Powered By Blogger

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

شبكات حضارتنا هشة !

بكبسة زر تدخل على الانترنت وتتصل بشبكة تضم ملايين الحواسيب في العالم وما تحويه من كنوز المعرفة وبنوك المعلومات. تفتح الحنفية فتتلقى ماء زلالا، ترفع سماعة الهاتف أو تفتح هاتفك الخلوي فتتصل بأي مكان في العالم، وبلمسة إصبع تحصل على إضاءة مصدرها الكهرباء، أو تفتح تلفازك لتشاهد بث محطات من مختلف أنحاء العالم، تقف سيارتك عند كازية (محطة وقود) فتعبئها بالبنزين، وفي بعض الدول يصل غاز الطبخ الى كل بيت بواسطة انابيب. ولا ننسى شبكات الطرق والسكك الحديدية والبريد والنقل البحري...

لقد عاش الانسان عشرات أو مئات آلاف السنين على الأرض دون شبكات كهرباء أو ماء أو اتصالات وكان يتدبر أموره جيدا بدونها لكن يبدو أن حياته أصبحت تتوقف على توفر هذه المصادر.

عالمنا اليوم هو عالم الشبكات، أنواع مختلفة من الشبكات. بعضها يمتد على مستوى العالم، وبعضها إقليمي أو وطني محلي. وهي بمثابة الدم الذي يجري في عروق الكائن الحي. ولك أن تتخيل حياتنا لو توقف تزويد الماء أو الكهرباء لفترة غير محدودة!

فهل هذا الاحتمال مستبعد وغير وارد؟

تطورت هذه الشبكات الحيوية وتعقدت وترابطت الى درجة عالية. لكن هذا التشابك بينها يمثل نقطة ضعف خطيرة. فأي مشكلة محلية قد تسبب كارثة عالمية. لقد أصبحنا تحت رحمة عملاق يحمل كرتنا الأرضية في كفه، لكنه عملاق ذو أرجل خزفية هشة. وتعرض مجلة العلم والحياة الفرنسية في عددها لشهر تموز 2011 ملفا خاصا من 14 صفحة يبين مدى ضعف وهشاشة هذه الشبكات.

امتداد عشوائي

كانت بدايات كل من هذه الشبكات العالمية تنحصر في شبكات محلية صغيرة، ثم ترابطت هذه الحلقات، وبشكل عشوائي في الغالب لتأخذ أبعادا أكبر فأكبر، محلية وطنية ثم اقليمية ثم قارية أو عالمية. بسبب هذه العشوائية نجد حتى أفضل الخبراء يقفون عاجزين تماما عندما يحصل انهيار لشبكة ما، مثل تعطل شبكات الكهرباء الذي حصل مرات عديدة في مختلف أنحاء العالم، ومن ذلك ما حصل في نيويورك مرتين في السبعينات، وبالمثل في حالة توقف خدمة الانترنت فجأة ودون سابق إنذار. أو انهيار اسواق البورصات العالمية.

ويزيد من تعقيد المشكلة أن هذه الشبكات قد تداخلت وتشابكت معا، فشبكات الاتصالات والانترنت والماء تعتمد على شبكة الكهرباء وتؤثر فيها في الوقت نفسه. انها شبكة الشبكات. وهي ذات تعقيد يفوق قدراتنا على الاستيعاب.

انها شبكة تتخلل كافة عناصر وجودنا، وهي غير محددة المعالم، وتتصرف أحيانا بطرق غير متوقعة، ولكن نتائجها قد تكون خطيرة وكارثية.

حالات انهيار كبرى

يذكرنا ما يحصل لشبكات الكهرباء أو الاتصالات بانهيار سلسلة قطع الدمينو التي ترتب بحيث يؤدي سقوط قطعة منها الى تساقط القطع الأخرى على التوالي. وربما أيضا بذلك المثل " القشة التي قصمت ظهر البعير"، فبمجرد أن تتحمل شبكة الكهرباء فوق طاقتها القصوى، يحصل الانهيار.

وتورد مجلة العلم والحياة عدة أمثلة على انهيار شبكات عالمية، اخترنا منها التالية:

 9 كانون ثان 1998، كادت سلطات مدينة منتريال في كندا أن تخلي المدينة من سكانها بعد مرور اسبوع على تعطل الكهرباء بتأثير عاصفة جليدية. لم تقتصر معاناة السكان على تعطل أنظمة التدفئة وتحمل البرد الشديد، وإنما تعطلت أيضا شبكة المياه، وهي ضرورية للمنازل ولإطفاء الحرائق وتبريد أجزاء أنظمة الاتصالات.
 4 تشرين ثان، 2006: عن طريق الخطأ، عطّل عامل فني في المانيا خط ضغط عال للكهرباء بمحاذاة بحر الشمال ليسمح بمرور سفينة. فزاد العبء على الخطوط المجاورة وزادت شدة التيار المارة فيها. بعد ذلك بنصف ساعة بدأت سلسلة تعطل للشبكة الكهربائية في المانيا، وانتقلت الى النمسا والمجر وكرواتيا، ثم إلى المغرب التي ترتبط بالشبكة عن طريق مضيق جبل طارق واسبانيا. وكانت النتيجة ظلمة خيمت على 450 مليون شخص.
 كارثة لم تحصل: يوم الجمعة 24 شباط 2006، تسللت سيارتان محملتان بالمتفجرات الى مدخل مصفاة بقيق في السعودية، لكن تفجيرهما لم يسبب سوى أضرار بسيطة. ولو أن السيارتين وصلتا الى المصفاة ودمرتاها، لحرمت العالم من 6 ملايين برميل من النفط يوميا ، ولفترة قد تمتد لتسعة أشهر. قارن ذلك مع الأزمة التي نتجت عن حظر تصديرالنفط للغرب عام 1973، بعد حرب تشرين، والذي اقتصر على 4 ملايين برميل يوميا.
 يوم الثلاثاء 11 أيلول 2001، ومع انهيار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، تعطلت شبكة الانترنت في جنوب افريقيا والمانيا وايطاليا.

وفي 28 كانون أول عام 2003، حرم 57 مليون ايطالي من الكهرباء، وتأخر اصلاح العطل لأن شبكة الاتصالات تعطلت أيضا بسبب انقطاع الكهرباء. انها حلقة جهنمية: تعطل الكهرباء يعطل الاتصالات وتعطل الاتصالات يعيق اصلاح شبكة الكهرباء.

Science ET Vie 7/2011
P 82-95

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق