لدى من يتعرضون لهذه الغازات. يعتمد التشريع في فرنسا بهذا الخصوص على التشريعات الأوروبية المتعلقة بالتصنيف والتسمية والتغليف(CLP)، وأيضا أنظمة التسجيل والتقييم والسماح للمواد الكيميائية (REACH)، وتنصّ على أن يقوم الصناعيون المنتجون أنفسهم بدراسة مخاطر منتجاتهم سرطانيا إذا كان حجم إنتاجهم منها يفوق 1000 طن سنويا. يجدر بالذكر أخيرا أن دراسات السرطنة طويلة ومكلفة وتضحي بآلاف الحيوانات لإجراء التجارب المخبرية عليها؛ لهذا السبب فإن إجراء هذه الدراسات ليس دائما إلزاميا ولا ضروريا. Science et Vie, Fev. 2013 p. 125

الثلاثاء، 14 مايو 2013

القضاء والعلم: (1) هل حقا أن القضاء يعيق العلم وتقدمه؟ (2) زلزال أكويلا: القتل بالإهمال، أم الراعي والذئب؟


هل حقا أن القضاء يعيق العلم وتقدمه؟ م. حسام جميل مدانات، العرب اليوم، 14/5/2013 نعلم أن القضاء عبر التاريخ، سواء كان دينيا متمثلا بمحاكم التفتيش وما شابهها، أو قضاء مدنيا، كثيرا ما عاقب العلماء والباحثين، لسبب بسيط، أن العلم يتطور بسرعة، وليس فيه مسلمات جامدة أو مقدسة لا يمكن نقضها حتى لو بينت التجارب خطأها. أما القانون، فهو غالبا بطيء التطور، وينظر اليه بصفته كينونة سامية وشبه مقدسة، ويعتبر القضاة ورجال القانون فوق الجميع. هذه الصلاحيات المطلقة تقود أحيانا إلى استغلال السلطة وإساءة استعمالها. نناقش فيما يأتي قضيتين وقف فيهما القضاء ندا للعلم وحرية نشره. أولاهما في الولايات المتحدة، والثانية في ايطاليا. (1) انتحار شوارتز وحرية المعلومات في 11 كانون الثاني/ يناير الماضي، انتحر شنقا عبقري الانترنت، والناشط السياسي والساعي دون كلل من أجل تحرير المعلومات، آرون شوارتز Swartz عن 25 عاما، (ولد في 8/11/1986)، قبل الموعد المحدد لمحاكمته بتهمة اختراق مواقع أبحاث علمية متاحة للمشتركين فقط، ثم نشرها على الانترنت للجميع. ألقي القبض عليه في أواخر عام 2011، وكان مقررا أن تبدأ محاكمته في نيسان 2013، وتضمنت العقوبات المتوقعة المطالبة بسجنه 35 عاما، وتغريمه مليون دولار. هذه التهديدات أصابت شوارتز باكتئاب شديد انتهى به إلى الانتحار. آمن شوارتز بأن المعلومات يجب أن تكون متاحة مجانا للجميع. وقد عمل بكل طاقته وبمختلف الوسائل لتحقيق هذا الهدف. شارك في التحرير الطوعي المجاني لمحتويات ويكيبيديا، وتعاون مع آخرين في إنشاء عدة مؤسسات عاملة في مجال النشر المجاني للمعلومات بمختلف أنواعها. فالأبحاث العلمية مثلا قد أنجزت بفضل الأموال العامة، أموال دافعي الضرائب، ولا يحق لأية جهة أن تمنع الإطلاع عليها أو تطلب المال مقابل ذلك. في ايلول 2010 دخل شوارتز على خوادم معهد مساتسوشتس للتكنولوجيا MIT، ونسخ عددا كبيرا من الأبحاث، ثم نشرها على الانترنت لإطلاع الجميع. وكانت هذه بداية المتاعب الخطيرة التي وقع فيها شوارتز مع القضاء الأمريكي. في 17/11/2011 قاضته هيئة المحلفين بتهمة الدخول غير المخول إلى شبكة حاسوبية. وقبل انتحاره بيومين، أخبرت المدعية العامة محامي شوارتز أنه لا بدّ من سجنه ستة أشهر، وأن يعترف بأنه مذنب في 13 تهمة، إذا رغب في تجنب المحاكمة، التي كان متوقعا أن تحكم عليه بالسجن 35 سنة. وحين رد المحامي بأن شوارتز مكتئب ويظهر نزعات نحو الانتحار. كان ردها: فلنسجنه إذن. بعد انتحار شوارتز وقع 50 000 شخص على التماس مقدم للبيت الأبيض لإعفاء المدعية العامة كارمن اورتز من وظيفتها، واتهمت بأنها كذبت على القاضي، وأنها طلبت من الجهات الأمنية معلومات عن شوارتز دون امتلاك هذه الجهات تصريحا بذلك. كما أنها أخفت عن محامي شوارتز طوال سنة معلومات مهمة رغم الالتزام القانوني والأخلاقي بتزويد المحامي بها. إضافة إلى ذلك، فإن إحدى الجهات المتضررة الرئيسية، وهي MIT ، لم تطلب ملاحقة شوارتز قضائيا. بعد موت شوارتز، كتب والده روبرت، وهو مستشار في الملكية الفكرية: لقد قتلته الحكومة، وخانت مبادئها الأساسية، لقد تصرفت وزارة العدل وكأنها وزارة الانتقام. يؤمن الجميع أن شوارتز كان سيحقق الكثير لو أنه لم ينتحر، لكن انتحاره سيفيد بالتأكيد في التسريع من عملية تطوير التشريعات الرامية إلى تحرير المعلومات وإتاحتها للجميع، بلا مقابل، تحقيقا لحلم شوارتز ولما كان يسعى إليه بكل طاقته. (أنظر المقال: عبقري الانترنت انتحر عن 26 عاما آرون شوارتز. هل راح ضحية ايمانه بحرية المعلومات. العربي العلمي، ص 56، العدد 16، نيسان/ابريل 2013). (2) زلزال أكويلا: القتل بالإهمال، أم الراعي والذئب؟ وأخيرا، حكمت المحكمة بالسجن 6 سنوات على علماء الزلازل الطليان الذين صرحوا بأن لا احتمال لحصول زلزال عنيف في المنطقة، وبعد ذلك التصريح بأسبوع وقع زلزال أكويلا في نيسان 2009، وراح ضحيته 309 قتلى، إضافة إلى 1500 جريح. تعرضنا في صفحتنا هذه بتاريخ 9 آذار 2012 إلى المحاكمة الغريبة التي تعرض لها هؤلاء المختصون بمقال عنوانه : محاكمة علمية غريبة. تبدأ القصة بحصول سلسلة من الهزات الخفيفة طوال عدة أشهر في منطقة ابروزي في ايطاليا. ثم أعلن أحد الهواة عن قرب وقوع زلزال عنيف فتزايد القلق الشعبي. اجتمعت لجنة مكونة من ستة مختصين بالزلازل، إضافة إلى مسؤول في الدفاع المدني، وكان الرأي الذي خرجوا به، أنه على الرغم من أن النشاط الزلزالي خلال الشهر الماضية قد زاد خطر وقوع زلزال عنيف، إلا أن احتمال ذلك يبقى صغيرا جدا، وأن الوضع العام مطمئن. اعتبرت عائلات الضحايا الذين سقطوا في الزلزال العنيف بعد أسبوع من تصريح اللجنة المطمئن، أن اللجنة تتحمل المسؤولية عن بقاء الناس في بيوتهم وبالتالي حدوث وفيات وإصابات، فرفعوا دعوى ضد هذه اللجنة. بعد صدور الحكم بالسجن، ساد شعور بالصدمة والاستنكار. كيف يعاقب باحثون لأنهم عجزوا عن توقع ظاهرة لا يمكن توقعها عادة. هذه السابقة الخطيرة قد تؤدي لنتائج ضارة من أكثر من ناحية: فالمختص سيتردد في المستقبل في إعطاء رأيه في أمر مشابه، خاصة إذا كان مقتنعا بضآلة احتمال حصول زلزال كبير؛ فقد يحدث الزلزال دون أن يكون أي مختص قد أعلن أية توقعات. وفي المقابل، وحتى لا يحصل للمختصين ما حصل لزملائهم الذين حكم عليهم بالسجن، فإنهم قد يطلقون تحذيرات من احتمال وقوع زلازل كبيرة، مهما كانت المؤشرات ضئيلة. ولهذه الممارسة مخاطرها. في البداية ستتخذ إجراءات لإجلاء الناس من المواقع المهددة بالخطر وهذه عملية مكلفة ومزعجة لكل من السكان المعنيين وللسلطات ذات العلاقة. وإذا تكررت التحذيرات والإجلاءات دون مبرر حقيقي، فإن الناس بعد فترة لن يعيروا التحذيرات أي اهتمام، حتى لو كانت هذه المرة جدية وخطيرة. تماما مثل قصة الراعي الذي أحب أن يمزح مع سكان قريته، فصاح: الذئب الذئب. هرع أهل القرية لنجدته ليجدوه يضحك ساخرا منهم. وكرر فعلته بضع مرات حتى لم يعد أحد يصدقه. وحين هاجمه الذئب فعلا وصاح يطلب النجدة لم يجد أحدا يصغي لاستغاثته.

في مواجهة الغش العلمي


المحرر العلمي، العرب اليوم، 14/5/2013 قبل مئة سنة، في 18/12/1912، اجتمعت الجمعية الجيولوجية في لندن اجتماعا غير عادي لعرض أقدم جمجمة إنسان، الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد! اكتشفها جيولوجي هاو اسمه تشارلز دوسُن، وصادق على صحتها خبير في المتحف البريطاني.ابتهج أعضاء الجمعية لأن أقدم إنسان بريطاني. وأطلق عليه اسم "انسان بلتداون" (المنطقة التي عثر عليه فيها) أو إنسان دوسن، على اسم المكتشف. ولم يتبين زيف هذا الكشف إلا عام 1949 حين استخدم باحث في المتحف البريطاني وسائل فحص وتحليل مستحدثة مثل تحديد نسبة الفلور، تم تحديد نسبة الكربون 14 عام 1953، وظهر أن الجمجمة تعود لبضعة قرون فقط، لكنها عولجت بمواد كيميائية لتبدو مفرطة في القدم. لماذا يغش الباحثون؟ لا شك أن العلم والغش لا يتفقان. فالبحث العلمي يتطلب أساسا النزاهة والصدق والموضوعية، وهو منزه عن الهوى، فالباحث لا يسعى لإثبات فرضية مسبقة يؤمن بها، وإنما يختبر صحة الفرضية حسب أساليب المنهج العلمي المعتمدة. لكن الباحث قد يتعجل أحيانا نشر نتائجه حتى يحصل على التمويل اللازم لأبحاثه، أو حتى يحقق المتطلبات الأكاديمية في جامعة بغرض الترفيع مثلا. ويبقى سببب مهم هو الرغبة في تحقيق الشهرة، عن طريق الإثارة الإعلامية.  أنماط الغش وأساليبه: تناقش مجلة العلم والحياة الفرنسية في عددها لشهر 12/2012 هذا الموضوع في 11 صفحة. ونقدم فيما يأتي خلاصة لأهم ما جاء فيه.  الانتحال: مع طوفان المعلومات على الإنترنت حاليا، انتشرت بين الطلبة بشكل خاص ممارسة " النسخ واللصق" (copy + paste) لكتابة مقالة أو بحث دون جهد يذكر. لكن " النسخ واللصق" لا يقبل من الباحثين، إلا إذا أشار الباحث إلى المصدر، وبشرط أن لا تمثل هذه المقتبسات نسبة كبيرة من البحث.  إخفاء تضارب المصالح: إذا كان باحث يقيمّ سمّية منتج دوائيّ أو غذائي ما، فمن الصعب أن يدّعي الموضوعية إذا كانت الشركة صاحبة هذا المنتج هي التي تموّل أبحاثه. وقد كان هذا هو الحال لسنوات طويلة فيما يتعلق بالأبحاث على التبغ، وعلى القهوة حاليا.  ادعاء المشاركة أو إغفالها: يشارك في التوقيع على أوراق البحوث أحيانا أشخاص لم يشاركوا فيها أصلا. وعادة ما يضاف اسم شخص بارز بهدف إضفاء أهمية على البحث. أو يضع هذا الشخص اسمه على البحث بحكم منصبه أو نفوذه، على الرغم من عدم مشاركته فيه. وفي المقابل فإن بعض الأبحاث يجريها باحثون صغار أو مراكز دراسات مأجور؛ ويحصل الباحث الحقيقي على أجرة مالية، في حين ينسب الفضل في البحث إلى من يدفع الثمن.  خيانة الثقة: قبل أن تنشر المجلات العلمية تقرير البحث، تحوله عادة إلى محكمين ليوافقوا عليه ويعدلوا فيه. يقع هؤلاء المحكمين تحت إغراء كبير للاستفادة من بعض نتائج البحث، سواء بإفشائها لآخرين، أو بطلب دعم مالي لهم شخصيا اعتمادا عليها.  إخفاء معطيات مناقضة: بعد إعداد تقرير البحث، قد يحصل الباحث على معطيات جديدة مناقضة لما توصل إليه، لكنه قد يهملها أو يخفيها حتى لا تؤثر على نتائجه السابقة.  تزوير النتائج: في آذار 2004 أعلن الكوري هوانغ وو- سوك أنه استنسخ أول طفل بشري، ورشح لنيل جائزة نوبل في الطب، لكن أحد مساعديه كشف عن أن الطفل كان في الواقع طفل أنابيب بتلقيح عادي بين حيوان منوي وبويضة.  تزوير المعطيات: تحدثنا في البداية عن جمجمة بلتداون، حين جرى تزوير البيانات، ومن الأمثلة الأخرى ما فعله عالم النفس الهولندي ديدرك ستابل، الذي كان يعبئ بنفسه الاستبانات الموجهة للجمهور؛ وأيضا كشف أمره ثلاثة من أعضاء فريقه البحثي. أخيرا نورد بعض المؤشرات على استفحال ظاهرة الغش والتدليس والتزوير والاحتيال والانتحال في مجال الأبحاث العلمية. مثلا خلال الفترة 2006 – 2011 كان عدد المقالات العلمية التي سحبت بعد نشرها أكبر بخمسة اضعاف من عددها خلال الفترة 2000 – 2005، وكان معظمها في علم الأحياء والصيدلة والطب. ودلت دراسة أجريت على 630 مقالة طبية نشرت عام 2008 بأن 18% منها حملت توقيع أشخاص "شرف" لا علاقة لهم بالبحث، كما أن 8% منها أجراها أشخاص مجهولون اكتفوا بتلقي أجرهم النقدي عليها. Science et Vie Dec.2012

لماذا يتعبنا الوقوف أكثر من المشي؟

سؤال وجواب: حسام مدانات، العرب اليوم، 14/5/2013 لعلّ كلا منا قد مر بهذه التجربة أكثر من مرة. فالوقوف بانتظار الباص مثلا يتعب أكثر من المشي للفترة نفسها. قد تفسر هذه الظاهرة انطلاقا من الشعور بالملل أثناء الانتظار، مقابل متعة مشاهدة المناظر المتغيرة أثناء المشي والتنزه. هذا صحيح جزئيا؛ لكن الإجهاد الناجم عن الوقوف الطويل صحيح وحقيقي، ويمكن تفسيره جسديا وليس نفسيا فقط. ليس وضع الوقوف وضعا طبيعيا للجسم. فالضغط يتركز على أخمص القدمين. وإذا طال الوقوف تعاني القدمان من الإنهاك. خاصة بسبب الحاجة لبذل جهد لحفظ التوازن، ويقوم بهذه المهمة باستمرار عضلات في بطة الرجل وفي أعلى الفخذ، لموازنة تأثير الجاذبية الأرضية وتأثير حركة الرياح. وإذا طال الوقوف، فإن الجاذبية تزيد تركيز الدم في أوردة الساقين فيلجأ الجسم إلى عدة آليات لدفع الدم إلى الأعلى باتجاه القلب، وهذا يشكل عبئا إضافيا على القلب. وفي المقابل، فإن المشي يعتبر رياضة تحرك عضلات الرجلين وتنشطهما، وتفعل فعل المساج المنشط لأخمص القدمين. كما أن المشي يجعل إحدى القدمين في الهواء نصف الوقت. ما يخفف الضغط عليها ويريحها، ويعمل هبوط القدم على الأرض على دفع الدم في الأوردة إلى الأعلى ما يخفف العبء على القلب.

لماذا يفسد السمك سريعا؟

حسام مدانات، العرب اليوم، 14/5/2013 حين تقترب من ثلاجات عرض الأسماك في المخازن الكبرى، غالبا ماتصدمك الرائحة المميزة والمنفرة للسمك غيرالطازج. نعلم أن الأردن ليس بلدا منتجا للأسماك بمعنى الكلمة (كما أنه غير منتج لمعظم ما يستهلك من طعام). ومعظم ما تجده في السوق من السمك مستورد، مبردا ( تحت تسمية سمك طازج) أو مجمدا، (ولا نتحدث هنا عن أنواع الأسماك المعلبة، ونعني بذلك السردين والطن خاصة). وكثيرا ما تناقلت وسائل الإعلام المحلية أنباء إتلاف سمك مصاب بالديدان أو يحتوي على معادن ثقيلة سامة. فما الذي يجعل السمك أكثر عرضة من غيره من اللحوم، للفساد والتلف السريع؟ يفسد اللحم (حسب كتاب "الغذاء: تلوثه، سلامته، ثقافته"، تأليف د. هاني مسلم الضمور) لعدة أسباب: أولا التحلل الذاتي لمكوناته الغذائية، خاصة البروتينات، والتحلل أسرع في السمك بسبب نشاط أنزيماته الزائد. ثانيا، تسرّع الميكروبات إفساده لأن حموضته منخفضة ونسبة الرطوبة فيه عالية، خاصة حين يحدث ما يسمى بالتيبس الرمّي، أي تسرب الماء من الخلايا، فتتوفر بيئة صالحة لنمو الميكروبات، إذا لم يكن التبريد كافيا. وثالثا، تتأكسد دهون السمك أسرع من غيرها، فتفوح رائحة الزنخة التي تتصف بها عادة الدهون المتأكسدة . الخلاصة أن تناول الأسماك المعلبة أسلم غالبا لأنها عادة ما تعلب على ظهر السفن فور صيدها. كما أن الأسماك المجمدة قد تكون آمن من المبردة، التي تباع باعتبارها طازجة؛ لأن التبريد أثناء شحنها قد لا يكون كافيا لايقاف نشاط الميكروبات ونموّ الديدان وتكاثرها؛ في حين أن تجميد الأسماك يتم عادة فور صيدها وبوسائل التجميد الصناعي السريع، الذي لا يسمح للميكروبات بالنموّ.