Powered By Blogger

الثلاثاء، 30 أبريل 2013

أوّل خريطة للأفكار


م. حسام جميل مدانات، العرب اليوم، 30/4/2013 تخيّل أنك دخلت مكتبة ضخمة، مثل مكتبة الكونغرس الأمريكي، باحثا عن كتاب معين بين بضعة ملايين من الكتب. إن التنظيم المثالي للكتب في المكتبة، ومعرفتك به، سيمكنك من العثور على ضالتك خلال دقائق. فهل يعمل دماغنا بطريقة مشابهة. في عام 2009 توصل جاك غَلنْت وفريقه من جامعة كليفورنيا إلى كشف الأثر البصري الذي يحدث في الدماغ حين ترسل العين اليه رسالة لتخبره بما رأت. والآن يخبرنا غلنت بإنجاز عظيم آخر، هو رسم خريطة للأفكار. ولعلّ هذا الإنجاز يمهد لتطوير الحاسوب الذكيّ إذا طبقت فكرة الخريطة عليه. يمتلك الدماغ، تحت تصرفه، عددا هائلا من الطرق لتنظيم الأفكار وتصنيفها وترتيبها وتمييزها والربط بينها. تنتج هذه الأفكار عما تلتقطه حواسنا عن العالم من حولنا. لكن كيف ينجح الدماغ في هذه المهمة الصعبة، وما الذي يقيه من الضياع في خِضَمّ الكمّ الهائل من الأفكار والصور التي يحتفظ بها في تلافيفه؟ التكنولوجيا تكشف السر: استخدم غلنت التصوير بالرنين المغنطيسي MRI لكشف اسرار عملية التفكير في الدماغ. وتبين له أن الأشياء المتشابهة تنشط وتفعّل عدة مناطق متفرقة، وليس منطقة محدودة ومحددة. ولا يقتصر ذلك على تفعيل أشكال معينة، وإنما أيضا التنظيم والترابط بين أفكار مادية أو مجردة. يجري هذا النشاط داخل قشرة الدماع، التي لا يتجاوز سمكها 2مم. قسم الباحثون القشرة، أثناء تصويرهم لها، إلى 30 000 جزء، حجم كل منها 8 مم³، وأطلقوا على كل من هذه الأجزاء اسم "فكسل" Vexel. حين ينشط فكسل معين، فإن العصبونات، أو الخلايا العصبية، داخله، تنشط وتستهلك كمية أكبر من الأكسجين، ويزداد تدفق الدم فيها. وهذا هو ما يكشفه التصوير بالرنين المغنطيسي. أجريت تجربة على خمسة متطوعين، حيث صور دماغهم أثناء مشاهدتهم أفلاما قصيرة. وكانت لقطات هذه الأفلام قد صنفت ورقمت، وهي تنتمي لفئات أفكار منوعة مثل البحر، السفن، الرياضة، الغابة، الحمَام..الخ، وبما مجموعه 1700 صنف، بناء على قاموس أصدرته جامعة برنستون بعنوان شبكة الكلمات Word Net ؛ فكل فكرة ترتبط بفكرة أخرى أكثر تجريدا. مثلا الحمامة ترتبط بصنف الطيور، وبالفقاريات،..الخ. هذه السلسلة من العلاقات المجردة ترسم خريطة نظرية للأفكار. وعلى هذه الخريطة تجد السيارة مثلا ضمن ما ينتمي لصنفها من وسائل النقل كالدراجة والشاحنة. وتجد فعلا مثل "مشى"، مرتبطا بأفعال تدل على نشاط مشابه مثل ركض، جرى، زحف. لكن لا شيء يمنع الدماغ من ربط شيء مع آخر لمجرد تشابههما أو تشاركهما في الكلمة المعبرة عنهما، مثل الفأرة الحيوان وفأرة الحاسوب. فكرة التصنيف بسيطة وبديهية إذن. لكن الجديد هنا هو اكتشاف أن عناصر كل صنف تتواجد في مواضع محددة من الدماغ، وتترابط بين بعضها البعض. 20% من القشرة يفعّل في كل لحظة: قد يميل البعض لتخيل الدماغ مثل خزانة ضخمة بها رفوف وجوارير، حيث تخزن فكرة واحدة في كل جرار. لكن خريطة الأفكار في الدماغ أرقى من ذلك وأكثر اقتصادا للحيز. وحين تثار فكرة ما، فإنها تنشط عددا كبيرا من الارتباطات بين النيرونات، وبما يصل إلى الخمس، أي 20% من عدد الفكسلات في قشرة الدماغ. ويضبط الدماغ مستوى النشاط في كل من هذه الفكسلات، ويميز الأفكار الأقرب للفكرة المثارة. يعتمد الدماغ في ذلك على تصنيف الأفكار وفق 4 محددات رئيسية. ويضم كل محدد مجموعتين متفاوتتين. فالمحدد الأول هو الحركة، ويضم مجموعتين هما الأجسام المتحركة والأجسام الثابتة؛ والمحدد الثاني هو التفاعل الإجتماعي (بين الأشخاص أو الأشياء) أو غياب التفاعل؛ المحدد الثالث هو كون الشيء طبيعيا أو حضاريا مصطنعا، والمحدد الرابع كونه حيا أو غير حي. هذه المحددات الأربعة الرئيسية تشمل بالتأكيد محددات فرعية أخرى. لكن التجربة الحالية لم تدخل في هذه التفاصيل، التي ستكون مجالا لتجارب قادمة أكثر تعقيدا. Science et Vie Mars 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق