Powered By Blogger

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

سابقة فلكية: متابعة سقوط نيزك

حسام جميل مدانات

حوالي منتصف ليلة 6/10/2008 كان رتشرد كوالكسي يجلس أمام حاسوبه في مرصد جبل لمون في ولاية أريزونا الأمريكية وفجأة لفت انتباهه نقطة متحركة على الشاشة.
وكانت أول فكرة خطرت له أن هذه النقطة تمثل نيزكا يقترب من الأرض، فما كان منه الا أن ارسل احداثيات هذه النقطة المتحركة الى مركز الكويكبات في كمبرج، حيث يحسب المسار ويحدد تلقائيا ولحظيا بواسطة الحاسوب. وكان الاستنتاج قاطعا. انه نيزك يتحرك بسرعة كبيرة متجها نحو الأرض. أعطي هذا النيزك الرقم 2008 تي سي. ودلت حسابات سريعة أنه سيسقط في شمال السودان، بعد أقل من 13 ساعة.
لحسن الحظ، كان هذا النيزك صغيرا نسبيا، بقطر 4م تقريبا. لكن هذا الحدث كان مميزا فعلا. مما دفع بمدير مركز الكويكبات أن يتصل برقم الطوارئ في وكالة الفضاء الأمريكية، ناسا، ليبلغهم بالنبأ الاستثنائي: أن نيزكا سيضرب الأرض خلال ساعات. وخلال ثوان تم نشر النبأ حول العالم على شكل مذكرة تحذيرية. أثار الخبر حماس علماء فيزياء الفضاء. وتوجهت تلسكوبات العالم نحو النيزك لتتابع مساره.
قبل 35 دقيقة من اصطدام النيزك بالغلاف الجوي، أبلغ النبأ للقبطان رن دي بورتر، قائد الرحلة 592 لشركة طيران ايرفرانس المتجهة من جوهنسبرغ في جنوب افريقيا الى امستردام في هولندة. واستنتج الطيار من حساباته داخل قمرة القيادة بأن النيزك سيمر على بعد 1400 كم من طائرته أثناء مرورها فوق السودان. في الوقت المحدد، دخل النيزك الغلاف الجوي بسرعة 40000كم/ساعة وتحطم بتأثير الصدمة الى عدة مئات من الشظايا، وقدرت الطاقة الناتجة عن الصدمة بعشر الطاقة التي اطلقتها القنبلة النووية التي القتها أمريكا على هيروشيما في اليابان عام 1945. راقب الطيار دي بورتر وطاقمه مشهد اختراق النيزك للجو بذهول، كما تابعت المشهد الأقمار الصناعية الخاصة بالطقس وأشخاص كثيرون على سطح الأرض.
لا شك أن هذه الحادثة غير عادية، لأنها المرة الأولى التي يتابع فيها الفلكيون سقوط نيزك على سطح الأرض طوال 13 ساعة.


45 متطوعا للبحث عن الشظايا
يعمل بيتر جنسكنز، في معهد أبحاث الذكاء الفضائي في كاليفورنيا. ونظرا لاستحالة وصوله الى الموقع المقدر لسقوط النيزك مسبقا، فانه أجرى اتصالاته مع جامعة الخرطوم لمتابعة الموضوع. فاستجاب معاوية شداد المدّرس في هذه الجامعة، ونظم حملة ضمت 45 باحثا علميا وطالبا للسعي للعثور على شظايا النيزك في صحراء السودان. في 6/12/2008 انطلق جنسكنز مرافقا الحملة نحو الموقع الذي يعتقد أن الشظايا قد سقطت فيه. شكلت المجموعة صفا طوله 1كم وساروا جنبا الى جنب لمشط المنطقة المعنية. ومع نهاية الحملة تم جمع 280 قطعة من حطام النيزك، مجموع أوزانها 5كغم. وقد أعيدت تسمية النيزك ليصبح اسمه المحطة 6، حسب اسم المنطقة التي عثر على حطامه فيها.
جرى توزيع هذه الشظايا على مختلف الجامعات ومراكز البحث المهتمة في العالم، وقد تبين فورا أن النيزك مكون من معدن اليورليت الذي يحتوي على نسبة عالية من الكربون. وهذا النوع من النيازك نادر جدا. وكانت المفاجأة الثانية أن قوام النيزك مليء بالمسامات والفجوات، أي أن كثافته منخفضة جدا. وهذا يناقض التوقعات المبنية على رصد النيزك عندما كان يقترب من الأرض. اذ توقع الفلكيون أن يكون أكثف بكثير. إن هذا الكشف سيجعل العلماء يصححون طرقهم واستنتاجاتهم التي يستخلصونها من رصد هذا النوع من النيازك، والذي ينتمي الى حزام الكويكبات الواقع بين مداري المريخ والمشتري. تعتبر الأجرام في هذا الحزام بقايا سديم أو غبار كوني كان يحيط بالشمس قبل 4.5 مليار سنة، أي قبل أن تتشكل كواكب المجموعة الشمسية.
ورغم نشر النتائج الأولية للتحاليل مؤخرا، فان الأبحاث تتواصل لاستخلاص كل ما يمكن استخلاصه من هذه السابقة الفضائية. ومن ذلك استنتاج الموقع الأصلي لهذا النيزك في حزام الكويكبات بناء على مساره الذي جرت مراجعته خلال 13 ساعة قبل تحرره من الحزام وحتى اصطدامه بسطح الأرض في صحراء السودان.

Science et Vie June 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق