Powered By Blogger

الجمعة، 2 مارس 2012

عندما يلهو الفيزيائيون بجزيء الوراثة

حسام جميل مدانات

منذ اكتشاف جزيء DNA عام 1953 على يدي البريطانيين واطسن، كريك، وفرانكلن، أصبح هو نجم الأبحاث الحيوية بلا منازع. هذا الجزيء هو مستودع الصفات الوراثية لكافة الكائنات الحية. قد يصل طوله إلى بضعة سنتيمترات، بينما يبلغ قطره نانومتر واحد، أي جزء بالمليار من المليمتر.

منذ بضع سنوات، لم يعد DNA حكرا على أبحاث علماء الأحياء، فقد اكتشف فيه علماء الفيزياء والكيمياء عنصرا واعدا لبناء نماذج فريدة، وابتكار هياكل جديدة ضمن عالم التقانة النانوية (نسبة إلى النانومتر)، تماما كما فعلوا بعنصر السيلكون الذي يشكل أساس التقانة الإلكترونية، أو كما فيما يخص البوليمرات التي صنع منها البلاستك، والذي غزا عالمنا المعاصر.

مع بداية القرن الحادي والعشرين بدأ ظهور عدد من الإختراعات القائمة على DNA. وكان أبرز المخترعين في هذا المجال الأمريكي ندريان سيمن من جامعة نيويورك. ولا يخلو أي مؤتمر عن التقانة النانوية حاليا من الحديث عن أبحاث علىDNA ، مثل صنع أقفاص قطرها 50 نانومترا من أجل إصطياد وحصر الجزيئات الملوثة أو لتحرير جزيئات علاجية داخل الجسم، أو تشكيل سجادة من DNA ضلعها 100 نانومتر، وتحمل أنابيب كربون نانونية تعمل عمل الترانزستور، أو أنسجة مختلفة التصميم من جزيئات DNA ورابوطات عنكبوتية الشكل مصنوعة من DNA، وتتحرك على سجادة من DNA.

وقد دخل الباحثون من اليابان وأوربا في هذا المجال أيضا وهم يعملون في مشاريع مثيرة، وتعد بثورة تقانية جديدة.

لماذا DNA ؟

لأن هذا الجزيء المكون من بضع مئات الملايين من الذرات، والذي نعجز عن تصنيعه في المختبر، توفره لنا الطبيعة مجانا وبكميات غير محدودة، كما أنه مستقر وثابت للغاية، ويمكن تسخيره بسهولة لأية أغراض نريدها. إنه فعلا رائع!

يكمن السر في الخصائص الإستثنائية لهذا الجزيء الفريد في تركيبه الخاص والمميز. يتكون جزيء DNA من سلسلة طويلة مزدوجة من جزيئات صغيرة تدعى نيوكليوتيدات، وهي تصنف الى أربعة أنواع، نرمز لها باختصار بالرموز A، C، T، G، وهذا يعني أن جزيء DNA يشبه جملة طويلة مكونة من تتابع معين لهذه الحروف الأربعة، تماما كما تكون المفردات العديدة لأية لغة باستخدام عشرين أو ثلاثين حرفا.

وبفضل المعارف المتراكمة عبر الخمسين سنة الماضية من الأبحاث على DNA ، أصبح بإمكان العلماء أن يصنعوا خيطا من DNA بمختلف الترتيبات وبأي طول يرغبونه. أما الأداة المستخدمة لتحقيق هذه العمليات فهي أنزيمات تقسم جزيئات DNA أو تربطها ببعضها البعض.

تزاوج انتقائي

على مدى 3,7 مليار سنة من تواجد الحياة على سطح الأرض، اكتسب DNA ، وهو أساس الحياة، قدرات خارقة، وإمكانيات استثنائية لتشكيل تركيبات بالغة التنوع وذات خصائص فريدة. وقد أمكن استغلال الخاصية الإنتقائية في التزاوج بين جزيئات DNAلتصنيع أشكال متنوعة، مثل الحلقات المفردة أو المزدوجة، أو الشبكات المتعددة الحلقات. طور هذه التقنية بول روثمند عام 2006، وأطلق عليها اسم أريغامي DNA Origami، وهي كلمة يابانية تعني فن طي الورق.

يستخدم الباحثون في هذا المجال فيروسا يدعى م 13، وهو من نوع الفيروسات التي تلتهم البكتيريا. يتكون جزيء DNA فيه من 7000 حرف، وهي بالطبع تتابع للحروف الأساسية الأربعة التي ذكرناها سابقا. ويقوم الباحثون بتعديل تركيب هذا الجزيء، أو بتجميع عدة جزيئات منه، باستخدام برمجيات معينة، وعلى درجة 90 س، ثم بالتبريد المراقب حتى الوصول للدرجة العادية، وذلك للحصول على أشكال هندسة متنوعة منه.

ولا تقتصر هذه العملية على التلاعب ببضعة جزيئات، وإنما يمكن إجراؤها على ملايين الجزيئات المتشابهة، والتي يتم إنتاجها بناء على طريقة البلمرة الآلية. وبالطبع فإن هذه التقنية ما زالت في بداياتها، وما زالت آفاقها مفتوحة على اتساعها لكافة الأفكار والابتكارات التي يمكن أن يتفتق عنها خيال الباحثين.

ومن هذه الأفكار، ذلك الهدف البعيد المدى والمتمثل في صنع حاسوب جزيئي هندسي، يعمل بواسطة التجمع الذاتي لجزيئات DNA ، وليس باستخدام الطاقة الكهربائية. وعندما نصف هذا الحاسوب بأنه هندسي، فإننا نعني أنه يعمل بناء على تغير الأشكال الهندسية لجزيئاته، فهو ليس حاسوبا رقميا كما هو الحال في الحواسيب الحالية. وإن تطوير فيزياء DNA سيجعل هذا الهدف ممكنا يوما ما.

Science et Vie 6/2010
P 104 - 110
صور أعلى 106 - 107

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق