خلال السنوات العشرين الماضية تزايد استخدام تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي في المجال الطبي لتصبح إحدى التقنيات الرئيسية في التصوير الطبي بجانب الأشعة السينية (اكس) والموجات فوق الصوتية (التراساوند) و التنظير أو القسطرة...
وتدل إحصاءات التأمين الصحي في فرنسا على إجراء 45 مليون عملية تصوير بالرنين المغناطيسي لديهم خلال 2007 ، بزيادة 16.2 % عن السنة السابقة وهي أعلى نسبة زيادة من بين تقنيات التصوير الطبي.
كما يعتبره 67% من الفرنسيين اختراعاً تقنياً لا غنى عنه، وهو يتفوق بذلك كثيراً على الانترنت مثلاً الذي لم يحصل إلا على نسبة 25%.
وفي بداية 2009 بلغ عدد أجهزة التصوير المغناطيسي في فرنسا 463 جهازاً. علماً أن ثمن الجهاز الواحد نحو مليوني دولار وتكلفة الصورة في فرنسا 315 يورو مغطاة بالكامل بالتأمين الصحي.
تقنية غير مؤذية
لا تتضمن هذه التقنية حقن مواد مشعة في الجسم ولا التعرض لأشعة اكس (التي لا ينصح بتكرارها ولا بتعريض المرأة الحامل لهل بسبب تأثيرها على الجنين). كما أنه لا يتطلب إدخال أدوات تصوير داخل الجسم كما في حالة التنظير أو القسطرة.
يعتمد مبدأ عمل التصوير بالرنين المغنطيسي على تعريض المريض لمجال مغنطيسي، والذي بدوره ينشط أنوية الهيدروجين الموجودة في الماء - ونعلم أن جزيء الماء يتكون من الهيدروجين والأكسجين- ويتواجد الماء بنسب مختلفة في أنسجة الجسم، كما أن نسبة الماء تختلف بين الأنسجة السليمة والمريضة. تنتظم أنوية الهيدروجين بتأثير المجال المغنطيسي في اتجاه واحد. ثم تغير اتجاهها بتأثير أشعة راديو توجه نحو جسم المريض (وهذه هي ظاهرة الرنين، كما يحصل عندما تهتز شوكة رنانة بتأثير اهتزاز شوكة رنانة مماثلة لها وليست ملامسة لها.
وعندما يتوقف بث أشعة الراديو تعود ذرات الهيدروجين إلى حالتها الأصلية وتنتظم ثانية حسب المجال المغنطيسي وتعيد بث الطاقة التي اكتسبتها من أشعة الراديو على شكل إشعاعات.
هذه الإشعاعات هي التي تسجل وتعالج حاسوبياً لتشكل صورة لخلايا الجسم وأنسجته. وإذا كان الهدف من التصوير بالرنين المغنطيسي هو كشف الإصابة بالسرطان، فإنه يتم حقن الجسم أولاً بسائل خاص. وهذا السائل يميل للتركز بكمية أكبر داخل الخلايا السرطانية، مما يجعل هذه الخلايا ترسل أشارات أو إشعاعات أكثر أثناء عملية التصوير.
يسمح الرنين المغنطيسي بالحصول على صور عادية أو مجسمة ثلاثية، مما يتيح تحليل تركيب الأنسجة اللينة (مقارنة مع الأنسجة الصلبة أي العظم) وكشف وجود ورم أو التهاب أو نزف أو تشوه في الأنسجة الداخلية. كما يظهر حجم الورم ومدى انتشاره ويسمح بتحديد نوعه: خبيث أم حميد....وتبين الصور أيضاً أي شذوذ في الأنسجة لا تظهره صور أشعة اكس.
وعلى سبيل المثال يكشف الرنين المغنطيسي عن ثلاثة أرباع حالات الإصابة بسرطان الثدي مقابل الثلث لأشعة اكس.
لمحة تاريخية:
في عام 1930 لاحظ الفيزيائي الأمريكي (من أجل مجري) أزيدور اسحق رابي ظاهرة الرنين المغنطيسي النووي، إذ تهتز نواة عنصر معين بعد أن تمتص أشعة كهرومغنطسية بوجود مجال مغنطيسي قوي ثم تعيد بث الطاقة عند إيقاف الأشعة التي كانت قد وجهت إليها.
وفي 1946 وصف الأمريكيان فلكس بلوش وادورد بورسل هذه الظاهرة عن طريق دراسة تركيب الذرة. فانتشر استخدام الرنين المغنطيسي في مختبرات الكيمياء لدراسة أطياف العناصر.
لكن توجب انتظار عام 1971 لنشهد أول تجربة لتطبيق الرنين المغنطيسي في المجال الطبي، وذلك على يدي الأمريكي ريمون دماديان. ثم طور التقنية الأمريكي بول لوتربرغ ونشر مقالة عنها في مجلة الطبيعة (نيتشر) الأمريكية.
وفي عام 1975 حقق بيتر منسفيلد أول صورة لأنسجة الجسم بهذه التقنية، ثم أنجز دماديان عام 1977 أول صورة للجسم بأكمله (الصورة المرفقة) بالرنين المغناطيسي.
وفي عام 1990 طور الياباني سجي أغاوا الرنين المغنطيسي الوظيفي الذي استخدم لسبر الدماغ ووظائفه، وكشف كيفية عمله. وتفسير ذلك هو أن أجزاء الدماغ المسؤولة عن مهمة معينة تتلقى دماً أكثر أثناء نشاطها، مما يجعلها تطلق إشارة أقوى أثناء تصويرها مغنطيسياً.
وتوجب انتظار عام 2003 حتى يحصل منسفيلد ولوتربرغ على جائزة نوبل في الطب تقديراً لإنجازاتهما في هذا المجال، والتي جعلت من هذه التقنية حالياً إحدى أهم وسائل التشخيص الطبي.
ويجدر بنا أخيراً أن نشير إلى بعض نقاط ضعف هذه التقنية أو سلبياتها:
فبعض المرضى لا يحتملون وضعهم داخل "نفق" الجهاز لفترة قد تصل إلى الساعة. وخاصة أولئك المصابون برهاب الحجز الذي يخافون الأماكن المغلقة، وكذلك الأمر بالنسبة للأشخاص الكثيري الحركة.
كما أن الصورة تتأثر وتتشوه إذا كان المريض يحمل وشما يتضمن أملاحا معدنية. كما لا ينصح بالتصوير المغنطيسي إذا احتوى جسم المريض على قطع معدنية مثل منظم القلب أو شبكات في الشرايين أو مضخة أنسولين، وذلك لأن المجال المغنطيسي القوي للجهاز، ويساوي نحو 1500 مرة مجال الأرض المغنطيسي، قد يجذب العناصر المعدنية الفرومغنطيسية.
وأخيراً نذكر أن السائل الذي يحقن في حالة التصويربالرنين المغنطيسي لكشف السرطان قد يؤثر على المرضى المصابين بفشل كلوي وقد يؤدي لوفاتهم.
Science et Vie 5/2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق