Powered By Blogger

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

الذهب : نحو استخدامات جديدة

(المجلة الثقافية- عدد مزدوج 64/65)

نعتقد جميعنا بأننا نعرفه جيدا، ويحلم معظمنا (او جميعنا) بامتلاك الكثير منه... بالعثور على كنز او خزنة من الذهب. فهو منذ القدم رمز الثروة والجاه. ولذلك سببان: فهو معدن نبيل ونادر معا. واستخدم عبر العصور في النقود والحلي، لكنه الآن يوسع مجال استعمالاته الى الالكترونيات والطب... رغم ندرته وارتفاع ثمنه.

وقد نشرت مجلة العلم والحياة الفرنسية في عددها لشهر آذار 2005 ملفا في 16 صفحة عن الذهب، نقدم هنا خلاصة له.

مشرق كالشمس
يسمى الذهب باللاتينية Aurum (ومنها رمزه الكيميائي Au) . هذه الكلمة تعني ايضا الفجر او شروق الشمس. ويتصف الذهب بخواص كيميائية وفيزيائية مميزة، فهو لا يتأكسد ولا يصدأ، ولا يتأثر بمعظم الحوامض. وهو من الفلزات القليلة التي تتواجد حرة في الطبيعة.

ومن خواصه الفيزيائية المتميزة قابليته الفائقة للطرق والسحب.
فمثلا يمكن تحويل غرام واحد من الذهب الى سلك طوله ثلاثة كيلومترات دون ان ينقطع، ويمكن طرقه وبسطه على شكل صفيحة مساحتها متر مربع وسمكها 0.066 من الميكرومتر (او الميكرون، ويساوي جزءا من مليون من المتر) وهذه الصفيحة رقيقة لدرجة تمكن الضوء من اختراقها. والذهب موصل ممتاز للحرارة والكهرباء. كل هذه الخواص ترشحه لتطبيقات هامة في مجالات الصناعات الجوية والفضائية والالكترونيات وحتى الصيدلة والطب.

فلز مصدره الفضاء
تكوّن الذهب، من عناصر اخرى، في النجوم المدعوة بالمستعرات العظمى (Super nova) عندما تشكلت مجرتنا، درب التبانة منذ 12 مليار سنة، واستمرّ ذلك الى ما قبل 4.5 مليارات سنة، حين تشكلت شمسنا ومجموعتها من الكواكب. وعندما ولدت ارضنا تراكمت العناصر الثقيلة، كالحديد والنيكل والذهب، في نواتها، بينما شكلت العناصر الخفيفة كالالمنيوم والسلكون والاكسجين قشرة الارض الرقيقة. ولم تحتفظ هذه القشرة الا بآثار بسيطة من الذهب: 0.002 غ لكل طن.

ولحسن الحظ فان العمليات الجيولوجية الحرارية قد عملت على صهر فلزات القشرة الارضية ونقلها واعادة توزيعها وبروزها نحو السطح على اطراف الصفائح الارضية، ليرتفع تركيز الذهب في بعض هذه الصخور الى غرام واحد لكل طن او حتى 100 غرام للطن كما في الغرب الامريكي.

وعندما تتفتت الصخور بتأثير عوامل الحت والتجوية، يتحرر الذهب وينتقل مع مياه السيول والأنهار ليتجمع على شكل شذرات رقيقة (رقائق).

وقد انتجت هذه العملية اكثر من 60% من احتياطي الذهب العالمي.

ومن المناطق الغنية بالذهب حوض وت ووترز راند في جنوب افريقيا، الذي انتج منذ عام 1984 خمسين الف طن من الذهب (والكثير من اليورانيوم).

ويقدر الاحتياطي العالمي المعروف حاليا بنحو مئة الف طن فقط، ولا يعتقد بان الكميات القابلة للاستخراج بكلفة معقولة تفوق المليون طن من الذهب.

تنتج جنوب افريقيا حاليا ثلث الانتاج العالمي (مقابل الثلثين قبل عشرين سنة) ويليها الولايات المتحدة، استراليا، الصين، روسيا، بيرو، اندونيسيا وكندا على الترتيب اضافة الى دول اخرى بكميات قليلة (ومنها السعودية والمغرب).

ولو جمعنا كل الذهب الذي استخرج في العالم منذ خمسة آلاف سنة لشكل مكعبا ضلعه (19) تسعة عشر مترا. اي نحو (150000) مئة وخمسين الف طن (وهذا اقل من الانتاج العالمي للحديد خلال ساعة واحدة) ويقدر ان مايوجد منه بين ايدي الناس وفي البنوك لا يتجاوز (120000) طن بينما اختفت الثلاثون الف طن الباقية عبر العصور تحت الردم بسب الزلازل، او خُبئت قصدا داخل الارض ولم تُسترجع. (وهذا خبر طيب للباحثين عن الكنوز!).

ويقدرما يخبئه الناس في بيوتهم من قطع ذهبية ب (35000) طنا بينما كان مخزون البنوك في نهاية عام 2003 (28554) طنا، منها (8135) طنا في البنك المركزي الامريكي.

يقاس نقاء الذهب بالقيراط. فالذهب النقي 100 % هو ذهب 24 قيراطا. بينما الذهب من عيار 18 قيراطا يعني وجود (18)جزءا من الذهب، وستة اجزاء من فلزات اخرى.

اما من حيث توزيع الذهب بين مختلف القطاعات، فان الحلي تحتل المركز الاول (78.3 %) مقابل (9.7 %) للنقود والسبائك النقدية، و(12 %) للصناعة وطب الاسنان.

ومنذ عام 1971، عندما فك ارتباط الذهب بالدولار، اخذ سعره يتذبذب، وارتفع كثيرا اثناء الطفرات البترولية او عند تصحيح سعر النفط بعد عام 1973، ليبلغ حاليا اكثر من 400 دولار للأونصة (28 غرام) وفي المقابل فان كلفة استخراج الذهب تقدر بما معدله 278 دولارا للأونصة (رغم انخفاضها الى 170 دولار فقط في منجم بيرك في امريكا الشمالية) ولا يشمل ذلك كلفة عمليات الاستكشاف (30-40 دولارا للأونصة) او إعادة تأهيل المناجم التي تعاني من تلوث خطير بسبب عمليات استخراج الذهب. ويقدر ان اكثر من (200) مئتي طن من الزئبق تلقى في حوض الأمازون سنويا نتيجة استخراج الذهب. ويسبب تلوث الزئبق في الجسم مشاكل هضمية وكلوية وعصبية لا تشفى.

آفاق استخدام واسعة
ينتمي الذهب الى مجموعة العناصر النبيلة. فهو غير ناشط كيميائيا، وبالتالي فهو لا يتأكسد ولا يتفاعل الا مع محاليل معينة مثل الماء الملكي (خليط من حامض الهيدروكلوريك والنيتريك) او السيانور. ولا يفوقه في موصليته الحرارية والكهربائية الا الفضة والنحاس. لكنه يقاوم عوامل الجو بعكس هذين الفلزين. لذا فهو عنصر مثالي في مجال الإلكترونيات. ومنذ ولادة هذه التقانة قبل نحو ستين عاما يستخدم الذهب لصنع اغشية رقيقة على المفاتيح الكهربائية وغيرها. ويستعمل حاليا في دارات الهواتف الخلوية (المحمولة) و آلات التصوير الرقمي والحواسيب. وقد زود الرابوط (محدد الطريق) (pathfinder) الذي ارسل الى المريخ في تموز 1997 بدارات تحوي على الذهب. كما ان الذهب يفيد كستارة واقية على زجاج نوافذ المركبات الفضائية وطائرات ايربص للحماية من أشعة الشمس. واذا طليت به جدران ونوافذ المباني الزجاجية فانه يحقق وفرا في الطاقة اذ انه يعكس أشعة الشمس صيفا ويعكس الأشعة الحرارية الداخلية شتاءا.

وقد تبين ان للذهب قدرات مميزة كعامل مساعد في تفاعلات كيميائية متعددة وعلى درجات حرارية متنوعة، ومن ذلك استخدام سبيكة من الذهب والبَلاديوم في انتاج خلات الفنيل المستخدمة في الدهانات. كما انه يساعد على تحليل الديوكسين السام في الحارقات. وهو مرشح للحلول محل البلاتين للتخلص من أكاسيد النتروجين الناتجة عن احتراق الوقود في السيارات.

وفي المجال الصحي والطبي، ونظرا لمقاومة الذهب للبكتيريا وعدم اثارته لردود فعل حساسية، فهو يستخدم منذ القرن السابع قبل الميلاد لصناعة الأسنان أو لربط الأسنان الاصطناعية. وتستهلك منه صناعة الأسنان حاليا نحو 67 طنا سنويا.

وقد دخل الذهب جسم الانسان في مواقع أخرى. مثل زراعة الأذن الداخلية. ونجده في ابر الوخز في العلاج الصيني ومنظمات دقات القلب، وحول الأوعية الدموية المتضررة لدعمها. وقد صنعت كبسولات صغيرة تزرع في الجسم أو تُبتلع، للتزويد بالمطاعيم أو الأدوية المقاومة للسرطان مثلا. ويفيد في علاج الالتهاب الروماتزمي المزمن في المفاصل، كما طرحت في الأسواق لصقات تحوي الذهب والتيتان لعلاج آلام الظهر.

عن Science et vie
Mars 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق