الاستدامة هي القدرة على الاستمرار، البقاء ، الدوام، الصمود (فيما يخص البشر مثلا:لأفراد الجيل الحالي وللأجيال القادمة).
قبل 25 سنة ظهر مصطلح sustainability باللغة الانجليزية. ( نلاحظ مثلا أن قاموس Webster’s Dictionary ، طبعة 1992، لا يتضمن هذه الكلمة، وإنما sustenance). وقد انتشر استخدام المصطلح في مختلف المجالات، بدءا من علم البيئة، الى الاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع والزراعة وغيرها. كما تم اعتماد المصطلح أو ترجمته في مختلف دول العالم ولغاتها. وهو يتضمن في معناه أيضا مفهوم الوحدة، والعلاقات المتبادلة الوثيقة بين مختلف مكونات العالم وعناصره، سواء كانت كائنات حية أو موارد طبيعية، والتي تشمل الماء والهواء والمعادن. وتعرف الاستدامة في علم البيئة بأنها بقاء الأنظمة الحيوية متنوعة ومنتجة بمرور الزمن. وهذا يمثل شرطا لرفاه الإنسان، وربما بقائه أيضا.
والواقع أن الاستدامة ليست مفهوما جديدا تماما وغريبا عن الممارسات البشرية في كل زمان ومكان، ففلاحنا الذي يفلح الأرض سنة ويتركها سنة (كراب) كان ينطلق من الرغبة في عدم انهاك الأرض ولإبقائها منتجة على الدوام.
والسويدي الذي يمتلك غابة ويقطع منها عددا من الأشجار كل سنة لبيعها كأخشاب، ويزرع بدلا منها، يتصرف بعقلانية لتبقى الغابة منتجة له ولأولاده وأحفاده.
وهذا بالطبع لا يتفق مع ممارسات غريبة حاليا، لدينا ولدى غيرنا، في نهب الثروات الوطنية، مهما رافق ذلك من تخريب، وكأنه سلوك شخص لا يهمه مستقبل أولاده وأحفاده، أو لا علاقة له بالبلد ولا ينوي البقاء فيها.
إحصاءات داعمة
في بحث جديد (تشرين ثانٍ 2011) نشر في دورية الأكاديمية الوطنية (الأمريكية) للعلوم، وقام به باحثان في المعلوماتية (في جامعة انديانا ومختبر لوس ألموس الوطني) نجد أنهما قاما بدراسة احصائية واسعة توضح كيف أن الاستدامة في طريقها لتصبح علما مستقلا واسع الانتشار.
جرت مراجعة عشرين الف بحث أكاديمي من 174 دولة. وحللت البيانات للخروج باستنتاجات عديدة حول الأبحاث في هذا المجال.
ظهر أن عدد الباحثين في الاستدامة على مستوى العالم كان يتضاعف مرة كل 8 سنوات وأربعة اشهر وذلك خلال الفترة 1971-2010 .وقد لا يكون هذا الأمر مستغربا بالنسبة لمجال بحث أو علم جديد. وحلل الباحثان تطور الأوراق المنشورة لكل من الباحثين الأفراد، والتوزع الجغرافي، وتداخل الاستدامة مع المجالات العلمية الأخرى، وهيكلية وتطور الشبكة العلمية العالمية في الاستدامة، ومحتوى المواد المنشورة، واستنتجا أن هذا المجال قد اصبح علما راسخا خلال السنوات العشر الماضية، وأنه يتضمن شبكات عالمية يتعاون فيها العلماء وينتجون أفكارا ومفاهيم جديدة تجد صداها في أنحاء العالم.
وبالمقارنة مع المواضيع المتخصصة كالعلوم الطبيعية التي تتركز أبحاثها في بضع مدن في الدول المتقدمة، فإن أبحاث الاستدامة تتوزع في دول ومدن كثيرة، متقدمة ونامية على السواء. وتبين أن المدينة التي تصدر منها أكثر الأبحاث في الاستدامة هي واشنطن العاصمة متفوقة على بوسطن وغيرها من المدن الرائدة في المجالات العلمية الأخرى.
أما الدول العشر الأكثر إصدارا لأبحاث في الاستدامة فكانت على الترتيب: استراليا، هولندا، بريطانيا، البرازيل، الصين، الهند، جنوب افريقيا، نيجيريا، كينيا، وتركيا. لاحظ أن دولا متقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان ومعظم الدول الأوربية لم يرد أي منها ضمن هذه القائمة. وكذلك الأمر، للأسف بالنسبة للدول العربية. وفي المقابل ، فإن ورود أسماء دول مثل كينيا ونيجيريا يثير الدهشة.
أبحاث الاستدامة في العلوم المختلفة
وفيما يتعلق بتوزع أبحاث الاستدامة حسب المجال العلمي، فقد كان ثلثها في العلوم الاجتماعية، والربع في علم الأحياء، والخمس في الهندسة. وتقدم الدراسة النسب الجزئية لفروع كل من هذه المجالات، فنجد مثلا أن نحو ربع أبحاث الاستدامة في الهندسة تتعلق بعلم التربة. ولوحظ أن علم الاستدامة يظهر بقوة في جامعات ومختبرات صغيرة وغير بارزة أو مرموقة على مستوى العالم، وأنه يتلقى الدعم من مدن وحكومات دول نامية بحيث تفوقوا في ذلك على مدن ومجتمعات عريقة في الانتاج العلمي.
Eurekalert, 21/11/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق