Powered By Blogger

الثلاثاء، 28 مايو 2013

شبح المجاعات يلوح في الأفق

المحرر العلمي، العرب اليوم، 28/5/2013 قد يبدو هذا العنوان للبعض غريبا ومبالغا به؛ فنحن نعيش في الأردن، وفي العالم عامة، عصر الوفرة. وفرة في الطعام، وتنوع هائل في اشكاله وأطباقه ومصادره. أصبحنا نتوقع توافر مختلف أصناف الخضار والفواكه واللحوم طوال العام وبأسعار معقولة. وتبدو بعيدة منسية تلك الأيام حين كان أجدادنا لا يعرفون الخضار إلا في شهر أو اثنين من السنة، وليست جميع الخضار التي نعرفها الآن، وحين كانت الأغلبية لا تتناول اللحم إلا في المناسبات. وكان الطعام اليومي للأغلبية هو الخبز الحاف. وغابت عن الذاكرة المجاعات المتكررة بسبب غزو الجراد أو المحل أو مصادرة السلطنة العثمانية للحبوب والدواب والمواشي، وتسفير الرجال للحرب كما حصل في السفر برلك، الحرب العالمية الأولى، قبل مئة سنة، حين اضطر الناس لأكل الأعشاب وجذورها. على الرغم من حصول مجاعات محلية أو اقليمية من وقت لآخر (الصومال،...) فإن احتمالات حصول مجاعة لدينا أو لدى غيرنا أصبحت ضئيلة بفضل عوامل عدة: التقدم العلمي والتقني الذي أتاح حراثة الأرض وحصاد المحاصيل بطرق آلية أسرع وأكفأ كثيرا من الطرق اليدوية التقليدية؛ واستخدام السماد الكيميائي، ومبيدات الآفات الزراعية، وتهجين أصناف زراعية أفضل وأغزر انتاجا، واستصلاح أراض زراعية جديدة على حساب البيئة الطبيعية من مستنقعات تجفف، وغابات تقطع. وتحسين الطرق ووسائل المواصلات تحسينا هائلا أتاح النقل السريع للمنتجات الزراعية داخل البلد الواحد وعبر العالم، مع استخدام وسائل الحفظ كالتبريد. كل ما ذكرنا ساهم في توفير الغذاء لسكان العالم الذين يتزايدون بوتيرة غير مسبوقة. إنه انفجار سكاني؛ وإذا تواصل بالمعدل نفسه فإن احتمالات العوز الغذائي، وحتى المجاعة، في بعض أنحاء العالم واردة لا محالة. لقد تناقص معدل مساحة الأراضي الزارعية للفرد في العالم من 4.5 دونم عام 1960 إلى النصف، أي 2.2 دونم عام 2008. نذكر مثلا أن عدد سكان شرق الأردن في بداية القرن الماضي لم يتجاوز مئة وخمسين ألفا، وهم الآن أكثر من ستة ملايين. وكان الأردن يصدّر القمح، وهو الآن يستورد 99% من حاجته منه (هل سنصمد لو تعرضنا لحصار اقتصادي كالذي تعرضت له العراق لأكثر مكن 10 سنوات؟). ويجدر بالذكر عامل خطورة يهدد الأمن الغذائي لدينا ولدى غيرنا، ألا وهو التعدّي العمراني على الأراضي الزراعية. وقد ارتكب الأردن جريمة لا يمكن إصلاحها بحق نفسه حين حوّل الأراضي الخصبة إلى غابات اسمنتية؛ وكان الأجدر والأولى أن تبنى المدن شرقا في الأراضي غير الزراعية. توفر الحبوب نصف مصدر الطاقة التي يحصل عليها البشر من الطعام، ويمثل القمح والرز النسبة الأكبر منها. وإذا حصلت ظروف متطرفة سببت تراجعا كبيرا في انتاج المحاصيل الزراعية، فإن أسعارها ترتفع تلقائيا. لكن رفع اسعار المواد الغذائية الأساسية في الدول الفقيرة يعرضها لاضطرابات وقلاقل شعبية – كما حصل في ثورة الخبز في الأردن قبل ربع قرن. وهذا قد يزيد الأمر سوءا. ولحسن الحظ فإن الكوارث الزراعية لا تصيب جميع الدول في الوقت نفسه، بل قد يترافق نقص إنتاج محصول معيّن في منطقة ما مع زيادته في بلد آخر، ما يساهم في استقرار الأمن الغذائي العالمي. ولا بد من الإشارة إلى عامل الخطورة الأكبر على الأمن الغذائي، وهو الهدر الذي يمارسه أثرياء العالم وحتى الطبقة المتوسطة التي تقلدهم. فهؤلاء يبذرون ويتلفون نسبة لا بأس بها من الموارد، خاصة الغذائية منها؛ كما أن النهم والإفراط في تناول الطعام غدا ظاهرة عامة؛ ولعلّ من يموتون بسبب التخمة أكثر ممن يقتلهم الجوع. ويكفي أن تشاهد ما تعرضه مواقع الانترنت من وقت لآخر عن ولائم ومناسبات في دول الخليج مثلا، حين تنحر مئات رؤوس الإبل لتلقى لحومها في حاويات القمامة في الصحراء. ورغم محدودية موارد الأردن، فإن هذه الممارسة شائعة أيضا في مناسباتنا الاجتماعية المختلفة. الخلاصة أن احتمالات تراجع الإنتاج الزراعي العالمي، أو حتى حصول الكوارث الزراعية، واردة، فانتاج الحبوب مثلا على مستوى العالم بلغ 663 مليون طن عام 2012، متراجعا بنسبة 2.6% عن عام 2011. كما أن دولا مثل أمريكا والبرازيل تحول نسبة من انتاجها من الذرة وقصب السكر إلى وقود للسيارات. لكن على الرغم من كل هذا فإن سهولة النقل والتجارة في العالم، والمبادرات الدولية للإغاثة، تبعد شبح المجاعة عن الدول الفقيرة، ولو إلى حين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق