Powered By Blogger

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

هل تتزايد الكوارث المناخية؟

قحط وجفاف أو فياضانات، موجات حر لاهب أو صقيع، أعاصير ماطرة أو زوابع غبار، تتكرر هذه الظواهر المناخية المتطرفة في مختلف أصقاع كوكبنا منذ الأزل... وربما الى الأبد أيضا.

وتحرص وسائل الاعلام على ابلاغنا أولا بأول بكافة هذه النزوات المناخية وبما تسببه من كوارث هنا وهناك. فهل هذه التغطية الاعلامية الشاملة هي التي تعطينا الانطباع بأن عدد الكوارث المناخية وشدتها وتأثيراتها قد زادت، أم أن هناك زيادة كبيرة وحقيقية فعلا؟ واذا كانت الاجابة بالايجاب، فهل أن ظاهرة الدفيئة أي ارتفاع درجة حرارة الأرض هي المسؤولة عن ذلك؟.

تأثير الحرارة

اذا سخنت نظاما أو وسطا معينا، فان النظام قد ينفث هذه الطاقة الزائدة بأساليب عنيفة أحيانا، وخاصة عندما تتراكم هذه الطاقة حتى تصل الى حد الانفجار مثلا.

نعلم أن الطاقة الحرارية التي تصلنا مع أشعة الشمس هي المسؤولة عن معظم الظواهر المناخية، مثل تشكل الغيوم والأمطار والرياح. واذا سخنت الأرض (ويدعي العلماء بأنها قد سخنت فعلا بنحو درجة واحدة خلال القرن الآخير) فان تبخر مياه المحيطات سيزداد، كما ستزداد شدة الظواهر المناخية المختلفة.

وتدل الاحصاءات على أن الأعاصير الحلزونية أو الزوابع (السيكلونات) العنيفة قد تضاعف عددها خلال الأربعين سنة الماضية. ونعني بالاعاصير العنيفة تلك التي تصنف من الدرجة 4 أو 5، مقارنة مع الأعاصير الأضعف ، من الدرجات 1، 2 أو 3. لكن علينا أن لا نسارع في الاستنتاج بناء على هذه الأرقام. فعدد الأعاصير العنيفة لا يزيد عن 250 في السنة. وهذا العدد غير كاف احصائيا للخروج بنتيجة موثوقة.

وتكتنف دراسة الظواهر المناخية المتطرفة مصاعب عدة. فهذه الظواهر تحصل عادة في مواقع صغيرة محدودة ولفترة قصيرة. واذا حدثت في الدول المتقدمة حيث تتوفر شبكات كثيفة ومترابطة من محطات الرصد، فانها تتابع وتراقب وتقاس وتسجل. لكن هذا ليس الأمر دائما في مناطق أخرى من العالم. ولهذا السبب فانه قد تحصل أعاصير عنيفة في مجاهل أفريقيا أو في غياهب الصحراء أو في عرض المحيط، دون أن تلاحظ أو تؤخذ في الاعتبار، لكن لحسن الحظ فان السواتل، أي الأقمار الصناعية، الخاصة بالمناخ تراقب الأرض باستمرار وتسجل مثل هذه الاحداث المناخية. الا أن هذه الأرصاد الفضائية لمناخ الأرض لا تتوفر الا للسنوات الأربعين الماضية. ولهذا السبب فاننا نفتقد لمعلومات شاملة عن السنوات السابقة لعصر الفضاء، وبالتالي لا نستطيع أن نخرج بحكم صحيح حول مدى الزيادة الفعلية في عدد الأعاصير وشدتها.

يقال أن الشيء الوحيد الثابت في العالم هو التغير. وقد يصدق هذا القول، أكثر ما يصدق، على الطقس وعلى المناخ، اللذين يتغيران باستمرار محليا وعالميا. كما أن عوامل الطقس ومظاهره معقدة وعشوائية لدرجة تجعل توقعات الطقس غير مؤكدة، رغم تحسن مصداقيتها يوما بعد يوم بفضل تقدم المعرفة العلمية بها وتزايد محطات الرصد الأرضية والأقمار الصناعية الخاصة بالطقس.

وتساعد هذه الوسائل المتطورة في توقع حصول الأعاصير وفي متابعة حركتها والتحذير المسبق للسكان الذين قد يتعرضون لها. لكن المظاهر المتطرفة الأخرى قد تكون أصعب توقعا. فهل بامكان المختصين حاليا أن يتوقعوا أن الموسم المطير القادم في منطقة معينة سيكون وفيرا أو أن السنة ستكون ممحلة قاحلة؟ يبدو أن الاجابة حاليا ولسنوات طويلة قادمة، هي بالنفي، رغم أهمية معرفة هذا الأمر.

وقد يسهل توقع احداث الطقس العنيفة لكن ليس دائما. ويحضرني في هذا السياق حادثتان حصلتا لدينا في شهر ايار:
الأولى كانت في أيار 1982 عندما سقطت أمطار غزيرة في البادية الشرقية، على الأزرق، وخربت الطرق هناك. وفي اليوم التالي سقط نحو 70مم من المطر خلال ساعة واحدة على عمان بالذات. ولا أنسى ما حصل بسبب تجربة شخصية لي حين قدمت عصرا من الزرقاء الى عمان، وكان الطقس في الزرقاء لطيفا والسماء صافية، وعندما وصلنا المحطة فوجئنا بالسيل يغمر الشارع لارتفاع متر أو أكثر، واضطررنا للعودة الى الزرقاء بعد أن عجزنا عن دخول عمان. وفي اليوم التالي حصلت أمطار مشابهة فوق مدينة اربد بالذات. لم يكن أي من هذه المطرات العنيفة متوقعا. وقد تكررت الظاهرة نفسها في أيار عام 1991 على ما أذكر.
وعلى أية حال، فإن أحداث الطقس العنيفة تتكرر دائما. وعلينا أن ننتظر لعدة سنوات قادمة، وأن نوثق بدقة ظواهر الطقس المتطرفة في مختلف أنحاء العالم، قبل أن يحق لنا أن نقول بأن الكوارث المناخية قد تزايدت فعلا.
Science et Vie- 3/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق