Powered By Blogger

السبت، 15 أكتوبر 2011

العودة الى الحياة البطيئة

حسام جميل مدانات

إنها أحدث صرعة في فلسفة الحياة وأسلوب العيش. إنها الحياة البطيئة والرتيبة، بمختلف جوانبها. ومن ذلك طائفة تبنت طريقة الطعام البطيء Slow Food وتضم نحو 000 80 ثمانين ألف عضو في مختلف أنحاء العالم، وامتد نمط البطء ليشمل عدة مجالات أخرى كالتربية والسياحة والعمل.

لكن هذا التوجه يبدو متعارضا مع أسلوب حياتنا المعاصرة التي تتصف بالسرعة في كل شيء. نأكل على عجل، مما ساعد على انتشار مطاعم الوجبات السريعة. ونسافر وننتقل بسرعة، وإذا علقنا في زحام السير نتوتر ونغضب. وأصبحنا نشتري الملابس الجاهزة، فلا وقت لدينا لزيارة الخياط لتفصيل الملابس وقياسها عدة مرات وعمل البروفات. ولم نعد مستعدين للاستماع لأغاني طويلة مثل أغاني أم كلثوم، فالأغنية اليوم سواء كانت عربية أو أجنبية لا تتجاوز بضع دقائق.

ورغم هذه السرعة في ممارسة كل شيء، فإننا لا نملك الوقت، ونحن نلهث من الاجهاد والتعب، ونسعى لنحصل على كل شيء، ولنكسب نقودا أكثر لننفقها بسرعة أكبر.

أجرت مجلة " هذا يهمني" الفرنسية لقاء مع هارتمت روزا، الاستاذ في جامعة يينا الالمانية ومؤلف كتاب " التسارع" وهو نقد اجتماعي لزمننا، وهو أحد 12 خبيرا اشتركوا في تأليف كتاب عش أفضل اعتبارا من الغد. والكتابان صدرا بالفرنسية مؤخرا. وفيما يلي مقتطفات من هذا الحوار.

- إنك تعرض لنا مفارقة، وضعا نقائضيا. كلما توفر لنا وقت أكثر بفضل التطور التقاني، كلما قل الوقت لدينا.

- روزا: مع تقدم وسائل المواصلات وتسارعها وزيادة عددها ليصبح لكل عائلة، بل لكل فرد، في المجتمعات الحديثة سيارته الخاصة، ومع توسع شبكات الطرق والسكك الحديدية وخطوط الطيران، صغر العالم وتقلص. وتبدو كرتنا الأرضية لنا اليوم أصغر بستين مرة مما كانت عليه قبل ثورة المواصلات. لكن الطائرة مثلا لم تقلل فعلا زمن السفر. لأن الوقت الذي كسبناه بفضل سرعتها خسرناه في ميلنا للاكثار من الرحلات وفي زيادة مسافات السفر. فقديما كان أغلبية الناس لا يغادرون قريتهم أو منطقتهم وإذا قام أحدهم برحلة طويلة فقد تكون رحلة العمر. وعلى غرار ذلك يمكن القول أن توفر الانترنت والبريد الالكتروني، أو البريل، رغم أنه مكننا من كتابة الرسائل وارسالها بسرعة، دون الحاجة لإهدار الوقت في الذهاب للبريد، إلا أن ذلك لم يخفض الوقت الذي نمضيه في كتابة الرسائل. لأننا أصبحنا نوجه عشرة اضعاف عدد الرسائل التي كنا نرسلها سابقا، ونتلقى عددا كبيرا من الرسائل الإلكترونية، ومعظمها متطفّلة. أي أننا أصبحنا نحتاج وقتا أكثر للمراسلة . كما أننا نتعرض لطوفان من المعلومات عبر مختلف وسائل الاعلام. وهي معلومات لا تهمنا غالبا لكنها تستهلك وقتنا. (يتذكر بعضنا الصحف الأردنية في الستينات : الجهاد والدفاع وفلسطين، عندما كانت 4 صفحات، وقارنها مع صحف اليوم التي يناهز حجمها 100 صفحة. ونتذكر عندما وجدت قناتان تلفازيتان أردنيتان تبثان بضع ساعات في اليوم برامج ومواد منتقاة، مقارنة مع آلاف القنوات التي تبث أي شيء وكل شيء على مدار الساعة حاليا.)

وهكذا، رغم أن ساعات العمل الاسبوعية الاجمالية قد تقلصت، في أوربا، بنحو ست ساعات، إلا أنها ليست فعلا ساعات فراغ يمكن استغلالها في الاسترخاء والاستمتاع.

- إنك تقول أيضا أننا نتعرض لتسارعات أخرى، مثل التغير الاجتماعي وتسارع وتيرة الحياة.

- روزا: معظم الناس اليوم لا يبقون في وظيفة أو مؤسسة واحدة طول عمرهم، بعكس ما كان الحال عليه في السابق. بل حتى أنه لا يبقى مع شريك عمره . فحالات الطلاق تتزايد والحياة العائلية أصبحت هشة، وضعفت علاقة الآباء بالأبناء، وبالأهل والأقارب. وزادت حاجاتنا ورغباتنا وأنشطتنا على حساب ساعات النوم والوقت المكرس للوجبات وللاسترخاء. أصبحنا نعمل كل شيء بسرعة، حتى رحلاتنا التي يفترض بها أن تكون للنقاهة والاستجمام، أصبحت قصيرة سريعة رغم بعد المسافة أحيانا، فتجد البعض مثلا يقوم برحلة الى تايلند خلال 4 أيام، يمضي نصفها في الطائرة والمطارات!

- ما عواقب هذا التسارع؟

- روزا: الشعور بالاحباط. رغم جهودنا فإننا نشعر أننا لا ننجز أمورنا كما يجب، أو أننا نهمل بعض الواجبات الهامة. يتعرض الموظفون لضغوط كبيرة تجعل بعضهم ينهارون. قطعنا علاقاتنا بالماضي وبالقيم القديمة، لكن هذا لم يمنحنا الحرية. ورغم الرخاء الظاهري فإن المستقبل يقلقنا، لأن التغيرات الاقتصادية والمالية الكبيرة تجعلنا عاجزين عن توقع ما سيحصل غدا.

- هل يمكن الافلات من هذه الدوامة؟

- روزا: بصعوبة، بل إن الوضع يزداد تعقيدا. كان يوم الأحد عطلة للجميع (في فرنسا)، لكن عندما أصبحت المتاجر والمولات تعمل في هذا اليوم، فإنها حرمتنا من عطلتنا، أصبحنا نذهب للتسوق يوم الأحد لنشتري سلعا لا نحتاجها. كما أن مصيدة الهاتف الخلوي قد اقتنصت الجميع، لتستهلك ما تبقى من وقتهم.
وكرد فعل على هذا الوضع ظهرت صرعات مثل الطعام البطيء، لكني لا أعتقد بنجاعة هذه الظاهرة. فهؤلاء الأشخاص يخصصون يوما في الأسبوع لطهي الطعام وتناوله كما في ايام زمان. أصبحت الممارسة التقليدية أمرا استثنائيا. وهذا لا يغير شيئا في وتيرة الحياة اليومية.

ماذا نفعل ؟
- روزا: ليست هذه مشكلة شخصية بقدر ما هي مجتمعية وسياسية، إن هذا التسارع يشكل جزءا لا يتجزأ من جوهر الحداثة والرأسمالية، والتي تتطلب دائما نموا متزايدا، انتاجا أكثر واستهلاكا أكثر. وإذا أردنا حقا أن نبطيء ونتمهل، فإن علينا أن نتخلى عن هذا النمط وأن نتخيل ونبتكر أسلوبا آخر للعيش.

Ca M’interesse Mai 2011-08-12

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق