Powered By Blogger

الأحد، 24 يونيو 2012

الموميات تتحدث عن نفسها

حسام جميل مدانات

ماذا كان طعام الناس، وما الأمراض التي كانت تنتشر بين البشر وتقتلهم قبل ألفي سنة أو ثلاثة آلاف ؟ وهل من وسيلة لمعرفتها وتحديد تأثيراتها على أجدادنا الأقدمين؟
هذا ما يسعى باحثون فرنسيون إلى تحقيقه. ووسيلتهم في ذلك هي استخدام مختلف وسائل التشخيص الطبي الحديثة لفحص موميات مصرية أو فرعونية قديمة.
ومؤخرا، تعاون متحف اللوفر في باريس مع 13 مستشفى فرنسيا لفحص عدة موميات مصرية محفوظة في متحف اللوفر وفي متاحف أخرى اقليمية.
أحيطت عمليات الفحص بالسرية، وأجريت بمعزل عن الجمهور. كما أبقيت الموميات ملفوفة بأكياس كتانية معقمة لتفادي أي تلويث متبادل، سواء تلويث الموميات للمستشفى أو العكس.
وقد جرى في المستشفى الجامعي في مدينة رين فحص مومياء طفل وامرأة قبطيين، تعودان إلى العهد الروماني. وكان من أهداف هذا الفحص كشف سر مومياء المرأة التي تعاني من عدة كسور، في عظمي الفخذين، وفي العمود الفقري والجمجمة. فهل تعرضت لهذه الكسور أثناء تحنيطها، أم قبل ذلك، أم في فترة لاحقة؟
وهاتان الموميان من بين خمسة وثلاثين ألف مومياء كشف عنها عالم الآثار الفرنسي البير غاييه في منطقة واحدة في مصر خلال الفترة 1895-1911، لكنها تعود لحقب تاريخية مختلفة.

المومياء تكشف أسرارها
وحتى نجعل هذه الموميات تتحدث عن نفسها وتفصح عن أسرارها، كان لزاما أن يتعاون باحثون في عدة مجالات، كأطباء الأشعة وعلماء الوراثة وعلماء الأحياء الجزيئية وعلماء الآثار.
تهدف الاختبارات إلى معرفة أشياء كثيرة عن أشخاص هذه الموميات أثناء حياتها، من قبيل: ماذا كانوا يأكلون، أين سافروا، هل أصيبوا بأمراض، هل تلقوا علاجات. إضافة إلى تحديد الجنس والعمر.
وتؤخذ عينات من حبوب نباتات يحملها شعر الموميات وملابسها، لتحديد الحقبة التي عاشت فيها اعتمادا على فحص الحبوب بالكربون المشع.
التقطت 5000 – 8000 صورة لكل مومياء. ثم تعالج الصور بواسطة برمجيات ثلاثية الأبعاد. ويمكن عندئذ الحصول على صور طبقية في مختلف الاتجاهات لكل مومياء.
نعود لمومياء المرأة ذات العظام المكسورة. فقد تبين سريعا بأن الكسور قد حدثت بعد عملية التحنيط كما ظهرت عدة عقد في كبد هذه المومياء وعدة موميات أخرى. فهل نتجت هذه العقد عن مرض معين أم أن طريقة التحنيط هي التي أحدثتها؟ يتردد الأطباء والباحثون في الإجابة على هذا السؤال حتى الآن.
ويجدر بالذكر أن هذه الموميات تنتمي للعصر القبطي، في أواخر العهد الروماني وبداية العهد البيزنطي. واتّصف تحنيطها بتقنية مختلفة عن تلك المتبعة في عهود الفراعنة. إذ أن الأقباط لم يكونوا يزيلون أحشاء الجثة قبل تحنيطها. وهذا يفسر وجود الكبد في هذه الموميات.
يعود تاريخ أقدم الموميات المصرية المكتشفة إلى ما قبل 5400 سنة، أي 3400 سنة قبل الميلاد. واعتمد أسلوب التحنيط لدى الفراعنة القدماء على إزالة الأحشاء ثم غمر الجثة بملح كربونات الصوديوم المستخرج من بحيرة النطرون لتجفيف الجلد واللحم، إضافة إلى أصماغ وقطران، ثم تمسح الجثة بالزيوت والعطور، وتلف بأشرطة من الكتان الأبيض ثم بقماش القنب وتوضع أخيرا في تابوت داخل القبر لتبقى للأبد حسب اعتقادهم.
يجدر بالذكر أخيرا أن بعض الجثث قد تتحنط بفضل الظروف الطبيعية، سواء داخل الجليد أو في رمال الصحراء أو الرمال الملحية والمهم في الأمر هو تجفيف الجثة لمنع عمليات التعفن بمرور الزمن.

Ca M’interesse Oct. 2011
P 36

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق