Powered By Blogger

الثلاثاء، 12 يونيو 2012

صبيّ يلهو بالاندماج النوويّ

أسمهان طعيمة
العرب اليوم، الثلاثاء،12/ حزيران 2012

حَلمَ تيلر وِلسون بأن يَصنعَ نجما. فأصبح هو ذلك النجم!

عندما رافق تيلر، ذو التسع سنوات، والده في زيارة إلى مركز الفضاء والصواريخ في أَلباما، توجهت مجموعة الزوّار إلى موقع نموذج بالحجم الطبيعي للصاروخ الفضائي ساترن 5، الذي أوصل الإنسان إلى القمر. وقبل أن تبدأ الشابة المرافقة بالشرح عن الصاروخ، رفع تيلر إصبعه، لا ليسأل، وإنما ليتحف المجموعة بشرح مفصّل عن نظام الدفع الصاروخيّ. تراجعت الدليلة للخلف وسط ذهول الجميع من تدفق المعلومات من فم الطفل، بمستوى وعمق يعادلان ما قد يصدر عن استاذ جامعي متخصص.
شعر والد تيلر بالحرج. وزاد حرجه عندما اتصلت الدليلة بمدير المركز قائلة له: " يجب أن ترى هذا الصبيّ".
لكنه لم يكن يعلم أن المستقبل يخبّىء له ما هو أخطر. وأنه سيشتاق إلى أيام طفولة ابنه عندما كان يهتم بأشياء "بسيطة" مثل الصواريخ، فخطورتها لا تقارن بالتأكيد مع الاندماج النوويّ الذي أصبح مجال اهتمام تيلر.
حوّل الصبيّ مرآب المنزل إلى مختبر يحفل بأشياء كثيرة غامضة: صخور ومعادن وسوائل مشعة وذات قدره هائلة. وانغمس في تجارب لاستنباط طرق جديدة لاستخدام النيوترونات في حل بعض أعقد تحديّات العصر: علاج السرطان والارهاب النوويّ. وبلغ الأوج عندما صنع مفاعلا تتصادم الذرات داخله لتشكل تلك المادة الغريبة: البلازما، عند 320 مليون درجة كلفن، أي أسخن من قلب الشمس بأربعين مرة. وليكون بذلك أصغر إنسان يحقق الاندماج النوويّ. كان عمره آنذاك 14 سنة.
نبوغ من المهد وعائلة رائعة
أدرك والدا تيلر منذ البداية أنهما يواجهان ظاهرة استثنائيّة. منذ البداية كان طفلهما يرفض ألعاب الأطفال ودُماهم. في سن الرابعة حصل على بذلة برتقالية ووقف أمام المنزل لينظّم حركة السير. وبمناسبة عيد ميلاده الخامس طلب رافعة. وعندما أحضر له والده رافعة من محل الألعاب، قال غاضبا، أريد رافعة حقيقية. لا شك أن ردّ فعل أيّ والد سيكون قمع طفله في هذه الحالة. لكن والد تيلر اتصل بصديق له يملك شركة إنشاءات. وما أن بدأت حفلة عيد ميلاد تيلر في حديقة المنزل، حتى وصلت رافعة بقدرة 6 أطنان. جلس تيلر وأصحابه على حضن السائق وتناوبوا على تحريك الرافعة فوق سطوح المنازل المجاورة.
لعبة خطرة بلا شك، لكن الألعاب اللاحقة كانت أخطر. ومع ذلك، فإن والدَيْ تيلر بذلا كل جهدهما لرعاية هذه العبقرية الواعدة.
في سن العاشرة، علق تيلر في غرفته الجدول الدوريّ للعناصر. وبعد أسبوع كان قد حفظ أسماء كافة العناصر وأعدادها الذرية وأوزانها الذرية ودرجات انصهارها. وبعد أشهر، واثناء حفل عائليّ، دخل تيلر مرتديا معطفا طبّيّا وحاملا إبرا طبّيّة. وأمر الجميع بأن يعطوه عينات من الدم لإجراء "تجارب جينية مقارنة" عليها. ولم يجرؤ أحد على الرفض.
في عيد ميلاده الحادي عشر حصل على كتاب يروي قصة صبيّ من مِشِغان، يدعى ديفِد هان، حاول أن يصنع مفاعلا هجينا في التسعينات. أثار الكتاب حماس تيلر، وقال انه واثق أنه سيحقق ما لم يحققه هان. حصل تيلر على عدّاد غايغر، الذي يكشف الإشعاعات، واستخدمه لتحديد وشراء أية قطع مشعّة في متاجر الخردة. وسرعان ما تجمعت لديه عينات من مختلف العناصر المشعة؛ إضافة إلى "مطياف الكتلة" الذي أهداه إياه رائد فضاء في هيوستن. وبعد إصابة جدّة تيلر بالسرطان، ركز اهتمامه على العلاج الإشعاعيّ. ثم وجّه اهتمامه إلى استنباط وسيلة لكشف أيّة مواد خطرة قد يهرّبها ارهابيون داخل آلاف الحاويات من البضائع التي تدخل الولايات المتحدة يوميّا. وفي كلتا الحالتين، انحصر تفكير تيلر في الاندماج النووي لتوفير الحلّ المطلوب. صمّم تيلر المفاعل الاندماجيّ وشارك به في معارض علميّة دوليّة. وقد فاز بفضله وبفضل ابتكارات أخرى بتسع جوائز قيّمة، ومئة ألف دولار.
يُعتبر تيلر وأمثاله، عن حقّ، ثروة قوميّة في أمريكا. ونتساءل: أليس لدينا أطفال مشابهون؟ وهل من فرصة لديهم في مجتمع القمع العائليّ والمدرسيّ والمجتمعيّ لدينا؟
مجلة "العلم الشعبيّ" الأمريكية، آذار 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق