Powered By Blogger

السبت، 15 أكتوبر 2011

أزمة العناصر الأرضية النادرة

حسام جميل مدانات


أعلنت الصين هذه السنة (2011)أنها خفضت صادراتها من العناصر الأرضية النادرة بنسبة الثلث، فأثارت غضب الدول الصناعية الكبرى، والتي استنكرت هذا القرار بشدة.

فما هي هذه العناصر، ولماذا هي مهمة للعلم اليوم، وما سر سيطرة الصين على انتاجها وعلى سوقها العالمية؟

العناصر الأرضية النادرة ليست نادرة!

العناصر الأرضية النادرة Rare earth elements هي مجموعة مكونة من 17 عنصرا تظهر معا ضمن الجدول الدوري للعناصر. وتدعى اللنثنويات Lanthanoids وهذه الكلمة اللاتينية الأصل تعني المخفية أو المخبأة، وهي تتضمن 15 عنصرا، إضافة الى عنصرين آخرين يتواجدان عادة ضمن نفس الخامات ويظهران صفات كيميائية مشابهة. ورغم هذه التسمية، فإن هذه العناصر ليست نادرة التواجد على سطح الأرض. فالسيريوم مثلا يحتل المرتبة 25 بين العناصر في مستوى توفره، ونسبته في القشرة الأرضية هي 68 بالمليون. أي بقدر توافر النحاس. إذن ما سر هذه التسمية غير الموفقة كما يبدو؟

الواقع أن السر يكمن في عدم تواجد عناصر هذه المجموعة مركزة ضمن ترسبات أو تراكمات يمكن تعدينها بسهولة وفي مواقع محددة وذلك بسبب خصائصها الكيميائية المميزة. والواقع أن التعبير earth ليس بمعنى أرضي وإنما كان يعني معدنا أو أكسيدا وبالتالي فإن الترجمة العربية الأنسب قد تكون: العناصر المعدنية النادرة.







نبذة تاريخية

في عام 1787 اكتشفت صخور معدنية غريبة قرب قرية اتربي Ytterby السويدية . ثم تمكن يوهن غدولين من جامعة تُركو السويدية من استخلاص عنصر جديد وغير معروف سابقا من هذه الصخور أطلق عليه إسم اتريا Ytteria . ثم توالى اكتشاف عناصر أخرى مشابهة، وكان معظمها في السويد. ولهذا السبب نجد أن أسماء عدة عناصر أرضية نادرة قد اشتقت من أسماء سويدية. فقرية أتربي وحدها أعطت أسماء لأربعة منها، هي: Yttrium, Erbium, Terbium, Yetterbium

خلال اربعينيات القرن الماضي جرى تطوير طرق التبادل الأيوني لفصل وتنقية العناصر المشعة الثقيلة مثل البلوتونيوم من أجل الأبحاث الذرية، واستخدمت الطريقة نفسها لفصل وتنقية العناصر الأرضية النادرة. وتستخدم حاليا طرق أخرى أيضا مثل البلورة الجزئية.

استخدامات هامة

إن عصرنا هو عصر الاتصالات الالكترونية. ولا يخلو منتج الكتروني من بعض العناصر الأرضية النادرة، كما أن هذه العناصر تدخل في مجالات بالغة التنوع من الصناعات التقنية المتطورة، مثل أجهزة الميزر والليزر، وصناعات الفضاء والبطاريات الذرية وعدسات التصوير وأجهزة تكرير النفط والموصلات الفائقة ومغانط خاصة ولمبات الزئبق وأنابيب الأشعة السينية والزجاج ذي معامل الانكسار العالي.

إنتاج صيني بامتياز

تركز إنتاج العناصر الأرضية النادرة في البداية في الهند والبرازيل، ثم جنوب افريقيا والولايات المتحدة حتى دخلت الصين هذا المجال بقوة هائلة فاصبحت تنتج 97% من حاجة العالم من هذه المعادن، رغم أنها تمتلك ثلث الاحتياطيات العالمية المثبتة. لقد تزايد الطلب العالمي على هذه العناصر بدرجة فاقت كثيرا الانتاج مما يهدد باستنزاف الاحتياطي العالمي المعروف خلال بضع سنوات. لقد أعلنت الصين أنها ستخفض صادراتها الى 35000 طن سنويا خلال السنوات 2011-2015 بحجة حماية البيئة والمحافظة على هذه الثروة من النضوب سريعا. لكن مجلة الاقتصادي- الاكونومست-البريطانية ترى أن السبب الحقيقي وراء ذلك هو رغبة الصين في استخدام هذه المعادن في الصناعة لديها بحيث يكون مردودها الاقتصادي عند التصدير عاليا بدلا من تصديرها كمواد خام وبأسعار هزيلة.

مشكلات بيئية

تسبب عمليات تعدين العناصر الأرضية النادرة وتنقيتها واستخلاصها وتدويرها أضرارا بيئية خطيرة إذا لم تضبط ضبطا صارما. أحد مصادر الخطر هو الشوائب المشعة الموجودة في خامات هذه العناصر، ومنها الثوريوم واليورانيوم. وهذه العناصر المشعة تبقى في النفايات المتبقية بعد استخلاص العناصر الأرضية النادرة.

المصدر الآخر للخطر هو استخدام أحماض سامة في عملية التنقية. وإذا لم تراقب هذه العملية جيدا فإن هذه الأحماض تدمر البيئة المحيطة. وكانت الصين قد أعلنت في أيار 2010 عن حملة لمنع التعدين غير الشرعي لهذه المعادن، حيث يمارس البعض في الأرياف النائية عمليات التعدين ويلقون بالنفايات المشعة والسامة في الأنهار. ومن أمثلة هذا الضرر البيئي ما حصل في منطقة منجم بكت مرة في ماليزيا، حيث تزايدت الإصابات بسرطان الدم وتشوهات الولادة، واضطرت الحكومة الى تخصيص مئة مليون دولار لتنظيف المنطقة من مخلفات تعدين هذه العناصر، ويتضمن ذلك وضع النفايات المشعة في 80000 برميل حديدي ونقلها الى قمة تلة مجاورة. ويتوقع إنجاز هذه المهمة خلال الصيف الحالي.

Science et Vie + Wikipedia

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق