Powered By Blogger

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

ماذا جرى عام 775؟ (لماذا زاد الكربون 14؟)

حسام جميل مدانات، العرب اليوم، 2/4/2013 فوجئ باحثون يابانيون حين حللوا ساقي شجرتي أرز عمرهما نحو الفي سنة، بوجود مؤشرات على ارتفاع غير متوقع في تركيز نظير الكربون 14 في عام 774 – 775. ونعلم أن حلقات ساق الشجرة تدلّ على عمرها. كل حلقة تمثل سنة واحدة. تلقف المختصون في العالم نبأ هذا الكشف باهتمام بالغ، وسعوا للتحقق من صحته عن طريق فحص حلقات سيقان اشجار معمرة تعود للفترة نفسها، فثبتت لهم صحته. فما سر هذه الظاهرة الغريبة؟ لعلّ الإجابة عن هذا السؤال تدخل ضمن مجال الفيزياء الفلكية أكثر مما هي ضمن علم الأحياء. بحث العلماء، عبثا، عن مؤشرات وأدلة فلكية في بطون كتب التاريخ التي تغطي تلك الفترة، باستثناء إشارة إلى ظهور صليب أحمر في السماء حسب السجلات البريطانية لتلك السنة. ما هو نظير الكربون 14؟ 99% من الكربون الموجود على كوكب الأرض هو النظير 12، والباقي هو النظير 13، باستثناء نسبة ضئيلة للغاية، لا تتعدى جزءا من ترليون (مليون مليون) مكونة من النظير 14. وهو نظير مُشع، يتحلل إلى نيتروجين وجسيم بيتا (الكترون). وحياة النصف للكربون 14 هي قرابة 5750 سنة. أي لو كان لديك مليون ذرة منه، فإن نصفها يتحلل ويتحول إلى نيتروجين خلال 5750. وهكذا إذا وجدنا أن نسبة هذا النظير في هيكل عظمي قديم هي نصف نسبته المعتادة، فهذا يعني أن هذا الهيكل يعود لحيوان عاش قبل 5750 سنة، وهكذا. يتكون الكربون 14 في الغلاف الجوي بتاثير الأشعة الكونية على النيتروجين الموجود في الجو. وهذا التأثير ثابت دائما، إلا حين تحصل حوادث فلكية استثنائية. كما أن التجارب النووية التي أجريت بكثافة فوق سطح الأرض خلال الفترة 1955 – 1980 قد زادت نسبة الكربون 14 في الجو. لغز محير وتفسيرات عجيبة: لنعد إلى لغز ارتفاع نسبة هذا النظير في شجرتي الأرز اليابانيتين. تبين أن المحتوى من الكربون 14 في حلقة الساق التي تعود لسنة 775 قد ارتفع بنسبة 1,2% وهذا يعادل عشرين ضعف نسبة التغير الطبيعية. ثم انخفض المحتوى تدريجيا خلال السنوات العشرين التالية ليعود إلى مستواه الطبيعي. وبما أننا نستبعد أي تفجير نووي على سطح الأرض في تلك الحقبة، فإن التفسير الوحيد المتبقي هو حصول حادثة فلكية استثنائية. نشير أولا إلى أن كتب التاريخ لا تقدم مؤشرات ذات دلالة على ملاحظة أية حادثة فلكية استثنائية في تلك الفترة. في بلادنا، كانت الخلافة العباسية في طور التأسيس (750: انتصارهم على الأمويين في معركة الزاب الكبير) وفي عام 775 أصبحت بغداد أكبر مدينة في العالم، لكن مراصدها الفلكية لم تكن قد أنشئت بعد. وفي الغرب كان شارلمان يعمل على احتلال أجزاء من ايطاليا والمانيا، لكن لا أحد في أوروبا كان يهتم برصد السماء حينئذ. وكانت حضارة المايا في أمريكيا الجنوبية في أوجها أيضا، لكن فلكييها لم يسجلوا اية ظواهر غير عادية. وعلى الرغم من ذلك، فإن باحثينا يجدون أنفسهم مدفوعين للتفكير في كافة الاحتمالات الكونية الممكنة. ومن هذه الاحتمالات:  انفجار سوبرنوفا قريب: السوبرنوفا، أو النجم المتجدد، أو المستعرّ الأعظم، هو نجم يصل نهاية عمره، وينفجر مطلقا طاقة تفوق الطاقة التي تطلقها الشمس بمئة مليون مرة. ويبث حينئذ طوفانا من أشعة غاما. فيصل بعضها جو الأرض وينتج الكربون 14. لكن مثل هذا الانفجار، لو أنه حصل، لسجّلته كتب التاريخ، مثلما سجلت ظهور مستعرات عظمى أخرى كانت تظهر واضحة للعين المجردة، مثل ذلك الذي ظهر عام 1006 وكان قرصه أكبر بثلاث مرات من قرص كوكب الزهرة.  ثقب أسود: الاحتمال الثاني هو أن نجما أثقل من الشمس 30 – 100 مرة قد انهار وتحول إلى ثقب أسود خلال بضع ثوان. لكن هذه الثواني كافية لإطلاق نفثات هائلة من أشعة غاما. وهنا أيضا يعترض فلكيون قائلين إن هذه الظاهرة نادرة للغاية، وتدلّ حساباتهم على أنها تحصل مرة كل 100000 – 1000000 سنة.  انفجار شمسي فائق: يحصل انفجار غير عادي في الشمس، وتنطلق منها بروتونات ذات طاقة عالية، فتصل جو الأرض وتنتج الكربون 14.  المصدر الرابع المحتمل هو انفجار مغنِتار Magnetar أو النجم المغنطيسي. وهو نجم نيوتروني وله أعظم مجال مغنطيسي في الكون، فتنطلق طاقة تعادل ما تطلقه الشمس خلال مئة الف سنة، على شكل أشعة إكس وأشعة غاما. لكن هذا التفسير غريب. ولم نكتشف حتى الآن سوى عشرين نجما من هذا النوع في مجرتنا. وجميعها أبعد من أن تحدث تأثيرا واضحا على سطح الأرض. ويقدم آخرون تفسيرات غريبة أخرى، مثل توقف الرياح الشمسية خلال بضعة اشهر في ذلك العام. هذه الرياح تحرف الأشعة الكونية وتبعدها عن الأرض؛ أي أن توقفها يعرّض الأرض لطوفان من الأشعة الكونية التي تنتج الكربون 14. أو أن الدرع المغنطيسي الذي يحمي الأرض قد ضعف في تلك الفترة، فأتاح للأشعة الكونية والشمسية أن تغزو جو الأرض بكثافة. وعلى أية حال، فإن الباحثين ما زالوا يكدون ويُعملون عقولهم لحلّ هذا اللغز غير المتوقع. Science et Vie Sep 2012 P 92-98

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق