Powered By Blogger

الاثنين، 15 أكتوبر 2012

عجائب الإدارة في بلدة برقطة


العرب اليوم، ملحق الناشئة، العدد 6، 30 أيلول / سبتمبر 2012حسام مدانات، (لن تجد برقطة على خريطة أية دولة، لكنها موجودة في كل مكان تحت اسماء أخرى). أثناء زيارتي لبلدة برقطة اللطيفة لفت نظري مشهد أدهشني: رجلان يعملان على رصيف الشارع الرئيسي. أحدهما يحفر حفرة، ثم يأتي زميله فيطمر الحفرة فورا، ويكرران العملية مرة بعد أخرى. فكّرت كثيرا ولم أحزر السبب. ( هل يمكنك معرفته؟) سألتهما، فجاء التفسير بسيطا ومقنعا: وظيفتنا هي زراعة الأشجار على الرصيف. ونحن ثلاثة أشخاص: أحدنا يحفر الحفرة، والثاني يضع الشتلة فيها، والثالث يطمر الحفرة. واليوم زميلنا الذي يضع الشتلات مجاز... ونحن نقوم بعملنا كالمعتاد. تابعت سيري في شوارع برقطة. فشاهدت عاملا مكلفا بطلاء حواف الرصيف باللون الأصفر؟ وكان رئيسه غاضبا. قال لي: تخيل أنه دهن في الساعة الأولى مئة متر، وفي الساعة الثانية عشرين مترا، وفي الساعة الثالثة خمسة أمتار فقط. لم أدرك السر في هذا التراجع الكبير في الإنجاز. فهل يمكنك أن تحزر السبب؟ لقد أصبحت علبة الدهان بعيدة! وكان لقائي الثالث مع مواطن ينوء تحت عبء ملف ضخم به مئات الأوراق. قال لي إن هذه أوراق معاملة قدمها لبناء جدار صغير لحديقته. ويجب أن تمر المعاملة على نحو خمسين شخصا ليوقعها كل منهم، بالطبع دون أن يقرأها أي منهم. وقد يكون أحد هؤلاء المسؤولين مجازا، فيجب الانتظار، "وها قد مضت سنتان وأنا أتنقل من مكتب حكومي إلى آخر. ولا شك أن أولادي، وربما أحفادي أيضا، سيتابعون المعاملة بعدي." قال لي مرافقي. أتعلم لماذا سميت بلدتنا برقطة؟ إنها بلد البيروقراطية (ونحن نفتخر بها)، وتعني حرفيا حكم المكاتب. لدينا تسلسل حازم في المسؤوليات؛ والعمل مقسّم بين الموظفين. ولا يجوز لأي منهم أن يقوم بعمل زميله، حتى لو غاب ( فهمت الآن لماذا يحفر الأول الحفرة وزميله يطمرها). الأنظمة والتعليمات مكتوبة وثابتة ولا يجوز كسرها أو تغييرها أبدا مهما مرّ الزمن أو تغيرت ظروف الدنيا. فالتعليمات مقدسة والجميع في خدمتها وليس العكس! ولا يُسمح لأي موظف أن يفكّر، أو أن يبادر إلى تغيير أسلوب العمل أو تطويره، أو حتى أن يقترح ذلك. وإن فعل، فتلك جريمة لا تُغتفر. فكّرت في حديث مرافقي. واكتشفت أن كل إنسان يمارس نوعا من البيروقراطية في حياته اليومية: عندما ترتدي ثيابك، وتتناول فطورك، وتجهز نفسك للذهاب إلى المدرسة أوالعمل في الصباح، فإنك تفعل كل ذلك دون تفكير، وإنما بحكم العادة والروتين. وهذا يختصر الوقت بلا شك، تماما كما تختصر التعليمات البيروقراطية وقت أداء المهامّ الرتيبة...في البداية فقط، عندما وُضعت هذه التعليمات. لكننا نعيش زمن التغيّرات السريعة؛ وما كان يصلح بالأمس قد لا يصلح اليوم أو غدا. ولا بد من مراجعة التعليمات دائما. ولا بد أيضا من الترحيب بمبادرات الجميع للتطوير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق