Powered By Blogger

السبت، 15 أكتوبر 2011

حدائق الجيب تنقل الريف إلى عمان

حسام جميل مدانات


إذا عجزت عن العيش في الريف، انقل الريف الى بيتك! تخيل إمكانية حصولك في أية لحظة على حاجتك من الخضارمثل البندورة والبقدونس والجرجير ,والخس والفجل، طازجة نظيفة ومتاحة لك داخل البيت: أو حتى تموين المنزل بالثوم الذي أصبحنا نستورده من الصين بسعر الذهب.

على غرار كتاب الجيب، الكتاب الصغير الذي يتسع له جيب بنطالك، بدأت تنتشر في العالم ظاهرة حدائق الجيب واكتسبت هذه الموضة شعبية بعد أن أنشأت مشيل أوباما، زوجة الرئيس الأمريكي، حديقة خضار مصغرة في البيت الأبيض. وقد جذبت الزراعة عددا من المشاهير ومنهم المغنية الأمريكية كم وايلد التي اشتهرت في الثمانينات، وتفرّغت للزراعة حاليا.

دل استطلاع للرأي العام في فرنسا عام 2010 على أن نصف السكان يرغبون في زراعة خضار وفواكه في منازلهم، مقابل الثلث حسب استطلاع أجري عام 2008. ورافق ذلك توجهات بيئية وصحية. فقد صرح 53% منهم أنهم ينوون جمع مياه الأمطار واستخدامها لهذا الغرض. وأكد 78% أنهم لن يستخدموا المبيدات والأسمدة الكيماوية. وحتى الشباب، بين سن 15 و 30، أظهروا اهتماما بالزراعة المنزلية، إذ قال 28% منهم أنهم يمارسونها. وعندما نذكر الشباب يخطر ببالنا مجال اهتمامهم الأساسي حاليا، الانترنت. وقد ظهرت بالفعل على الفيس بوك نحو 500 مجموعة من هواة الزراعة المنزلية. ويجري من خلالها تبادل الخبرات والبذور والمجلات والكتب ذات العلاقة. وأصبحت تقام من وقت لآخر بازارات ومعارض للزراعة المنزلية. وهذا يثير فكرة إنشاء قناة تلفزة فضائية عربية مختصة بحدائق الجيب على غرار المحطات المكرسة لتعليم الطهي.

استغلال أمثل للحيز

إذا لم يكن لديك في المنزل شرفة أو بلكون مكشوف للهواء وأشعة الشمس، فالبدائل الأخرى عديدة. يمكنك الزراعة في أصص قرب النوافذ المعرضة للشمس. ويمكنك استغلال أي حافة خارجية أو أفريز النوافذ لوضع أصص عليها، بشرط تثبيتها لضمان عدم سقوطها على جيرانك في الطوابق الأدنى . وقد ازدهر سوق أدوات وخردوات حدائق الجيب، مثل أنماط متنوعة من الأصص القابلة للتعليق من السقف أو على الحائط أو على الدربزين وبأشكال زخرفية متنوعة وجميلة. وإذا لم تملك شرفة خارجية فإن الزراعة داخل البيت ممكنة بفضل لمبات تبث إضاءة وحرارة مناسبة لنوع البذور المزروعة.

ومن الإمكانيات الأخرى لحدائق الخضار والفواكه ضمن الأحياء السكنية ذلك النظام الذي ابتكرته مدينة نيويورك في السبعينيات والمسمى حدائق الحي Community Gardens ، حيث يمكن لعدة عائلات في الحي أن تتشارك في استغلال فضلة أرض في الحي في زراعة بيئية ومربحة في الوقت نفسه. وقد تزايد تطبيق هذا النظام في فرنسا مؤخرا.

عشة الفراخ على السطح

نعرف من الأفلام المصرية، القديمة خاصة، مصطلح عشة الفراخ على سطح العمارة السكنية. لا أعلم إذا كانت هذه الممارسة ما زالت شائعة في القاهرة حاليا، خاصة بعد موجات وباء انفلونزا الطيور وما تلاها من محارق وإعدامات جماعية للطيور بأنواعها. لكن هذه الفكرة تبدو جذابة للغاية لمدينة مثل عمان. تخيل أن يكون على سطح كل بناية في عمان كوخ أو عشة صغيرة يأوي اليها الدجاج ليلا، ويسرح على السطح خلال النهار. يتمتع مثل هذا المشروع بمزايا رائعة. فطعام الدجاج سيكون مجانيا من فضلات الطعام في مختلف شقق العمارة، فالمعروف أن الدجاج يأكل كل شيء. وهذا يضمن عدم وضع مواد عضوية في حاويات القمامة العمومية في الشارع. وبالتالي انتهاء عهد الروائح النتنة والكريهة الصادرة عن كافة حاوياتنا، وما تعج به من ذباب وصراصير وآفات أخرى.

ميزة أخرى هي حصول سكان العمارة على البيض البلدي الطازج وليس بيض دجاج المزارع المحقون بالهرمونات والذي يتعذى على العلف المركز، وما أدراك ما العلف المركز! ميزة ثالثة هي تلك الثقافة والمتعة التي سيحصل عليها أطفالنا وحتى كبار السن من تربية الدجاج والتعايش معه ومراقبته. وبالطبع فإن مثل هذه الفكرة ستجد لها معارضين كثرا. فمزارع الدجاج ومنتجو البيض سيتضررون منها. وسيثيرون تخوفات من احتمال انتشار الأمراض بين السكان والروائح وإزعاج صياح الديك في الصباح. لكنها جميعها اعتراضات وحجج واهية. فمن حيث الأمراض والأوبئة فإن أكثر مصدر لانتشارها بين الناس هم الناس أنفسهم. فالبكتيريا والفيروسات التي تسبب المرض لانسانٍ ما هي الأقدر على الانتقال لشخص آخر وإصابته بالمرض، بينما تلك التي تصيب الحيوانات والطيور تكون عادة عاجزة عن تسبيب المرض للانسان. وقد تعايشَ الانسان مع الدواجن آلاف السنين بكل تآلف وأمان.

وتبقى معضلة قوانين وأنظمة أمانة عمان التي قد تمنع تربية الدجاج في عمان. وهنا يجب مراجعة مدى منطقية هذه التشريعات. كما يمكن البدء بمشروع ريادي تجريبي في بعض العمارات السكنية، وملاحظة المشكلات الممكنة ومعالجتها، ومن ثم نشر هذه التجربة وتعميمها.

رأي الخبراء

أجرت المجلة الفرنسية "هذا يهمني" حوارا مع مدير مؤسسة فن العيش حول موضوع حدائق الجيب، نقتطف منه ما يلي:

- كيف تفسر ازدهار حدائق الجيب Jardins de poche في فرنسا حاليا؟

الواقع أن هذه الحركة قد بدأها أولا أنصار البيئة، لكنها آخذة في الانتشار. وهي تمثل أحيانا نوعا من التفاخر في تقديم منتجات الشرفة مثل البندورة الكرزية الصغيرة أو الفراولة. لكن هناك أسبابا أخرى مثل القلق من سلامة الفواكه والخضار المعروضة في الأسواق من حيث محتواها من المبيدات والأسمدة الكيماوية، أو حتى تلوثها بالميكروبات المسببة للأمراض. ويرافق ذلك رغبة في تعريف الأطفال عمليا بمهارات الزراعة، وهي أمور لم يعد يعرفها أطفال اليوم إلا نظريا في الكتب، (ونشير هنا الى ممارسات قديمة اختفت من مدارسنا في الأردن، وهي الحديقة المدرسية التي كان الأطفال يمارسون فيها مهارات الزراعة).

- هل يمكن تفسير هذه الظاهرة أيضا بأسباب اقتصادية؟

لا شك في ذلك، فالأزمة الاقتصادية دفعت الكثيرين لمحاولة الحصول على موارد أخرى والتوفير في النفقات، وهذا يفسر توجه ربات البيوت لزراعة الخضار وليس الزهور في حدائق الجيب.

- هل حصلت ظاهرة مشابهة في دول أخرى؟

نعم، فمدينة نيويورك مثلا تسعى منذ عدة سنوات لتصبح مدينة بيئية وخضراء. فقد أنشأت مساحات خضراء في الأحياء السكنية، وتشكّلت لجان تعاونية بين الجيران لاستغلال أية قطعة أرض خالية وتحويلها الى حديقة منتجة (قارن ذلك مع قطع الأراضي الخالية في عمان، والتي يسوّرها أصحابها حتى لا تُستخدم كمواقف للسيارات، لكنها تتحول إلى مكبات نفايات ومكرهات صحية). وتبث في بريطانيا برامج تلفازية تهتم بحدائق الجيب وكيفية انشائها والعناية بها. وبالمثل نجد برامج مشابهة في التلفزة الفرنسية، بعضها قديم مثل ذلك المعنون " جانب المنزل وجانب الحديقة" وبرنامج آخر بعنوان أصص وزهور.

(فهل نجد لدينا من يبادر لإعداد برامج مشابهة؟ إنها ضرورية وهي على الموضة أيضا.)

طرحنا إذن في هذه المقالة مشاريع تبدو جذّابة، وهي برسم التنفيذ . حدائق الجيب، وإنشاء قناة تلفازية عربية مكرسة لهذا الأمر وللتدبير المنزلي بشكل عام. ومشروع تربية الدجاج على سطوح البنايات السكنية، أو عشش الفراخ على النمط المصري. ولكل منها ضرورته وفوائده ومردوده الاقتصادي والتثقيفي، فهل من يتابع؟


Ca M’interesse Juin 2010
P 26

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق