Powered By Blogger

الجمعة، 8 يونيو 2012

هل نعاني من أمّيّة رقميّة؟

م. حسام جميل / العرب اليوم، 8 حزيران 2012

أذكر خبرا صغيرا قرأته قبل بضع سنوات في الصفحة الأخيرة من صحيفة يومية. تحدّث عنوان الخبر عن مقتل خمسة أشخاص في حادث سيارة على طريق العقبة، ثم بدأ نص الخبر بالقول: قتل أربعة أشخاص... وهم فلان وفلان وفلان (ثلاثة!). وهذا يذكرني بالراعي الذي يُسأل: ما عدد غنماتك يا عم! فيرد: لا أدري! ربما واحدة، وربّما عشرة!
الحقيقة أنك لا تكاد تجد خبرا أو مقالا في مطبوعة عربية يحتوي أرقاما صحيحة. ويفاقم المشكلة أن البرمجيات الحاسوبية المستخدمة في صحفنا ومطابعنا تعكس ترتيب الأرقام أحيانا؛ فتجد 23 تتحول إلى 32. وإذا اقترنت الأرقام بوحدات قياس، ساء الوضع أكثر: الغرام يصبح طنا، والدنم يكتب دنما مربعا...
يتحدث التربويّون عادة عن نوعين من الأمّيّة: الأمية اللغوية، والأمية الحسابية أو الرقمية. لقد قطعنا شوطا بعيدا في القضاء على الأمية اللغوية. لكن يبدو أن الأمية الرقمية تتفاقم لدينا. وتستغل بعض المؤسسات الرسمية والخاصة هذه الظاهرة لمصلحتها. ولعل الأمثلة التالية توضح ما أقول وتدعم ما أدّعي:

- نقاط المشتريات:
تضمنت حملة ترويجية لأحد المتاجر الكبرى لدينا منح المتسوق نقاطا للمشاركة في السحب على جوائز: نقطة لكل دينار من المشتريات. ولجذب الزبائن أكثر، ولإعطائهم فرصة أكبر في الفوز(؟)، رفع عدد النقاط إلى نقطتين لكل دينار. فهل زادت فرصة الربح حقا للمتسوق؟ بالطبع لا. فزيادة عدد النقاط لجميع المتسوقين تبقى احتمال فوزك ثابتا.

- الحجم الاقتصادي:
تتوافر من مختلف السلع في الأسواق عادة عدة حجوم؛ فتجد حجما صغيرا وحجما عائليا كبيرا: الحجم الاقتصادي. لكن الطريف في الأمر أنك إذا حسبت سعر الوحدة (كغم أو لتر) من بعض السلع لكل من الحجمين، ستجد أن الحجم "الاقتصادي" أغلى!

- مساحات الشقق السكنية:
تجد بناية تتضمن شققا صغيرة، استوديوهات. والاعلان المعلّق خارجها يقول بأن مساحة الاستديو 45 م²؛ وهي فعليّا لا تتجاوز 30 م². فالمساحة المعلنة تتضمن حصة الشقة من الخدمات المشتركة. لكن لا أحد يوضّح لك ذلك.

- وماذا عن الاحصاءات الرسمية: أرقام التضخم (ارتفاع الأسعار) والبطالة وعدد السياح وقيمة الصادرات والواردات وحتى عدد السكان.. الخ؟

يقول تعريف لاذع للكذب: توجد ثلاثة أنواع من الكذب: الكذب الأسود، والكذب الأبيض، والإحصاءات. ولا شك أن مجال التلاعب في هذه الأرقام كبير. وهذا خطير لأنه يبنى عليها سياسات وإجراءات حكومية مهمة عادة. فعندما ترفع اسعار مشتقات النفط لدينا لتصبح أعلى منها في أمريكا، رغم الدعم (؟)، ورغم حصولنا عليها باسعار تفضيلية ؛ فهذا يتطلب تفسيرا.

- ارتفاع الأرباح:
نقرأ عنوانا يقول أن شركة كبيرة قد ارتفعت أرباحها عن السنة الماضية بنسبة الف بالمئة. لتكتشف أن أرباحها السابقة كان عشرة آلاف دينار، وأصبحت مئة ألف. حقا إن نسبة الارتفاع عالية، لكن الأرباح نفسها مهملة. وهذا خداع.

- متوسط الرواتب:
في ندوة حوارية شاهدتها مؤخرا على محطة فضائية محلية، بخصوص اعتصام موظفين في شركة، يقول المسؤول أن معدل الرواتب في الشركة هو 800 دينار، مستغربا مطالبة الموظفين بتحسين الرواتب، ومتجاهلا أنه قد احتسب بذلك رواتب المدراء العالية جدا ضمن المعدل. وهذا يذكرنا بطرفة تقول: سُئلت إمرأة عن راتب زوجها الموظف البسيط فقالت: إن راتبه هو والمدير 2200 دينار.

- قيم العقار:
في ممارسة مشابهة تتعلق بقيم الأراضي والعقارات الصادرة عن مؤسسة رسمية، كان معدل سعر الدنم في الحوض، المكون من عدة قطع أراضٍ، يُحسب بأخذ الوسط الحسابي لأعلى سعر وأدنى سعر ضمن الحوض نفسه. فلو كان سعر الدنم لكافة القطع في الحوض هو مئة الف دينار؛ باستثناء قطعة واحدة سعرها مليون دينار للدنم، فإن معدل القيمتين هو 000 550. وقد كان لهذه الطريقة الغريبة في الحساب دور في رفع اسعار العقارات، وساعد على ذلك وجود مشترين قادرين على الدفع.
تُعلمنا مبادىء الإحصاء الرياضيّ أننا نعبّر عن النزعة المركزية بالوسط الحسابي أو الوسيط أو المنوال. لكن ليس متوسط أعلى قيمة وأدنى قيمة.
لا شك عزيزنا القارىء أن لديك أمثلة متنوعة مشابهة، ونحن نرحب بما قد ترغب في ارساله لنا.
ننهي أخيرا بطرفة معروفة عن برنارد شو، فقد ذكر في مقال صحفي له أن نصف أعضاء مجلس النواب البريطاني أغبياء. احتجّ النواب وغضبوا. فعاد شو وكتب في الصحيفة نفسها: أعتذر، الحقيقة أن نصف النواب ليسوا أغبياء. فهدأت الضجة
مثال آخر لطيف من الملحق الرياضي لإحدى صحفنا اليومية بتاريخ 8 حزيران 2012. نقرأ تحت عنوان: ختام دوري شطرنج الثانية والثالثة..اليوم:
...ورفع اتحاد الطالبية رصيده في الصدارة إلى 5 نقاط متقدما على الحسين المفرق الذي جمع الرصيد ذاته(؟) بفضل جمع لاعبيه لمجموع 9 نقاط ونصف (؟) بينما جمع لاعبو الحسين المفرق (الفريق ذاته؟) 9 نقاط.
إذا لم يكن كاتب هذا الخبر في كامل وعيه، فأين محرر الصفحة، وأين المدقق؟المحصّلة إذن هي 5 أخطاء جسيمة،خاصة في الأرقام، ضمن ثلاثة أسطر من عمود واحد في صحيفة.
وللعلم، فإن المعلومات الصحيحة هي أن الطالبية حصّل 9 نقاط، والثاني: أرثوذكسي الفحيص، وحصّل 8 نقاط
(وللعلم أيضا، فقد فاز أرثوذكسي الفحيص، بعد الجولة الأخيرة، بالمركز الأوّل).!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق