Powered By Blogger

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

الغبار يحكم العالم

م. حسام جميل، العرب اليوم، 9 تشرين أول/ أكتوبر 2012 قد تغلق ربة المنزل ابواب المنزل ونوافذه طوال اليوم، ثم تفاجأ بطبقات من الغبار المتراكم في كل مكان. من أين دخل، وهل تسلل عبر الجدران والنوافذ المغلقة؟ ثم هل من مبرر للانزعاج منه والسعي دون كلل أو ملل لمسحه عن سطوح قطع الأثاث؟ نعرض فيما يلي ملخصا لمقال بالعنوان أعلاه نشرته مجلة العلم والحياة الفرنسية في 8 صفحات في عددها رقم 1134، آذار 2012. ما هو الغبار؟ يتكون الغبار من دقائق أو جسيمات صغيرة للغاية، ويتراوح قطرها بين أجزاء من مئة من النانومتر، أي أصغر بعشرة آلاف مرة من سمك الشعرة، إلى جسيمات أكبر، وتعادل الشعرة في سمكها. وهي الحجوم التي يمكن للهواء أن يحملها في الظروف العادية. أما في حالة هبوب العواصف، فإن الهواء يكون قادرا على حمل دقائق من التراب والرمال أكبر من ذلك بكثير. يقدر أن قرابة خمسة مليارات طن من الغبار تنتشر في الجو كل سنة. وتتراوح فترة مكوث جسيمات الغبار في الهواء بين بضع دقائق للجسيمات الكبيرة، إلى بضعة اسابيع لأصغرها حجما. تأثير الغبار على البيئة الحيوية نذكر أولا أن الغبار هو فتات ناعم من الصخور التي تتكون من معادن متنوعة. هذه المعادن تمثل عناصر أساسية لحياة النبات والحيوان. وعندما يترسب الغبار على سطح المحيطات والبحار، فإنه يساعد في ازدهار وانتشار الطحالب العالقة على سطح الماء. وهذه بدورها تمتص ثاني أكسيد الكربون من الجو خلال عملية البناء الضوئي، مخفضة تركيزه في الجو بنسبة 30%، فيتضاءل تأثير هذا الغاز في تسخين جو الأرض. ولا يقتصر التأثير الايجابي للغبار على البحار، فالغبار يمد مناطق اليابسة بالمعادن المخصبة. ولعل أفضل مثال على ذلك هو غابات الأمازون. حيرت هذه الغابات الكثيفة العلماء لأن تربتها فقيرة جدا. ولم ينكشف السر في ذلك إلا في عقد التسعينيات، مع تطور أرصاد السواتل، أي الأقمار الصناعية، للأرض. أظهرت صورها أن ملايين أطنان الغبار تنتقل من الصحاري الإفريقية إلى غابات الأمازون، حاملة معها المعادن المخصبة للتربة. ومصدر قرابة نصف هذه الكمية هو من منخفض بودلي قرب بحيرة تشاد، التي قد تحمل العواصف منها في الشتاء حتى سبعمئة الف طن من الغبار يوميا. تأثير الغبار على المناخ في عام 2006 أثبت باحث أمريكي أن غبار الصحاري الافريقية يساعد على إخماد حدة الزوابع، المسماة اوراغان، في المحيط الأطلسي. وهي عادة تتحرك غربا لتضرب السواحل الأمريكية. لا تتولد هذه الزوابع عادة إلا إذا سخن ماء المحيط في بقعة ما إلى ما فوق 26 درجة، ولعمق بضع عشرات من الأمتار، لكن وجود كمية كافية من الغبار فوق هذه البقعة قد يحجب أشعة الشمس ويبردها قبل أن تتنامى الزوبعة. دخان الحرائق في الهند يولد عواصف التيفون في بحر العرب مع ازدهار الصناعة والاقتصاد في الهند، يتزايد انبعاث دخان المصانع والسيارات، وحرق الغابات. تتصاعد دقائق الدخان ويحملها الهواء غبارا نحو المحيط الهندي وبحر العرب. لم تكن العواصف شائعة في بجر العرب في السابق، لكنها تزايدت مؤخرا. والوضع هنا مغاير لما هو في المحيط الأطلسي. فالمحيط الهندي دافئ أصلا، لكن الغبار يعمل على إبطاء سرعة الرياح فيه. وعندئذ تصبح الظروف مواتية لتولد الإعصار. أخيرا نورد ما يثبت أن الغبار يحكم البشر حاليا. إذ يكفي أن تلاحظ الوقت والجهد والمال الذي تنفقه ربات البيوت على ملاحقة الغبار والبحث عنه ومسحه. كان الإنسان قديما يعبد الأصنام ويقدم لها بعض ماله. ونحن الآن نقدم أكثر من ذلك بكثير لهذا الصنم الجديد: الغبار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق