Powered By Blogger

السبت، 19 مايو 2012

جبس: نظام التوضيع العالمي (GPS)

القاموس العلمي



م.سائد مدانات

قبل ايام، توجهتُ مع زملاء لأداء واجب العزاء في إحدى قرى البلقاء. لم يكن أي منا يعرف الطريق جيدا، وبالطبع فإن لوحات الاتجاهات على الطرق لا تفيد كثيرا. لكن المهمة كانت سهلة عندما اتبع السائق تعليمات تصدر عن هاتف خلوي يحمله زميل مساح: خذ أول طريق إلى اليمين؛ واصل للأمام مسافة 2 كم.. الخ.

إنه نظام "جي بي إس"، أو "جبس"، الذي يوجهك بدقة لتصل الى هدفك في أي مكان في العالم. فما هو هذا النظام المعجز؟

جبس: Global Positioning System (GPS) هو نظام لتحديد الموقع وللملاحة، يوفر معلومات عن الموقع وعن التوقيت لمن يملك المستقبِل (جهاز الاستقبال) الخاص بالنظام، مهما كان موقعه على الأرض أو في الجو، بشرط تلقي إشارات مباشرة من أربعة سواتل (أقمار صناعية) على الأقل.

لمحة تاريخية

عندما أطلق السوفيات ساتلهم الأول سبوتنِك، إلى الفضاء عام 1957، أخذ فيزيائيان أمريكيان على عاتقهما مهمة التقاط الإشارات التي يبثها الساتل؛ وبفضل هذه الإشارات حددا مداره بدقة اعتمادا على ما يُعرف بظاهرة دوبْلر؛ واستخدما لهذا الغرض الحاسوب الضخم " يُنيفاك". فوجىء السوفيات بالمعلومات التي أعلنتها أمريكا عن مدار ساتلهم، إذ أنهم أنفسهم كانوا عاجزين عن حساب هذا المدار بدقة.

ثم سعى العالمان إلى حل المشكلة العكسية: تحديد موضعك أو موقعك على الأرض إذا علمت مدار الساتل بدقة. أثمرت هذه الأبحاث عام 1960 في ولادة نظام أطلق عليه اسم ترانزيت Transit، وهو أول نظام للملاحة وتحديد الموقع، اعتمادا على خمسة سواتل.

قُدّر أن تطوير هذه الأنظمة يحتاج مليارات الدولارات؛ ولم يخصص الكنغرس الأمريكي الأموال اللازمة إلاّ بهدف توفير الدقة لنظام الردع النووي، أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي.

ظهرت فكرة النظام عام 1967، لأغراض عسكرية. وولد المشروع نفسه في البنتاغون عام 1973 وأطلق عليه اسم نافستار. وتطلب تطوير نظام التوقيت على السواتل. وتحقق ذلك عام 1974 عندما أطلق أول ساتل يحمل ساعة توقيت ذرية.

في عام 1983 أسقط السوفيات طائرة ركاب كورية، لأنها "ضلّت" الطريق وحلقت فوق منطقة محظورة، فأصدر الرئيس الأمريكي قرارا بتزويد الجهات المدنية بنظام تحديد المواقع بعد تطويره . ثم أطلق 24 ساتلا للنظام خلال الفترة 89-1994.

في البداية حُصر استخدام الإشارات الدقيقة بالعسكريين، وأدخلت تشويهات مقصودة على الإشارات المتاحة للمدنيين. لكن الرئيس كلِنتون ألغى هذا التمييز في أول أيار عام 2000، فتحسنت دقة تحديد الموقع المتاحة للمدنيين من 100م إلى 20م. علما أن الجيش الأمريكي قادر على وقف هذه الخدمة عن أية جهة في أية لحظة.
وقد تبنّى الاتحاد الأوروبي إنشاء نظام مشابه أطلق عليه اسم غليليو، سيكون جاهزا عام 2014؛ وأنشأ الروس أيضا نظامهم "غلوناس" لتعيين المواضع؛ وبالمثل فيما يتعلق بالصين والهند واليابان.

مبدأ عمل جبس

يحسب مستقبِل جبس (أي الجهاز الذي يستقبل إشارات هذا النظام) موضعه بدقة عن طريق التوقيت الدقيق للإشارات التي تطلقها السواتل. يبثّ كل ساتل باستمرار معلومات عن زمن إطلاق الإشاراة، وعن موقع الساتل في تلك اللحظة.

عندئذ يَحسب المستقبِل الزمن الذي استغرقته كل إشارة حتى وصلته، ويحسب بُعدَ كلّ ساتل عنه. وبناء على مبادىء التثليث المساحي، يحدد المستقبل موقعه، ويعرض هذا الموضع على خريطة تظهر على الشاشة، أو على شكل إحداثيات جغرافية (خط طول وخط عرض) أو إحداثيات تربيعية حسب نظام إحداثيات معين. يلزم عادة توافر اتصال مع أربعة سواتل من أجل حساب الموضع. لكن يمكن الاكتفاء بثلاثة سواتل إذا توافرت معلومات أخرى مخزنة في الجهاز المستقبل، مثل ارتفاعه عن سطح البحر.

فوائد جبس

لن يمضي وقت طويل قبل أن يصبح هذا النظام جزءا لا يتجزأ من كل سيارة، ومن كل هاتف خلوي. يفيد جبس في تحديد الموضع المطلق، والحركة النسبية، والزمن الدقيق. وبإمكان الدفاع المدني والشرطة أن يحددوا موقع أي شخص يرسل رسالة استغاثة بواسطة الخلوي بفضل نظام جبس.

كما يمكن لعلماء الطيور والحيوان أن يتابعوا حركة طير أو حيوان إذا ثبتوا على جسمه جهاز تحديد الموقع بواسطة جبس. وبالمثل فيما يتعلق بمتابعة المسنين المصابين بألزهايمر، حتى نعثر عليهم إذا ضلوا طريقهم.

وأخيرا لا شك أن نظام جبس يقدم خدمة لا تقدر بثمن في مجال الملاحة الجوية والبحرية والبرية، وأيضا للمساحة الطبغرافية والعقارية على السواء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق