Powered By Blogger

السبت، 11 فبراير 2012

الملف الأسود للطاقة الخضراء

قدمت الطاقة الخضراء نفسها كحل سحري للمشاكل التي يسببها حرق الوقود الأحفوري ( النفط والغاز والفحم ) والمتمثلة في الاحتباس الحراري ( ارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب تراكم نواتج الأحتراق في الغلاف الجوي ) وايضا كبديل عن النفط الذي يوشك على النفاذ.
لكن هذه الطاقة الخضراء ليست في الحقيقة " خضراء " بالدرجة التي نتخيلها . كما أن كفاءتها ليست كافية لتسد حاجات كوكبنا من الطاقة .
الطاقة الخضراء أو المتجددة تعبير يشمل مختلف مصادر الطاقة التي مصدرها الأساسي طاقة الشمس ، وهي طاقة دائمة التواجد على الأقل حتى بضعة بلايين قادمة من السنين .
فيمكننا استغلال الطاقة الشمسية مباشرة للتدفئة وتسخين الماء ، أو لتوليد الكهرباء ، أو استغلال طاقة الريح ومياه الأنهار وهي أيضا ناتجة عن الطاقة الشمسية . كما أن الطاقة المخزنة في النباتات والحيوانات أصلها الطاقة الشمسية . ونذكر هنا توجه بعض الدول كالولايات المتحدة والبرازيل لتحويل محاصيل زراعية كالذرة الى وقود للسيارات وغيرها ، مما ساهم في تفاقم أزمة الغذاء العالمية مؤخرا وارتفاع أسعار الحبوب وبالتالي مختلف المواد الغذائية .
خلال ربع القرن الماضي شهد توليد الكهرباء من الشمس تزايدا سنويا بمعدل 41% ، كما تزايد انتاج الطاقة من الرياح بنسبة 28% سنويا ، هذه الارقام توحي بمستقبل زاهر للطاقة المتجددة ، وبأنها ستوفر معظم حاجاتنا من الطاقة . خاصة اذا تذكرنا أن مصدر هذه الطاقة المتجددة هائل ودائم ، فالشمس تزود سطح الأرض باستمرار بما يعادل (8000) ثمانية آلاف مرة مقدار الطاقة التي يستهلكها البشر حاليا . وتتحول هذه الطاقة الشمسية الى أشكال أخرى من الطاقة : رياح ، وتيارات بحرية وأنهار وطاقة حيوية في النباتات ومنها في الحيوانات التي تتغذى على النباتات . فهل مستقبل الطاقة المتجددة زاهر حقا؟
الجواب هو، لسوء الحظ ، بالنفي ، فالطاقة المتجددة تعاني – بضعة عيوب جوهرية . أول هذه العيوب أن كفاءة الطاقة المتجددة متدنية جدا باعتبار المساحة اللازمة . فعلى سبيل المثال يمكن تزويد مدينة باريس بحاجتها من الطاقة من مفاعل ذري يحتل مساحة 2ر0 كم مربع ( 200 دونم ) واذا أردنا الاعتماد على الطاقة الشمسية لتزويدها بحاجتها من الطاقــة ، فيلزم مساحة 91 كـم مربع ( 91000 دونم ) تغطى بالواح تحول طاقة الشمس الى كهرباء .
واذا انتقلنا الى الطاقة المائية فان المساحة ستكون أكبر ( 365 كم مربع ) وطاقة الريح 454 كم مربع أما الطاقة الحيوية من النباتات فهي الأقل كفاءة إذ سيلزم زراعة ما مساحته ( 3000) كم مربع أي 3 ملايين دونم لتوفير الطاقة اللآزمة لهذه المدينة .
لا شك أن مساحة سطح الأرض هائلة ومعظمها غير مستغل ، وخاصة في الصحاري والمحيطات . لكن على المستوى المحلي ، يصبح موضوع توفير المساحات الكافية لتوليد الطاقة المتجددة أمرا صعبا ومكلفا .
بالاضافة الى مشكلة المساحة الكبيرة اللازمة ، فان توليد الطاقة المتجددة بأنواعها يتطلب تجهيزات وانشاءات مكلفة ، مثل السدود لاستغلال طاقة المياه الجارية ، أو الألواح الشمسية أو المراوح الهوائية .
وهنا نأتي الى العيب الثاني ، وهو أن الطاقة الخضراء ليست خضراء بالدرجة التي قد يوحي بها اسمها . فالتجهيزات والمرافق اللازمة لتوليد الطاقة المتجددة تتطلب مراحـل تعدينية وتصنيعية تستهلك كميـات كبيرة من الطاقـة ( غير المتجددة ، كالنفط ) وما يرافق ذلك من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت الملوثة للجو .
فمثلا اذا أردنا انتاج غيغاواط واحد من الكهرباء باستخدام طاقة الريح ، يلزمنا منشآت من الباطون المسلح ( الخرسانة ) قدرها 360 طنا .
وترتفع هذه القيمة للطاقة الكهرمائية الى 1240 طنا ( لبناء السدود ).
أما تحويل الطاقة الشمسية الى كهربائية فهو يتحقق باستخدام الواح زجاجية تحتوي على السلكون ، الذي يحتاج انتاجه كميات كبيرة من الطاقة ، بل أكبر بكثير من أي مصدر آخر للطاقة المتجددة .
أخيرا لا بد من القول أن مستقبل البشرية يكمن في الطاقة المتجددة ( وربما النووية أيضا ) ، لأن مصادر النفط والفحم ستنضب يوما ما . لكن هذا لن يكون بالأمر السهل ، ولن تكون هذه المصادر كافية اذا لم يغير البشر عاداتهم الحالية في الاستهلاك المفرط لمصادر الطاقة . حتى لا يضطر أحفادنا الى الاختيار بين تناول كفايتهم من الطعام أو التزود بحاجتهم من الطاقة لتزويد سياراتهم ومنازلهم بها .

Science et Vie 3/2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق