Powered By Blogger

الثلاثاء، 14 مايو 2013

القضاء والعلم: (1) هل حقا أن القضاء يعيق العلم وتقدمه؟ (2) زلزال أكويلا: القتل بالإهمال، أم الراعي والذئب؟


هل حقا أن القضاء يعيق العلم وتقدمه؟ م. حسام جميل مدانات، العرب اليوم، 14/5/2013 نعلم أن القضاء عبر التاريخ، سواء كان دينيا متمثلا بمحاكم التفتيش وما شابهها، أو قضاء مدنيا، كثيرا ما عاقب العلماء والباحثين، لسبب بسيط، أن العلم يتطور بسرعة، وليس فيه مسلمات جامدة أو مقدسة لا يمكن نقضها حتى لو بينت التجارب خطأها. أما القانون، فهو غالبا بطيء التطور، وينظر اليه بصفته كينونة سامية وشبه مقدسة، ويعتبر القضاة ورجال القانون فوق الجميع. هذه الصلاحيات المطلقة تقود أحيانا إلى استغلال السلطة وإساءة استعمالها. نناقش فيما يأتي قضيتين وقف فيهما القضاء ندا للعلم وحرية نشره. أولاهما في الولايات المتحدة، والثانية في ايطاليا. (1) انتحار شوارتز وحرية المعلومات في 11 كانون الثاني/ يناير الماضي، انتحر شنقا عبقري الانترنت، والناشط السياسي والساعي دون كلل من أجل تحرير المعلومات، آرون شوارتز Swartz عن 25 عاما، (ولد في 8/11/1986)، قبل الموعد المحدد لمحاكمته بتهمة اختراق مواقع أبحاث علمية متاحة للمشتركين فقط، ثم نشرها على الانترنت للجميع. ألقي القبض عليه في أواخر عام 2011، وكان مقررا أن تبدأ محاكمته في نيسان 2013، وتضمنت العقوبات المتوقعة المطالبة بسجنه 35 عاما، وتغريمه مليون دولار. هذه التهديدات أصابت شوارتز باكتئاب شديد انتهى به إلى الانتحار. آمن شوارتز بأن المعلومات يجب أن تكون متاحة مجانا للجميع. وقد عمل بكل طاقته وبمختلف الوسائل لتحقيق هذا الهدف. شارك في التحرير الطوعي المجاني لمحتويات ويكيبيديا، وتعاون مع آخرين في إنشاء عدة مؤسسات عاملة في مجال النشر المجاني للمعلومات بمختلف أنواعها. فالأبحاث العلمية مثلا قد أنجزت بفضل الأموال العامة، أموال دافعي الضرائب، ولا يحق لأية جهة أن تمنع الإطلاع عليها أو تطلب المال مقابل ذلك. في ايلول 2010 دخل شوارتز على خوادم معهد مساتسوشتس للتكنولوجيا MIT، ونسخ عددا كبيرا من الأبحاث، ثم نشرها على الانترنت لإطلاع الجميع. وكانت هذه بداية المتاعب الخطيرة التي وقع فيها شوارتز مع القضاء الأمريكي. في 17/11/2011 قاضته هيئة المحلفين بتهمة الدخول غير المخول إلى شبكة حاسوبية. وقبل انتحاره بيومين، أخبرت المدعية العامة محامي شوارتز أنه لا بدّ من سجنه ستة أشهر، وأن يعترف بأنه مذنب في 13 تهمة، إذا رغب في تجنب المحاكمة، التي كان متوقعا أن تحكم عليه بالسجن 35 سنة. وحين رد المحامي بأن شوارتز مكتئب ويظهر نزعات نحو الانتحار. كان ردها: فلنسجنه إذن. بعد انتحار شوارتز وقع 50 000 شخص على التماس مقدم للبيت الأبيض لإعفاء المدعية العامة كارمن اورتز من وظيفتها، واتهمت بأنها كذبت على القاضي، وأنها طلبت من الجهات الأمنية معلومات عن شوارتز دون امتلاك هذه الجهات تصريحا بذلك. كما أنها أخفت عن محامي شوارتز طوال سنة معلومات مهمة رغم الالتزام القانوني والأخلاقي بتزويد المحامي بها. إضافة إلى ذلك، فإن إحدى الجهات المتضررة الرئيسية، وهي MIT ، لم تطلب ملاحقة شوارتز قضائيا. بعد موت شوارتز، كتب والده روبرت، وهو مستشار في الملكية الفكرية: لقد قتلته الحكومة، وخانت مبادئها الأساسية، لقد تصرفت وزارة العدل وكأنها وزارة الانتقام. يؤمن الجميع أن شوارتز كان سيحقق الكثير لو أنه لم ينتحر، لكن انتحاره سيفيد بالتأكيد في التسريع من عملية تطوير التشريعات الرامية إلى تحرير المعلومات وإتاحتها للجميع، بلا مقابل، تحقيقا لحلم شوارتز ولما كان يسعى إليه بكل طاقته. (أنظر المقال: عبقري الانترنت انتحر عن 26 عاما آرون شوارتز. هل راح ضحية ايمانه بحرية المعلومات. العربي العلمي، ص 56، العدد 16، نيسان/ابريل 2013). (2) زلزال أكويلا: القتل بالإهمال، أم الراعي والذئب؟ وأخيرا، حكمت المحكمة بالسجن 6 سنوات على علماء الزلازل الطليان الذين صرحوا بأن لا احتمال لحصول زلزال عنيف في المنطقة، وبعد ذلك التصريح بأسبوع وقع زلزال أكويلا في نيسان 2009، وراح ضحيته 309 قتلى، إضافة إلى 1500 جريح. تعرضنا في صفحتنا هذه بتاريخ 9 آذار 2012 إلى المحاكمة الغريبة التي تعرض لها هؤلاء المختصون بمقال عنوانه : محاكمة علمية غريبة. تبدأ القصة بحصول سلسلة من الهزات الخفيفة طوال عدة أشهر في منطقة ابروزي في ايطاليا. ثم أعلن أحد الهواة عن قرب وقوع زلزال عنيف فتزايد القلق الشعبي. اجتمعت لجنة مكونة من ستة مختصين بالزلازل، إضافة إلى مسؤول في الدفاع المدني، وكان الرأي الذي خرجوا به، أنه على الرغم من أن النشاط الزلزالي خلال الشهر الماضية قد زاد خطر وقوع زلزال عنيف، إلا أن احتمال ذلك يبقى صغيرا جدا، وأن الوضع العام مطمئن. اعتبرت عائلات الضحايا الذين سقطوا في الزلزال العنيف بعد أسبوع من تصريح اللجنة المطمئن، أن اللجنة تتحمل المسؤولية عن بقاء الناس في بيوتهم وبالتالي حدوث وفيات وإصابات، فرفعوا دعوى ضد هذه اللجنة. بعد صدور الحكم بالسجن، ساد شعور بالصدمة والاستنكار. كيف يعاقب باحثون لأنهم عجزوا عن توقع ظاهرة لا يمكن توقعها عادة. هذه السابقة الخطيرة قد تؤدي لنتائج ضارة من أكثر من ناحية: فالمختص سيتردد في المستقبل في إعطاء رأيه في أمر مشابه، خاصة إذا كان مقتنعا بضآلة احتمال حصول زلزال كبير؛ فقد يحدث الزلزال دون أن يكون أي مختص قد أعلن أية توقعات. وفي المقابل، وحتى لا يحصل للمختصين ما حصل لزملائهم الذين حكم عليهم بالسجن، فإنهم قد يطلقون تحذيرات من احتمال وقوع زلازل كبيرة، مهما كانت المؤشرات ضئيلة. ولهذه الممارسة مخاطرها. في البداية ستتخذ إجراءات لإجلاء الناس من المواقع المهددة بالخطر وهذه عملية مكلفة ومزعجة لكل من السكان المعنيين وللسلطات ذات العلاقة. وإذا تكررت التحذيرات والإجلاءات دون مبرر حقيقي، فإن الناس بعد فترة لن يعيروا التحذيرات أي اهتمام، حتى لو كانت هذه المرة جدية وخطيرة. تماما مثل قصة الراعي الذي أحب أن يمزح مع سكان قريته، فصاح: الذئب الذئب. هرع أهل القرية لنجدته ليجدوه يضحك ساخرا منهم. وكرر فعلته بضع مرات حتى لم يعد أحد يصدقه. وحين هاجمه الذئب فعلا وصاح يطلب النجدة لم يجد أحدا يصغي لاستغاثته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق