Powered By Blogger

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

في الاختلاف قوة !

- المجلة الثقافية- العدد 63
رغم القول المأثور بان الاتحاد قوة وان اتفاق الرأي خير من اختلافه، فان المنطق الطبيعي غير ذلك. فلو كان جميع افراد الجنس البشري متطابقين تماما جينيا لكان البشر على الاغلب قد انقرضوا منذ زمن بعيد. فعبر العصور كانت الأوبئة تضرب مجتمعات البشر فتقتل الملايين ولكن ملايين غيرهم يقاومون. وقد تكررت هذه الظاهرة في كل مرة كان يحصل فيها وباء الطاعون او الجدري او الكوليرا. فالاختلاف الجيني كان يمكّن البعض من مقاومة الوباء (اضافة الى عوامل اخرى بيئية مساعدة).
وهكذا فان الشذوذ عن القاعدة في المجال الوراثي هو افضل ضمان لبقاء النوع ومقاومة بعض الامراض القاتلة.
ومن هنا تنبع خشيتنا من خطورة التدخل في الصفات الجينية لالغاء تلك الجينات الشاذة او المعيبة. فقد تكون هي نفسها عنصر قوة للجنس البشري في مواجهة مخاطر نجهلها حاليا.
ان رسم الجينوم البشري سيتيح امكانية اكتشاف الجينات الشاذة في الاجنة، وخاصة في اطفال الانابيب ومن ثم اتلافها. وكان حامل جائزة نوبل الامريكي فرنسيس كريك (F.Crick) قد دعا لاخضاع الجنين لاختبارات جينية ومن ثم القضاء عليه اذا فشل في أي منها. ان هذا التوجه نحو انتقاء الاجنة وتحسين النسل يتضمن محاذير خطيرة، وقد يستغل اسوأ استغلال لدى دعاة تحسين الجنس البشري (eugenism) وهي الدعوة التي سادت ايام النازية والفاشية.
وتحضرنا هنا قصة الطبيب الفرنسي جيروم لجِن (Lejeun) الذي حضر نقاشا في مجلس الشيوخ الفرنسي حول الإجهاض (قبل نحو ثلاثين عاما) وكان هناك توجه لتأييد الإجهاض اذا خُشي من ولادة طفل غير سوي اعتمادا على مؤشرات وولادات سابقة للأم نفسها.
فخاطب لجن المجلس بما يلي : لديّ حالة لعائلة يعاني فيها الأب من الادمان على الكحول وهو مصاب بالزهري. والأم مصابة بالسل، وقد انجبت ثلاثة أولاد، مات أولهم عند الولادة، وجاء الثاني معاقا جسديا، والثالث متخلفا عقليا، ثم حملت للمرة الرابعة، فبماذا تنصحون حضراتكم، فاتفق الجميع على ان لا مفر من الاجهاض.
فقام لجن وخاطبهم من جديد قائلا :
سادتي الشيوخ قفوا باحترام! فقد قتلتم للتو لودفغ فان بتهوفن (احد اعظم الموسيقيين في التاريخ).
لكن في المقابل علينا تخيل معاناة الأبوين لطفل يولد معاقا او مصابا بمرض جيني عصيّ على الشفاء، ويرى البيولوجي الفرنسي جاك تتار، مدير الأبحاث في المعهد الوطني للصحة والبحث الطبي Inserm بانه سيكون عيبا علينا خلال 10 -20 سنة ان لا نتخذ افضل الضمانات ونقلل الاحتكام للصدفة في ما يتعلق بالحمل والولادة. وقد يرفض الضمان الاجتماعي، مستقبلا، التكفل بالاطفال المعوقين اذا لم يقم الآباء بالفحوص الطبية اللازمة في بداية الحمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق