Powered By Blogger

الخميس، 8 مارس 2012

محاكمة علمية غريبة

قبل أربعة قرون جرت محاكمة غاليليو غاليلي بسبب آرائه العلمية حول دوران الأرض حول الشمس، وجوردانو برونو الذي قال إن الشمس مجرد نجم، الأمر الذي عدّته الكنيسة كفرا وتجديفا في حينه. تراجع غاليليو عن أقواله، في حين أُعدم برونو حرقا عام 1600.
وتشهد ايطاليا حاليا محاكمة شبيهة نوعا ما للعلماء. رفعت الدعوى هذه المرة ضد ستة جيولوجيين وموظف كبير في الدفاع المدني. والتهمة هي القتل غير العمد لأنهم لم يُحذّروا السكان من الزلزال الذي ضرب مدينة لاكويلا L’Aquila الإيطالية في 6 نيسان/ابريل 2009، وكانت محصلته 309 قتلى و 1500 جريح. لقد استبعدوا حدوث زلزال مدمر في هذه المنطقة، وذلك قبل ستة أيام فقط من حدوث الزلزال، ورغم تعرّض المنطقة لعدة مئات من الهز!ت الخفيفة خلال الأشهر السابقة.
يشهد العالم عشرات الزلازل سنويا، لكن هذه هي المرة الأولى التي يحاكم فيها مختصون بالزلازل لمثل هذا السبب. وإذا أدينوا، فقد يُحكم عليهم بالسجن 15 سنة!
مهما كان الحكم في هذه القضية، فإنه يحق لنا أن نتساءل عن مدى منطقية هذه المحاكمة؛ إذ نعلم جميعنا أن المختصين بالزلازل والجيوفيزياء ما زالوا عاجزين عن التنبؤ بحدوث زلزال، سواء من حيث توقيته أو مكان حدوثه أو شدّته. وإذا أطلقوا تنبؤات في هذا الشأن، فهي تقريبيّة للغاية وتشوبها الشكوك. والواقع أن عناصر وعوامل كثيرة ما زالت مجهولة في ما يخص علم الزلازل، بل أنه لم يحقق في تقدمه ما حققه علم الأرصاد الجوية في تنبؤه بمنخفض جوي أو بحالة الطقس خلال الأسبوع القادم.
إن كل ما كان يمكن للمختصين أن يقولوه قبل فترة قصيرة من وقوع زلزال لاكويلا هو أنه يوجد احتمال ضعيف لحدوث زلزال، لكنه ليس مستحيلا. وربما كانوا سيقولون أن احتمال وقوع الزلزال هو واحد على مئتي ألف، أو ربما أكثر قليلا، نظرا لحدوث نشاط زلزالي أكبر من العادة في المنطقة خلال الأشهر القليلة السابقة.
وهنا يأتي دور رجال السياسة لاتخاذ قرار أو إجراء وقائي، ولتقدير الكلفة والفوائد المرتجاة، أو بالأحرى ما يمكن تفاديه من خسائر لو حصل الزلزال. المشكلة أنه لا يوجد حتى الآن، لا في ايطاليا ولا في غيرها، أية مرجعية معيارية يمكن اعتمادها لاتخاذ مثل هذا القرار. ومهما كانت نتائج هذه المحاكمة، فإنها ستفيد في إلقاء الضوء على هذا الموضوع الشائك، وتعريف الجمهور بصعوبة مهمة العاملين في مجال الزلازل، وبناء وسائل تواصل أفضل بين المختصين والسياسيين والجمهور. لكن لنأمل أن لا تُتخذ أحكام تدفع العلماء الى النأي بأنفسهم عن العمل في مجال الزلازل، أو في اية مجالات أخرى مشابهة، ذات نتائج كارثية ويصعب توقعها.
يجدر بالذكر أن الصينيين كانوا قد توقعوا حدوث زلزال مدمر قبل أيام من حدوثه. ففي الثالث من شباط عام 1975 تم إخلاء سكان منطقة هايشنغ بعد أن أطلق المختصون تحذيرا من زلزال قوي وشيك، وذلك عندما لاحظوا عدة مؤشرات، منها خروج الأفاعي من جحورها رغم برد الشتاء القارس. وبالفعل فقد وقع زلزال بقوة 7,3 على مقياس رختر يوم 4 شباط / فبراير، أي بعد يوم واحد من الإخلاء. واقتصرت الخسائر على 1300 قتيل.
لكن المفارقة المحزنة أنه بعد نحو عام ونصف من هذا التنبؤ الناجح، حدث زلزال مدمر في منطقة تنغشان، وبقوة 7,5 ، من دون أن يكون قد صدر أي تحذير مسبق عنه. كانت الخسائر في الأرواح هائلة، إذ قتل 292 الف شخص. ويعتبر هذا الزلزال ثالث أسوأ زلزال في العالم حتى الآن، من حيث عدد ضحاياه. كما حصل زلزال في سشوان في الصين في 12/5/2008 بقوة 7,9 وقتل 69 الفا، دون أن ينجح المختصون في توقعه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق