Powered By Blogger

السبت، 15 أكتوبر 2011

العودة إلى الطبيعة

حسام جميل مدانات


تخيّل أن أمانة عمان تقرر إعادة سيل عمان الى الحياة، وأن تزيل سقف السيل الذي أصبح شارعا يمثل قلب البلد. لكن هل سنحصل عندئذ على سيل ماء يشبه القديم ؟ هل سيكون ماؤه نظيفا – بل هل سيكون فيه ماء؟..

في الواقع أن ما أثار هذا التساؤل الذي يبدو مستحيلا هو إجراء مشابه قامت به سلطات سول ( سيئول ) عاصمة كوريا الجنوبية عندما كشفت مجرى مائيا في قلب العاصمة ، كانت قد غطته في ستينيات القرن الماضي تحت سراط أو اتوستراد طوله 10كم . والآن عادت الحياة الى هذا السيل ، فاصبح يعج بنحو 500 نوع من النباتات ، ويرتاده 34 نوعا من الطيور.



مشاريع " لا عمرانية" في كل مكان

بدأ تنفيذ مشاريع العودة الى الطبيعة في عدة دول منذ بضعة عقود من الزمن . فدمرت هولندا بضعة سدود كانت تحجز ماء البحر عن أراضيها الواطئة والواقعة دون مستوى سطح البحر . وهكذا زحف البحر وغطى ماؤه مساحات كانت قد استغلت في الزراعة منذ انشاء تلك السدود.

وأزيلت في مناطق أخرى بساتين فاكهة أو احراج اصطناعية لإعادة الأرض لما كانت عليه. ومن ذلك ما قامت به سلطات قرية كرو الفرنسية على مصب نهر الرون في آذار 2009 . كان المشهد غريبا حقا عندما انتزعت الجرافات آلاف أشجار الدراق والحور واجتثتها من جذورها. ولم يكن الهدف إنشاء مدينة سكنية أو مشروع صناعي، وانما إعادة المنطقة لما كانت عليه قبل ثلاثين سنة، ففي ثمانينيات القرن الماضي تمت تسوية المنطقة وأزيلت نباتاتها الطبيعية الأصلية وزرعت بالأشجار المثمرة، وهو تصرف غير مسؤول وأساء لهذه البيئة الفريدة من نوعها. فهذه المنطقة كانت تحوي تنوعا من النباتات الزهرية يبلغ 70 نوعا في المتر المربع. لكن إعادة المنطقة الى ماكانت عليه لن يكون بالأمر السهل.

مؤيدون ومعارضون

تحظى حملة العودة الى الطبيعة بمؤيدين من البيئيين والخضر في الدول الصناعية المتقدمة. لكنها تواجه معارضة حتى بين أنصار البيئة أنفسهم . يبرر المعارضون موقفهم بأن هذه الحملات مكلفة للغاية، ولعل الأجدر والأولى أن تنفق هذه الأموال في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البيئات الطبيعية القائمة حاليا. ولإعطاء فكرة عن الكلف، نشير الى أن استراليا مثلا تنفق نحو 1000 دينار لكل هكتار تعيد زراعته بأشجار الكينا في جنوب استراليا، وتكلف إعادة تأهيل الحيود المرجانية في جنوب شرق آسيا 11 مليون دينار للهكتار . أما المشروع الذي نفذ في قرية كرو الفرنسية فقد كلف 12,5 مليون يورو أو دينار ، تشمل استملاك الأرض والأشغال والمتابعة العلمية والإدارية.


نزع الأشجار للمحافظة على الماء

في عام 1995 بدأت حكومة جنوب افريقيا مشروعا أطلق عليه اسم : العمل من أجل الماء، وتمثل في التخلص من نحو 8000 نوع نباتي كان قد أدخلها الأوروبيون قصدا أو عن غير قصد الى البلاد خلال القرون الأربعة الماضية. لقد انتشرت أشجار مثل الصنوبر أو الكينا أو الأكاسيا وتكيفت مع البيئة وكادت تقضي على الأنواع النباتية الأصلية. وأحد التأثيرات السيئة لهذه النباتات الغريبة هو أن جذورها تمتد عميقا في التربة وتستهلك كميات كبيرة من الماء. فاذا علمنا أن معدل السقوط المطري في جنوب افريقيا لا يزيد عن 500 مم، ( أي انها تشابه شمال الأردن مثلا في كمية الأمطار ، بينما المعدل في معظم الدول الأوربية مثلا يفوق الألف مم). فاننا ندرك مدى التأثير السلبي لهذه الأشجار النهمة تجاه الماء على الانواع النباتية الأخرى.

وهكذا فإن حكومة جنوب افريقيا قد أنفقت منذ عام 1995 نحو 500 مليون يورو، أي نصف مليار لتنفيذ 300 مشروع في أنحاء البلاد لنزع الأشجار الدخيلة واحلال أشجار وطنية محلها.

وأخيرا نورد مثالا لمشاريع العودة للطبيعة في أندونيسيا، فقد لوحظ أن الأراضي التي كانت مغطاة بأشجار المنغروف الطبيعية قد قاومت أو خففت من تأثير كارثة التسونامي أو المد البحري العنيف الذي تعرضت له شواطىء أندونيسيا في أواخر عام 2004. وهكذا فقد تبنت الحكومة ومؤسسات دولية مشاريع لإعادة زراعة المنغروف في أراض كانت قد حولت لزراعات غذائية أو لتربية الأسماك.

فهل لنا أن نحلم بعودة أراضينا الزراعية لما كانت عليه قبل استعمارها بالاسمنت والاسفلت؟

بالطبع هذا غير وارد. لكننا نأمل في اجراءات وسياسات توقف امتداد التصحر العمراني على ما بقي من أراض زراعية. وبأن يتوجه البناء والسكن نحو الأراضي الشرقية كبديل منطقي وحيوي لبقاء الآجيال القادمة، وبالأحرى لاستمرار وجود هذا البلد .


Ca M’interesse 7/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق