Powered By Blogger

السبت، 15 أكتوبر 2011

عندما يتوقف الزمن

حسام جميل مدانات

إننا نتحدث هنا عن توقف فعلي فيزيائي للزمن، وليس عن ذلك الشعور الذي يراود البعض أحيانا بأن الزمن قد توقف بالنسبة اليهم، وإن الأمس واليوم والغد أصبحت سيان؛ أو ذلك الوضع الذي تمر به بعض الشعوب حين يحكمها الماضي ويسيطر على تفكيرها وقيمها وسلوكها. فكأن الزمن قد توقفت حركته لديها.

سيتوقف الزمن بعد 3,5 مليار سنة

إنه توقع كوني غريب بالفعل، ذلك الذي توصّل اليه رفائيل بوسّو Raphael Bousso وزملاؤه من جامعة كليفورنيا في بيركلي. وليس المقصود بهذا أن الكون سيفنى أو يعود لما كان عليه قبل الإنفجار المهيب الذي يعتقد الفيزيائيون أنه كان بداية وجود الكون قبل 13,7 مليار سنة وإنما ذلك يشبه ما تفعله عندما تضغط على كبسة التوقيف Pause لوقف عرض فلم فيديو أو شريط صوتي.

توصل الباحثون إلى هذه النتيجة بناء على معادلات وحسابات رياضية معقدة، وهم فيزيائيون جديون ومرموقون وذوو مكانة عالمية. إنهم يتحدثون بكل جدية، ويقولون أن معادلاتهم تشير إلى أن كل شيء سيتوقف، يوما ما: بعد 3,5 مليار سنة.

تعتمد حساباتهم على نظرية فيزيائية تدعى نظرية الأكوان المتعددة، والتي كان قد ساهم في بنائها الفيزيائي ليونارد سسكند. وتقول هذه النظرية بأن كوننا ليس إلا فقاعة صغيرة ضمن كون أسمى Meta Universe يحتوي على عدد لانهائي من الأكوان، ولكل من هذه الأكوان قوانينه الفيزيائية الخاصة به. قد تبدو هذه العبارة غريبة وغير معقولة، لكنها تشكل نتيجة حتمية لنظرية الأوتار الفائقة في الفيزياء ولنظرية تمدد الكون.



تهدف نظرية الأوتار الفائقة الى توحيد القوى الأساسية في الفيزياء، وهي قوة الجاذبية، القوة الكهرمغنطيسية، القوة النووية الضعيفة والقوة النووية القوية.

وتفترض نظرية تمدد الكون بأن الكون قد شهد مباشرة بعد الإنفجار المهيب فترة من التمدد الفائق السرعة. وإذا قبلنا هاتين النظريتين، فإننا سنقبل حتما نظرية الأكوان المتعددة.

اعتمد بوسو وزملاؤه على هذه النظريات واستنفدوا إمكانيات حساب الاحتمالات في تطبيقها على هذه الأكوان المتعددة، فحاولوا الإجابة عن أسئلة على غرار: ما احتمال أن تنطبق قوانين كوننا على جزء آخر من الأكوان المتعددة؟ وما احتمال أن يكون جزء آخر من الأكوان المتعددة مناسبا لظهور الحياة؟ لكن المشكلة هي أن الأكوان المتعددة تتضمن عددا لانهائيا من الأكوان التي قد تكون مختلفة عن بعضها البعض. ويستحيل رياضيا حساب الاحتمالات في فضاء لانهائي. ولهذا فإن على الفيزيائيين أن يختاروا جزءا محدودا من هذا الفضاء اللانهائي. أي جزءا محدودا من الأكوان المتعددة، حتى يمكنهم أن يقوموا بحسابات الاحتمالات فيها، ومن ثم يمكنهم أن يعمموا النتائج على كامل الفضاء اللانهائي. ويطلق الفيزيائيون على هذه العملية مصطلح المقرابة أو الطريق المختصرة Cut off.

ظلال من الشك

يمكننا إذن أن نلخص طريقة الاستدلال التي بنى عليها هؤلاء الفيزيائيون نظريتهم كما يلي: لا تكون أية نظرية فيزيائية صحيحة إلا إذا وفرت إمكانية حساب احتمالات حوادث مستقبلية. لكن المختصين في نظرية الأكوان المتعددة يعجزون عن إجراء هذه الحسابات إلا إذا افترضوا أن الزمن سيتوقف يوما ما. وهذا يعني أنه إذا كانت نظرية الأكوان المتعددة صحيحة فإن علينا أن نقبل بفكرة توقف الزمن في لحظة ما في المستقبل. وعند اعتبار اجمالي الزمن الماضي في هذه الحسابات، فقد توصل بوسو وزملاؤه الى تحديد اللحظة التي يتوقف فيها الزمن، وهي بعد 3,5 مليار سنة.


لكن الفيزيائي الفرنسي أورلين بارو من مختبر الفيزياء تحت الذرية والكونية في غرينوبل، يعترض على هذه النتيجة. فهي حسب رأيه قد نتجت عن حيلة اعتمد عليها بوسو لتطبيق نظرية الاحتمالات على فضاء لانهائي، ونعني بهذه الحيلة طريقة المقرابة التي ذكرناها سابقا. ويرى بارو أن الرياضيين قد يتوصلون الى طريقة لتعريف الاحتمالات تعريفا دقيقا في فضاء لانهائي، وعندئذ لن نحتاج لاعتماد المقرابة، ولن نحتاج لافتراض توقف الزمن.

يدلنا هذا الجدل على الاضطراب الذي يسود عالم الفيزياء الأساسية اليوم. هل أن توقع توقف الزمن يصف حقيقة مستقبل العالم؟ وهل أنه يفتح الباب أمام فيزياء جديدة تتعامل مع تطور الكون؟ هل هي نتيجة خرقاء ومستحيلة لنظريات معاصرة معيبة؟ وهل تنتج عن عدم انسجام بين الفيزياء والرياضيات؟

ونورد هنا نقدا منطقيا يوجه الى نظرية الأكوان المتعددة. فإذا كان أي كون آخر لا يمكنه أن يتصل بكوننا بأية وسيلة، وإلا فإن الكونين سيكونان كونا واحدا. فهذا يعني أنه لا يوجد إمكانية لإدراك وجود هذا الكون الآخر أو لمعرفة اي شيء عنه. وبالتالي فإنه لا معنى نهائيا للتحدث عنه. اللهم إلا من ناحية رياضية بحتة.

النظرية النسبية وتوقف الزمن

في كتاب د.هشام غصيب، هل نشأ الكون من العدم؟ – المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1991 ، ناقش المؤلف في الفصل العاشر المعنون: هل يمكن أن يتوقف الزمن؟ هذه الفكرة ضمن عرضه لنظرية النسبية العامة. ونقتطف هنا فقرة من هذا الفصل. يقول د. غصيب أن المجال الجاذبي يبطىء الزمن، ويكون هذا الإبطاء كبيرا في حال الأجرام التي تولد مجالات جاذبية كبيرة وسريعة التغير، كما هو الحال مع النجوم الكثيفة المادة، أي الكبيرة الكتلة والصغيرة الحجم، وهي الأقزام البيضاء والنجوم النيوترونية والثقوب السوداء، فالزمن يسير بتثاقل شديد على سطح نجم نيوتروني بالنسبة الى الزمن على سطح الأرض مثلا.

لكن الأغرب من ذلك أن الزمن يتوقف كليا على سطح ثقب اسود، وذلك بالنسبة الى مشاهد خارج الثقب الأسود، فإذا اقترب جسم من سطح ثقب اسود، فإننا لا نشاهده يخترق هذا السطح مهما انتظرنا، إنه يقترب ببطء من هذا السطح ويظل يقترب منه، لكنه لا يخترقه، لأن الزمن يتوقف كليا هناك بالنسبة الى المشاهد الخارجي.

Science et Vie 3/2011
P 78

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق