Powered By Blogger

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

ورود وأشواك طبية

حسام جميل مدانات


نجحت العملية ، لكن المريض مات... قبل بضع سنوات أضرب الأطباء والممرضون في احدى الدول لمدة اسبوعين. فنقص عدد الوفيات في تلك الدولة الى نصف معدله المعتاد.

شؤون الطب وشجونه كثيرة. ويمكن التحدث باسهاب فيما له وفيما عليه. ورغم كل شيء تبقى ثقتنا بالأطباء والقطاع الطبي بشكل عام كبيرة.

وقد نشرت مجلة هذا يهمني Ca M’interesse الفرنسية في عددها لشهر آذار 2010 تحقيقا من 8 صفحات عن الممارسات الطبية في فرنسا. وفيما يلي مقتطفات مما ورد فيه.

الطب يغير رأيه

يتطور الطب سريعا، مثل مختلف جوانب الحياة حاليا. ويرافق هذا التطور بالضرورة تغير في طرق العلاج، ومن ذلك ما يلي:

- ألم الظهر ... قف وامش: قبل بضع سنوات في فرنسا (وحتى الآن لدينا) كانت نصيحة الطبيب المختص لمن يعاني من القطان، أي الألم في المنطقة القطنية، أو السفلى من الظهر، هي أن يبقى متمددا على ظهره لمدة اسبوع أو أكثر. لكن تبين أن هذه الممارسة قد تؤدي الى اصابة العضلات بالوهن والاصابة بألم مزمن. وهكذا أصبح الرأي الطبي حاليا ينصح بالنوم على الظهر ليومين فقط، الا في حالة الاصابة بالدسك.

- الأسبرين : كان الأسبرين هو العلاج الوحيد للألم للكبار والصغار. ومنذ بضع سنوات حل محله البراسيتامول للأطفال. ورغم مزايا الأسبرين العديدة كمسكن ومميع للدم، الا أنه يجب الحذر من تناوله في حالة الاصابة بالربو، وتجنب تناوله على معدة فارغة حتى لا يحصل فيها نزف، كما أن الجرعات الكبيرة منه، وخاصة لمن لم يعتدْ عليه، قد تسبب القيء وطنين الأذن.

- الرضيع على الظهر: في سبعينيات القرن الماضي، كان الأطباء ينصحون بجعل الرضيع ينام على بطنه، لتقليل مخاطر الاختناق والموت المفاجيء. لكن الرأي الطبي قد انقلب رأسا على عقب حاليا. وقد اطلقت وزارة الصحة الفرنسية مؤخرا حملة رسمية لحث الأمهات على جعل أطفالهن ينامون على الظهر، اذ لوحظ أن هذه الممارسة قد خفضت وفيات الرضع بنسبة 58%.

- الُلوز أو بنات الأذان: في بداية القرن العشرين، انتشرت ممارسة ازالة اللوز لدى الأطفال الذين يعانون من التهابها المتكرر. لكن الرأي الطبي حاليا ينصح بابقائها ومعالجتها بالمضادات الحيوية، لأنها تمثل مركز دفاع ضمن نظام المناعة في الجسم.
- قرحة المعدة تسببها البكتيريا: في أوائل الثمانينات، تبين أن قرحة المعدة تنتج في معظم الحالات عن نوع من البكتيريا. وقبل ذلك كان مريض القرحة يعاني معاناة أبدية، وهو يتناول أدوية غير فعالة، أو يضطر للخضوع لعملية جراحية تقتطع الجزء المقروح من المعدة. أما الآن، فان تناول المضاد الحيوي المناسب يكفي عادة لقتل البكتيريا المسؤولة ولعلاج القرحة. والمؤسف في الأمر أن تحول الأطباء نحو العلاج الصحيح للقرحة لمكافحة البكتيريا المسببة لم يحصل الا بعد عدة سنوات من كشف هذه البكتيريا. وقد يفسر ذلك بنفوذ شركات الأدوية لدى الأطباء، حتى تستهلك الكميات الهائلة من الأدوية التقليدية للقرحة مثل زنتاك، أو أن بعض الأطباء لم يعرفوا بهذا الكشف الجديد الا بعد سنوات. واذا كان الطبيب مشهورا وكثير المراجعين فانه يرجح أن لا يجد الوقت للاطلاع على المستجدات أو للمشاركة في مؤتمرات تعرض آخر التطورات الطبية.

تشخيص المرض يتحسن

أصبح الطب أدق في التشخيص بفضل تحسن التقنيات، فهل يمكن اعتباره علما دقيقا مثل الفيزياء أو الكيمياء مثلا؟ ليس بعد!

قبل 30 سنة، كانت المرأة الحامل في فرنسا تضع وليدها دون أن تكون قد أجرت فحصا بالصدى أو الأمواج فوق السمعية. لكنها الآن تتصور بهذه التقنية ثلاث مرات على الأقل، وقد تحصل على صورة مجسمة ثلاثية الأبعاد لجنينها.

وطورت أيضا تقنيات تصوير أخرى وانتشر استخدامها، مثل الرنين المغنطيسي الذي ظهر في السبعينيات ، ويسمح بكشف وعلاج أمراض القلب أو الدماغ.

وعلى أية حال، ومهما تنوعت وتعقدت طرق الفحص وتقنياته، فان التشخيص الجيد يبدأ بشيء واحد: استماع الطبيب للمريض واعطاؤه وقتا كافيا لشرح مشكلته. ( وهذا أمر غير وارد لدينا أحيانا اذا كان الطبيب يقابل 30 أو 40 مريضا في اليوم ).

الأدوية تتطور سريعا. وعلى الطبيب المتابعة

ما قلناه عن التشخيص ينطبق هنا أيضا . فعلم الأدوية ليس علما دقيقا، وربما لن يكونه أبدا.

على مدى عشرات السنين استخدمت الهرمونات لعلاج توقف الطمث. ثم تبين أنها تسبب سرطان الثدي. وتظهر باستمرار أدوية جديدة تطرد أحيانا من السوق أدوية راسخة مضى على استخدامها عشرات السنين.

ويشهد الطب النفسي بشكل خاص تطورات كبيرة في المفاهيم والعلاجات. فالشخص الذي يصاب بحزن شديد بعد وفاة عزيز مثلا، يعتبر اليوم مصابا بالاكتئاب ويحتاج لعلاج.



مسؤولية مشتركة بين الطبيب والمريض

يقدر أن 30% من فعالية العلاج تعتمد على تقبل المريض له واقتناعه به.. وهو ما يسمى بتأثير البلاسبو أو حبات السكر ( التي لا تحتوي أي مادة علاجية). وبالمثل اذا كان المريض واثقا بطبيبه، فان شعوره بالألم يخف، وتزيد فعالية العلاج.

وماذا عن المخاطرة؟ وهل يمكن أن توزع مسؤوليتها بين الطبيب والمريض؟ لنفرض مثلا أن امرأة حامل ظهرت عليها أعراض الاصابة بانفلونزا الخنازير أو الطيور، فهل يقرر الطبيب تطعيمها ضد الفيروس؟ علما أنه لا يتوفر بعد معلومات كافية حول هذا المطعوم ومدى خطورته على الجنين، حيث يمكن أن يصيبه بالتشويه. في هذه الحالة على الطبيب أن يوضح المخاطر. ويفترض أن تتوزع المسؤولية بين كل من الطبيب والمريض، لأن قرار الطبيب لا يعتمد على دراسات مؤكدة فيما يتعلق بالتطعيم ضد هذه الفيروسات.

كيف تميز الطبيب الجيد ؟

قال طبيب لزميله: بعد 30 سنة من ممارسة الطب تأكدت من أني لا أفهم في الطب شيئا.

الزميل: ولماذا لا تغير مهنتك ؟ الطبيب: لا معنى للتغيير الآن ، فقد اصبحت مشهورا.

تروى الطرفة السابقة أحيانا لمهن أخرى. لكنها تكشف لنا حقيقة مؤلمة وواقعا مضحكا مبكيا: أن اشتهار مهني أو مختص واكتسابه سمعة ذائعة الصيت لا يعني بالضرورة أنه جيد في مجال اختصاصه. ولا ضرورة لتفسير ذلك. فأساليب التلميع معروفة، وخاصة مع القوى الهائلة لأساليب الدعاية والاعلان والاعلام حاليا. اذن اذا اتفقنا أن شهرة الطبيب ليست المعيار الصحيح لقياس جودته، فكيف تعرف الطبيب الجيد اذن؟

نعلم أن دراسة الطب في مختلف جامعات العالم تتميز عن دراسة غيره من التخصصات. فالطلبة الذين يقبلون في هذا التخصص هم النخبة عادة. والمناهج متشابهة في مختلف الجامعات وتتطلب جهدا دراسيا مكثفا ومستمرا، وسنوات الدراسة طويلة ويتلوها عادة بضع سنوات للتخصص. لكن بالطبع هناك طلبة متفوقون وآخرون يحصلون النجاح بالكاد. والطريف في الأمر أن تفوق الطالب في دراسته ليس شرطا لازما وكافيا لنجاحه في حياته العملية. وهذا هو واقع الحال أيضا في مختلف المهن. وترى المجلة الفرنسية أن للمريض الحق في طلب الاطلاع على شهادات الطبيب اذا لم تكن معلقة على جدران عيادته، وأية أدلة تثبت متابعته لأحدث مستجدات اختصاصه، مثل حضوره مؤتمرات أو دورات تدريبية ( وهذه أحيانا سلاح ذو حدين، فالمؤتمرات غالبا تنظمها شركات الأدوية بهدف الترويج لمنتجاتها). فالمريض يسلم الطبيب أغلى ما يملك شخصيا أو متمثلا بأحد أفراد عائلته، ويحق له أن يعرف كل ما يجدر به معرفته عن الطبيب، وأن يتأكد مثلا من أنه غير مرتبط بالمؤسسات الدوائية، حتى لا يروج لدواء معين، بغضّ النظر عن الحاجة له أو عن فعاليته، لكن هل يمكنه التأكد من ذلك؟

ويحق للمريض التحقق من سجل ممارسة الطبيب ومعرفة الأخطاء الطبية التي ارتكبها. لكن هل من سبيل لمعرفة ذلك، وهل نتوقع من نقابة الأطباء مثلا أن توفر هذه المعلومات لمن يطلبها؟

اذن، واذا سلّمنا بأن تحصيل هذه المعلومات غير ممكن لدينا حتى الآن، فعليك أن تلجأ لوسائل أخرى لتقييم الطبيب. عليك أن تلاحظ اسلوبه في الفحص والزمن الذي يستغرقه. وهو في المعدل ربع ساعة ( في فرنسا ) للطبيب العام. ويشمل ذلك اسئلة تتيح للطبيب معرفة نمط حياة المريض وتاريخه الصحي وأعراض المرض الحالي. وعلى الطبيب أن يستمع للمريض ويمنحه الفرصة لقول ما يريد. ثم يكمل ذلك بالفحص العيادي، والذي يشمل عادة الجسّ واستخدام السماعة.

بعد هذه الاجراءات، وفقط بعدها، واذا لم يتوصل الطبيب لتشخيص مؤكد، فانه يطلب فحوصا تكميلية، مثل التحاليل المخبرية أو صور الأشعة. يجب اذن أن لا يلجأ الطبيب لهذه الفحوص الا عند الضرورة. لكن يبدو أن هذا ليس هو الواقع. ففي فرنسا مثلا تضاعف عدد الفحوص المخبرية تقريبا من 275 مليونا عام 2000 الى 409 مليونا عام 2007. وليس هذا مؤشرا على الرغبة في خدمة المريض بقدر حاجة الطبيب لحماية نفسه، وذلك مع تزايد عدد القضايا المرفوعة ضد الأطباء. ولا ننسى تفسيرا آخر محتملا لطلب بعض الأطباء اجراء هذا الفحوص، وهو تنفيع المختبرات الطبية، خاصة اذا أوصى الطبيب بمختبر معين.

وكلمة أخيرة في قضية اختيارك الطبيب. فقد يكون الطبيب خبيرا ومتميزا فعلا، لكنه اذا لم يمنحك الوقت اللازم أو إذا كان منهكا ( لأنه مشهور مثلا وطابور المرضى المنتظرين طويل)، أو اذا لم يظهر اهتماما بك وبشفائك، فإنه يكون أكثر عرضة للوقوع في الخطأ، وقد لا يكون هو الاختيار الأفضل لك.

Ca M’interesse 3/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق