Powered By Blogger

الثلاثاء، 12 يونيو 2012

ماذا لو لم يمنع الأتراك الطباعة؟

العرب اليوم، 12 حزيران 2012
م. سائد مدانات

أستغرب أن القليل منا يعلمون هذه الحقيقة عن السلطنة العثمانية، فقد تجاهلتها كتب التاريخ وأقلام الكتاب رغم خطورتها القصوى وآثارها المدمرة على العالمين العربي والإسلامي.

فقد منع السلطان العثماني المطابع في كامل أراضي السلطنة التي امتدت من أواسط أوربا إلى الخليج العربي. بل وصل الأمر بالباب العالي في استنبول إلى الحكم بإعدام من يعثر لديه على كتاب مطبوع!

في القرن الخامس عشر حصلت حوادث مهمة مترابطة. في عام 1453 سقطت القسطنطينية عاصمة البيزنطينيين في يد الأتراك وأصبح اسمها استنبول، وهجرها الرهبان بمخطوطاتهم التي تشمل علوم اليونان. فانطلقت شرارة التقدم العلمي في أوروبا؛ بل اعتبر هذا التاريخ بداية عصر النهضة.

والحادث الثاني المهم هو اختراع الألماني يوهان غوتنبرغ للطباعة عام 1450 (وقد يكون اقتبسها من الصين التي عرفت الطباعة قبل ذلك التاريخ). وكان ذلك العنصر الأهم في نشر العلم بين الشعوب الأوروبية.

والحادث الثالث هو سقوط الأندلس عام 1492 في يد الإسبان وانهيار الحضارة العربية الرائعة فيها.
والحادث الرابع حصل في العام نفسه عندما وصل كرستوفر كولمبس إلى أمريكا، ويقال أن معظم ملاحيه كانوا من العرب.

في بداية تلك الفترة كانت أوربا تعيش فعلا في عصور الظلام في القرون الوسطى. وكانت الحضارة العربية ما زالت متألقة. وفجأة انطمس كل علم وثقافة وفكر في كافة أرجاء العالم العربي والاسلامي. ولا يكاد يسجل لنا التاريخ أي انتاج علمي أو أدبي منذ تلك الفترة حتى قدوم نابليون إلى مصر وانشائه مطبعة بولاق والجامعة المصرية. وهي جهود تابعها محمد علي باشا وخلفاءه من بعده.

لنلخص ما بدأناه. في القرن الخامس عشر كانت أوروبا إذن متخلفة عنا بمراحل. لكن الطباعة أتاحت العلم للجميع وبدأت نهضتها. في حين أن العثمانيين قد احتلوا البلاد العربية عام 1517، ولو أنهم استغلوا ذلك الاختراع العظيم، المطبعة، في حينه، لبقي العرب والمسلمون على الأغلب متقدمين على الأوروبيين بمراحل.

من النوادر التي تروى عن مدى التخلف الذي وصل اليه مواطنو الامبراطورية العثمانية أن الوالي التركي في دمشق ارسل كتابا الى شيخ الكرك في منتصف القرن التاسع عشر. ولم يجد الشيخ أي مواطن قادر على القراءة، حتى جاءتهم النجدة من شخص مصري كان قد وصل الكرك حديثا.

لا شك أن منع الطباعة قد دمر شعوب السلطنة ودمر السلطنة نفسها، فاصبحت "رجل أوروبا المريض" منذ القرن السابع عشر. ولم تتمكن من الاستمرار إلا لاختلاف الدول الأوروبية على من ينهب أشلاءها إذا سقطت.

أخيرا، قد تتساءل عن السر في منع الطباعة واعتبار حيازة كتاب مطبوع جريمة تستحق الإعدام. يقال أن أحد الأسباب هو وجود عشرات آلاف الخطاطين في استنبول، وكان لهم سلطة وعلاقات ووزن. وقد خشوا من كساد مهنتهم إذا انتشرت المطابع فسعوا لإصدار قرار بمنعها. واستمر القرار نافذ المفعول عدة قرون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق