Powered By Blogger

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

الوجه الخفي للصحاري

إذا سألتك عما يتبادر إلى ذهنك إذا سمعت كلمة " صحراء "، فقد تكون إجابتك، الفراغ، الخواء، انعدام الحياة،العدم، وربما أيضا، الرمال، حرارة الشمس اللاهبة، أو ربما الجمل أيضا.

لكن الصحراء ليست في الواقع كما تبدو لأول وهلة، وهي ليست دائما جرداء معدومة الحياة، وبعض الصحاري لم تكن كذلك في السابق، بل كانت تحفل بالحياة أشكالا وألوانا. ومخلفات هذه الحياة وآثارها ما زالت مدفونة تحت الرمال تنتظر من يبحث عنها ويكتشفها.

ولا شك أن هذا الموضوع يهم كل عربي، إذ لا يكاد يخلو أي بلد عربي من البادية أو الصحراء بنسب متفاوتة، تكاد تصل في بعضها الى 100%.


قبل استكشاف المريخ، فلنتعرف على صحارينا

هبط الإنسان على سطح القمر، وأرسل مركبات لإستكشاف سطح المريخ، لكن هذه الإنجازات العملاقة تشكل حقا مفارقة مضحكة حين نتذكر أن أجزاء كبيرة من كوكبنا الأرضي ما زالت مجهولة، سواء كانت في أعماق المحيطات، أو في مجاهل الصحاري التي لم تسلّمنا بعد كافة أسرارها. وهي اسرار تهم الباحثين من كافة التخصصات. وقد أصدرت مجلة العلم والحياة الفرنسية عددا خاصا عن كوكبنا الأرضي بعنوان: ما الذي لم نكتشفه بعد. تضمن العدد موضوعا خاصا عن الصحاري، التي تؤوي رغم قحطها الظاهر، أشكالا متنوعة من الحياة، كما تشكل الذاكرة المحفوظة لكوكبنا.

واستعرضت المجلة الأنشطة الجارية في عدد من صحاري العالم، نختار منها أبرزها:



صحراء جراب في تشاد: بحثا عن الإنسان الأول

في عام 2006، عثر في صحراء جراب التشادية على جمجمة تعود إلى سبعة ملايين سنة خلت، واعتبر صاحبها، وأطلق عليه إسم ترماي، أقدم سلف للإنسان الحالي. وسبق ذلك العثور على هيكل إنسان يعود إلى 3.5 مليون سنة في الصحراء نفسها، وذلك عام 1995. ويعتقد مشيل برونيه، أستاذ الآثار الإنسانية في كلية فرنسا بأن هذه الصحراء لم تكشف لنا عن كافة أسرارها بعد. وهو يقود منذ عام 1994 فريقا يعمل على كشف باطن الأرض في صحراء جراب.

الصحراء الكبرى : ماض خصب

قبل نحو 12000 سنة، كان مناخ الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا رطبا ماطرا، وتشكلت فيها عدة بحيرات واسعة، ما زالت بقايا بعضها ماثلة للعيان، وأذكر أن د. فاروق الباز، العالم المصري الذي يعمل مع ناسا كان قد أوضح في محاضرة له في عمان، في أواسط الثمانينات، أن الصور الرادارية الفضائية التي تكشف المعالم الموجودة تحت سطح الأرض، وخاصة إذا كان هذا السطح جافا، قد دلت على أن نهرا كبيرا كان يجري عبر الصحراء الكبرى بدءا من مصر وحتى المحيط الأطلسي، مخترقا ليبيا وتونس والجزائر والمغرب. ولا ننسى النهر الإصطناعي العظيم الذي شقته ليبيا من الصحراء وحتى الساحل شمالا، حيث تتدفق عبره كميات هائلة من المياه الجوفية الصحراوية، ليهدر معظمها في البحر.

تواترت حملات الإستكشاف في هذه الصحراء الهائلة المساحة منذ 30 سنة، حيث بلغت نحو 50 حملة. وقد استخلصت إحداها عينة جزرية طولها 25م من الرواسب في قاع بحيرة يوا في تشاد، من أجل تتبع تعاقب الظروف المناخية خلال 12000 سنة الماضية.

ناميب، أقدم صحراء

يقدر عمر صحراء ناميب في جنوب ناميبيا بخمسة وخمسين مليون سنة، وتعتبر بذلك أقدم صحراء على وجه الأرض، ورغم ذلك فإنها لا تخلو من أنواع من النبات والحيوان التي تحصل على الماء من الندى الذي يصلها مع الهواء الرطب من المحيط الأطلسي المحاذي لها. وقد شيد الباحثون في عام 1962 قرية مكرسة للبحث العلمي في هذه الصحراء، أطلقوا عليها إسم غبابب.


متابعة السلاحف في صحراء موجافي

تقع صحراء موجافي في ولاية كليفورنيا الأمريكية، وتتناثر فيها أعداد قليلة من نباتات تكيفت مع الحياة في الصحراء. وتتغذى على هذه النباتات أنواع قليلة من الحيوانات، ومنها سلحفاة تستوطن هذه الصحراء فقط، لكنها تكاد تنقرض حاليا. ويتابع معهد الحوض العظيم الأميركي منذ عام 2001 أحوال هذه السلحفاة وغيرها من الكائنات الحية في صحراء موجافي، كما يعمل الباحثون على توفير ظروف مناسبة لمنع انقراض السلحفاة وغيرها من الحيوانات والنباتات المتوطنة في الصحراء.

صحراء غوبي: أرض الديناصورات

تعتبر صحراء غوبي في جنوب منغوليا، الواقعة بين الصين وروسيا، إحدى أغنى مناطق العالم بالحفريات الحيوانية التي تعود لما قبل التاريخ. وهي تستقبل منذ عام 1990 رحلات سنوية لباحثين من متحف التاريخ الطبيعي الأمريكي، وقد عثر فيها حتى الآن على هياكل عظمية، تكاد تكون كاملة وسليمة، لنحو ثلاثين نوعا من الحيوانات. ومنها عدة أنواع من الديناصورات المختلفة وأيضا من ثدييات معاصرة للديناصورات. وقد وضعت اليونسكو منطقة غرفان سيخان في هذه الصحراء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي الذي يحظى بالحماية والدعم.
وأخيرا، لا شك أننا نتساءل عن باديتنا الأردنية، وهي ليست صحراء قاحلة تماما: هل حظيت بما تستحقه من البحث والاستكشاف، وخاصة فيما يحويه باطنها من مخلفات وآثار وثروات؟

Science et Vie – Hors Serie No. 250
Mars 2010
P 74 - 79

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق