Powered By Blogger

السبت، 31 مارس 2012

أوبرا: زيارة ثانية!

الدكتور سائد دبابنة /العرب اليوم

لا تزال الصحافة العالمية المعنية بالشأن العلمي مباشرة، أو حتى الصحافة اليومية العامة، تورد أنباءً متناقضة حول القضية التي أثارتها التجربة التي أجريت في أوروبا الخريف الماضي، والمعروفة بتجربة أوبرا، التي كنت كتبت عنها في هذه الصفحة سابقاً. كانت الكواشف في مختبر جران ساسو في إيطاليا قد سجلت زمناً أقصر مما هو متوقع لوصول جسيمات النيوترينو المنبعثة من مختبر سيرن الأوروبي للأبحاث النووية في سويسرا، مما أثار جدلاً عالمياً واسعاً حول إمكانية أن تكون تلك الجسيمات قد سارت بسرعة تفوق سرعة الضوء، في خرق واضح لنظرية أساسية في الفيزياء التي نعرفها حاليا!
كنت أشرت إلى أنه تم حساب الزمن المتوقع واللازم لقطع تلك المسافة، على افتراض أن الجسيمات تسير بسرعة الضوء. لكن التجربة فاجأت القائمين عليها بتسجيل زمن أقل من المتوقع بمقدار 61 نانو ثانية، مع خطأ إحصائي لا يتجاوز 7 نانو ثانية، وخطأ قياسي لا يتجاوز 8 نانو ثانية. تناقلت وكالات الأنباء العالمية مؤخراً خبراً يفيد بإثبات خطأ تلك النتائج. ومما جرى تداوله أن سبب الخطأ يعود إلى مشكلة فنية في الاتصال بين وحدة تحديد الموقع، جبس، GPS وأحد الحواسيب.
بالعودة إلى ما كان قد صرح به مختبر سيرن على موقعه الإلكتروني بتاريخ 23 شباط 2012، فإن تلك المشكلة في نظام جبس ذات شقين، الأول قد ينفي احتمالية تجاوز سرعة الضوء، بينما قد يعزز الشق الآخر تلك الاحتمالية! يُختتم تصريح سيرن في النهاية بالقول أن شقي المشكلة لا يزالان تحت الدراسة، وأن تجارب إضافية ستجرى في شهر أيار من هذا العام لتحديد أهمية كل شق من تلك المشكلة الفنية من حيث تأثيره على النتائج النهائية. يُظهر ذلك التصريح أن المختبر العالمي لا زال بعيداً عن الوصول إلى استنتاج قاطع حول الموضوع، لا من حيث الإثبات، ولا النفي!
ربما كانت خطورة تبعات تلك التجربة، وتأثيرها الكبير على ركن أساسي من مجمل النظرية الفيزيائية القائمة حالياً، قد دفعت باتجاه تفسير تصريح سيرن على أنه "ينفي" تجاوز النيوترينوات لسرعة الضوء، بسبب ما ذكر في البيان من وجود أخطاء فنية. لقد أشاعت التغطية الإعلامية عالمياً الانطباع بأن هذا الملف قد أغلق، في حين أن المعنيين بالأمر من العلماء الذين قاموا بالتجربة كانوا في غاية الشفافية والوضوح حين أعلنوا عن وجود "خطأ"، ولكن ذلك الخطأ لا يزال قيد البحث!
ليس من السهولة بمكان قبول النتائج العلمية الجديدة، وهذا نهج ضروري للحفاظ على مصداقية البحث العلمي وصرامته، خاصة عندما يتعلق الأمر بنتائج تنقض بشكل صارخ أركان الواقع العلمي، ولكن ذلك لا يعني بالتأكيد إغلاق الباب أمام أي جديد، وإلا وصل العلم إلى حالة الجمود.
nuclear@dababneh.com
www.dababneh.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق