Powered By Blogger

الخميس، 31 مايو 2012

توسّع الكون

العرب اليوم/ 29/5/2012
أ.د. محمد باسل الطائي

مع بداية القرن العشرين كان الفلكيون يتصورون أن الكون يتألف من جزيرة نجومية كبيرة جداً تعرف باسم درب التبانة أو الطريق اللبني. يظهر جزء منها للناظر إلى السماء في ليلة حالكة الظلام كتجمّع كبير من النجوم، تتخلله سُحب ضبابية، ويمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي. لكن الفلكيين تمكنوا مع بداية العقد الثاني من القرن العشرين من تشخيص سحب سديمية، ظنوها أول الأمر جزءً من المجرة، لكنهم ما لبثوا أن اكتشفوا أنها ليست كذلك، بل تقع خارجها. وعندما وجدوا أن هذه السحب تحتوي نجوما كثيرة أدركوا أنها يمكن أن تكون مجرات أخرى تقع خارج مجرتنا. وكانت هذه المجرات حتى ذلك الحين تسمى السدم الحلزونية Spiral Nebulae . وكان العرب يسمونها (لطخات سحابية). فقد أشار اليها عبدالرحمن الصوفي في كتابه "صور الكواكب الثمانية والأربعين" كما أشار اليها أبو الريحان البيروني في كتاب "القانون المسعودي" وكتاب "التفهيم لأوائل صناعة التنجيم".
في عشرينيات القرن الماضي رصد الأمريكيّان لويل سلفر وإدوين هَبِل هذه المجرات، التي لم يكن عدد ما نراه منها يتجاوز عشرين مجرة؛ سميت لاحقاً الزمرة المحلية. ومن خلال تحليل أطياف الضوء الواصلة الينا من هذه المجرات لاحظا إنحيازاً في خطوط العناصر في هذه الأطياف مقارنة بالخطوط الطيفية للعناصر نفسها التي على الأرض، ما يدل على حركة هذه المجرات، بموجب ظاهرة دوبلر. وقد لوحظ أن لمعظم المجرات انحيازا طيفيا نحو الجهة الحمراء من الطيف، ما دل على أنها تبتعد عنا. وعند حساب الانحياز الطيفي ومقارنته مع البعد، اكتشف هبل قانوناً يقول أن سرعة ابتعاد المجرة عنا تتناسب طردياً مع بعدها عنا.
صورة تقريبية لحالة توسع الكون مع الزمن
وهكذا بدا الكون وكأنه سطح بالون ثلاثي الأبعاد في فضاء رباعي الأبعاد ينتفخ باستمرار. وبمزيد من الرصد تأكد قانون هبل هذا، ما دعى الفلكيين إلى الاعتقاد بأن هذه المجرات ربما كانت مجتمعة على بعضها في وقت ما، ثم انبثقت متباعدة عن بعضها. وهذا ما سُمّي توسّع الكون.
وهذا ما دعا القسّ الهولندي لاميتر Lameter في ثلاثينيات القرن الماضي أن يضع نموذجاً كونياً، جعل الكون فيه ينطلق مما سماه البيضة الكونية، متوسعاً على نحو سريع حتى وصل إلى ما هو عليه الآن. لكن لاميتر لم يقدم الكثير من التفاصيل بما يخص المحتوى المادي للكون في نموذجه هذا، ولا عن كيفية انبثاق المادة والطاقة الأولى في الكون.
بقيت مسألة وجود بداية أو عدم وجود بداية لهذا الكون في حيز الجدل والنقاش حتى نهاية الأربعينيات من القرن الماضي؛ إذ سادت لفترة ما نظرية الفلكي فرد هويل وجماعته، التي تقول أن الكون يمثل حالة أبدية مستقرة ولا بداية له. لكن الفيزيائي جورج غامو وجد أمراً آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق