Powered By Blogger

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

هل اننا حقا نفضل الفضلات ؟

-المجلة الثقافية- العدد 60
يقال ان بعض الحيوانات المفترسة والطيور الجارحة مثل النسور، تفضل اكل الجيف وهي جثث الحيوانات الميتة او المقتولة، والتي مضى على موتها بضع ساعات، فساعدت اشعة الشمس والحرارة في انضاجها وجعلها اطرى واسهل تمزيقا وازدرادا. فهل نحن، او على الاقل جيلنا الحالي، على هذه الشاكلة؟
رغم اننا من الناحية النظرية، نفضل شراء المواد الغذائية الطازجة، الا ان رغبتنا في التخزين (والمظاهر) تدفعنا لشراء كميات كبيرة من هذه المواد الطازجة التي تفقد هذه الصفة قبل ان يحين دورها للاستهلاك، رغم حفظها في الثلاجة. ومن عاداتنا (المستحدثة لدى جيل الثلاجات) شراء كمية كبيرة من اللحوم الطازجة (هل هي حقا طازجة؟) بانواعها (خروف، دجاج، سمك...) رغم ارتفاع سعرها مقارنة بالمجمدة منها... ثم تخزينها لدينا بالمجمدة (الفريزر) لاسابيع عدة.
وهذا سلوك خاطئ وغير ذكي، فانت تدفع ثمن لحم طازج ثم تاكله لحما مجمدا قديما. ثم ان التجميد المنزلي ليس مطلقا بجودة التجميد الصناعي.
يجري التجميد في المجمدة المنزلية بطريقة الهواء الثابت الموجود داخل المجمدة. وهي طريقة بطيئة جدا، وتقل فعاليتها اذا كانت المجمدة مملوءة ومكتظة. بينما يجري التجميد الصناعي بطرق سريعة فعالة مثل تيار الهواء البارد باستخدام مراوح عبر انفاق التجميد. او باستخدام مواد فائقة البرودة مثل النتروجين السائل. ويتم التجميد فور الذبح وقبل ان تتكاثر البكتيريا في الذبيحة بعكس ما يحدث في التجميد المنزلي، اذ تكون قد مرت ساعات طوال بين الذبح وعملية التجميد.
كما ان اللحم المجمد صناعيا يكون مغلفا جيدا وتفرغ العبوات من الهواء عادة بحيث يمنع تاكسد الدهون المرافقة للحم. وهذا الامر ايضا غير حاصل في التجميد المنزلي.
ومما يجعل سلوكنا التخزيني للحوم اغرب، أن اللحوم الطازجة متوافرة دائما وعلى بعد خطوات قليلة من المنزل او على طريق كل واحد منا، عند عودته للمنزل من العمل، مما يتيح لنا امكانية شراء ما نحتاجه يوميا، طازجا ولذيذا، موفرين بذلك ايضا كلفة التجميد المنزلي غير الفعال.
لكن ما السر في هذا التصرف اللامنطقي الذي اصبح سلوكا نمطيا شائعا في مجتمعنا؟
هل هو قلق غريزي وخشية من انقطاع اللحوم والمواد الغذائية الاخرى من الأسواق فجاة؟
وهي تجربة لم نتعرض لها او نعاني منها منذ سنوات طويلة.
ام هو على سبيل الاحتياط فيما لو فوجئنا بضيف على الغداء؟ ام اننا "نخجل" من شراء كيلوغرام واحد او اقل من اللحم؟
وهذا من ضمن الشعور الحاد بالنقص والاهتمام بالمظاهر لدينا، هل تعلم انه خلال الوقت اللازم لتبريد فضلة الطبخ (اي ما يتبقى منه في الطنجرة)، قبل وضعه في الثلاجة، وخاصة الرز المطبوخ، إذا كان قد تعرض للتلوث ببكتيريا مصدرها عطاس أو سعال الطباخ، أو ملامسة إصبع مجروح مثلا، تكون البكتيريا قد تضاعفت ملايين المرات.
واذا بقي نفس الطبيخ لليوم الثالث فستزداد البكتيريا فيه ملايين الملايين من المرات.
وهكذا فان المقصود من بقايا الطعام او الفضلات (leftovers) ليس فقط ما يتبقى في الصحون وانما ايضا ذلك الجزء من الطبيخ الذي تبقيه لليوم التالي. واذا كان الطبخ يضمن لك قتل البكتيريا، فان بعضها تترك خلفها إفرازاتها من السموم أو جراثيم متحوصلة تتحمل الحرارة العالية، وتنشط بمجرد ان تصبح حرارة الطعام مناسبة بين 20 – 40 درجة مثلا، ومن اقدر انواع البكتيريا على ذلك تلك المسماة
(Bacillus cereus) التي تتواجد في الرز المطبوخ وتفضله، ولهذا السبب، وحتى تتجنب اية مخاطر، تخلص من اية كمية متبقية من الرز المطبوخ ولا تحفظها في الثلاجة لليوم التالي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق